الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد راشد ثاني ومقهى الموت

26 ابريل 2012
قضية الموت عند أحمد راشد ثاني قضية ذات أبعاد فلسفية عميقة، وهو يهادن الموت أحيانا ويسخر منه أحيانا أخرى ولا يلقي له بالا غالبا. وحين يتحدث عن الذين رحلوا من أقرانه الأدباء لا يقترب من الموت، ولا يهجوه بل يعدد مآثرهم وذكرياته الحميمة معهم. هو الموت هذا الذي لا يكف أبدا عن العمل كما يقول أحمد راشد ثاني، وهذه أشارة منه إلى كثرة الذين أختطفهم الموت ربما. والكلام عن فكرة الموت أضحى عنده مثل العلكة الجافة من كثرة ما لاكها أو لاكت هي تفكيره، كما ذكر في مقاله “العيش في المستشفى” المنشور في “الاتحاد الثقافي” بتاريخ 8 ديسمبر 2011. يقول: “والذي أدهشني إنني لم أجزع أو أصدم أو أتأثر من اكتشاف الآخرين لذلك المرض في جسدي. حقا كانت أسئلة الحياة والموت تراودني بوتيرة أعلى بعد ذلك الاكتشاف، ولكنها ليست جديدة علي فهي أسئلة تنتابني منذ الطفولة ولقد لاكت تفكيري ولاكها حتى أصبحت على ما يبدو علكة جافة”. وهذا تفسير منطقي معقول عن عدم اكتراثه بالموت. ويروي قصة موت أمه قبل سنة وكيف أن سريره الذي يرقد فيه يجاور السرير الذي ماتت فيه أمه. هل يود أن يتصالح مع الموت ويجعل منه أمر بديهي لا يستدعي الجزع والقلق والتوجس، ولا انتظار هذا الذي لا بد منه؟ إن مدة بقاءه في المستشفى، وهي شهر ونصف ذات مرة كانت، بمثابة سفر أجبرته الظروف عليه فليتعامل معه إذا بأخلاق الرحالة النبيل وبسلام نفسي واستسلام، وكما يقول: “ليس سيئا كليا العيش في مستشفى. السيء أن لا تستطيع العيش فيه، أن لا يمكنك هو كمستشفى من التواطؤ مع العيش، أو ألا يمكنك قلقك على الحياة أو تعتقد بأن العيش كمريض في المستشفى أقرب إلى اللاعيش وهذه حقيقة. ولكن كيف بإمكانك تقبلها كي تعيش في مستشفى”. ويؤكد هذا البعد الفلسفي التأملي بقوله: “سقراط لم يمت، سقراط يتلألأ في عين السؤال”. وحين ينشغل بأسئلة الموت تراوده فكرة، مجرد فكرة ولمرات عديدة، أن يحضر كوب شاي (كرك) أو قهوة ويجلس في مكان ويسمي هذا مقهى الموت: “أن أجيء بكوب شاي كرك أو قهوة وأجلس على أحد المقاعد في هذه الساحة الخالية إلا من أشجار قليلة خاصة قبيل الغروب كي أتأمل الحياة والموت وأسمي ذلك مقهى الموت”. ويقصد بها الساحة المؤدية إلى مبنى غسيل الموتى. هذه اللعبة مع الموت وهي تأمل قبل الغروب في ساحة موحشة لا حياة فيها..هل هي تحدي للموت ولامبالاة به؟ قليلون هم الذين يستطيعون التحايل على رهبة الموت هذه وخاصة بعض الأدباء والمبدعون الذين يظل الخوف من المرض والموت والشيخوخة يمثل لهم هاجسا مقلقا ومرعبا. كنت قد تعرفت على شعر أحمد راشد ثاني في وقت مبكر من خلال كتاب أصدرته جامعة الإمارات في العام الدراسي 82 ـ 83 وهو لمجموعة أصوات أدبية في الجامعة بعنوان “للوطن نغني/ أغاني البحر والعشق والنخيل”. شدتني قصائده بالرغم من أنها من بواكير إنتاجه في تلك الفترة المبكرة من مشواره الشعري، وبعدها أخذت أتابع ما يمكن تسميته بمشروعة الفكري والإنساني. الرجل لم يكن شاعرا وكاتبا وحسب فقد طغى عليه الحس الإنساني المرهف، وانشغل بمعاناة وألم الإنسان وتطلعاته إلى مستقبل أفضل، وحمل لواء التنوير شأنه شأن المفكرين الكبار حتى أجهده ذلك.. أتخيل ذلك كلما نظرت إلى صورته ووجه النحيل الشاحب ونظراته الثاقبة التي تبدو من خلف نظارته. وثمة من يقول أن أحمد راشد ثاني لم ينل مكانته التي يستحقها، ولم يكن أقل شأنا من الشعراء العرب أمثال بدر شاكر السياب، محمود درويش، أدونيس، سميح القاسم، وخليل حاوي وغيرهم، ولقد أضحى من العبث تكرار القول بوجوب تكريم المبدعين في حياتهم أتذكر الآن حينما التقيته صدفة، وأحس إنني أريد أن أتحدث إليه، اقترب مني وحياني بابتسامة وببشاشة وود، كنت أريد أن أقول له بأنني أعرفه وإنني أتابع أشعاره ومقالاته. سألني إن كنت من رأس الخيمة، ربما لاحظ أن سحنتي تشبه أهل رأس الخيمة. وددت لو سمح له وقته بالدخول معه في حوار مطول حول تجربته في الشعر والحياة فقد كانت تجربة ثرية حقا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©