الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معايير الأرقام

معايير الأرقام
26 ابريل 2012
حصد “مزاد الأعمال الفنية العربية والإيرانية والتركية الحديثة والمعاصرة” الذي نظمته دار كريستيز بدبي على مدار يومين ما مجموعه 6,402,825 دولار أمريكي (23,515,190 درهم إماراتي)، مقارنة بالقيمة التقديرية الأولية التي أعلنت عنها كريستيز قبل انعقاد المزاد البالغة 6.1 مليون دولار أمريكي. وبيعت خلال المزاد بجزأيه الأول والثاني 91 بالمئة من الأعمال المعروضة حسب القيمة. وفي التفاصيل، بلغ رَيْع الجزء الأول من المزاد 4,016,300 مليون دولار أمريكي (14,751,870 درهم إماراتي)، فيما بلغ رَيْع الجزء الثاني 2,386,525 دولار أمريكي (8,763,320 درهم إماراتي). من اللافت بيع الأعمال التي تبرّع بها فنانون عراقيون معاصرون لدعم مؤسسة صدى غير الربحية المعنية برعاية الحركة الإبداعية العراقية، حيث بيعت تلك الأعمال بقيمة إجمالية قدرها 102,625 ألف دولار أمريكي (376,941 درهم إماراتي). وتوالت الأرقام القياسية العالمية حيث بلغت 43 رقماً قياسياً، وكان لافتاً أن 22 منها لفنانين تقل أعمارهم عن 35 عاماً. وبحسب مايكل جيها، المدير التنفيذي لدى كريستيز الشرق الأوسط ورئيس المزاد فقد “حقق مزاد الأعمال الفنية العربية والإيرانية والتركية الحديثة والمعاصرة الذي انعقد على مدار يومين نتائج رائعة ومشجِّعة في مؤشر آخر على المكانة الراسخة لسوق الأعمال الفنية بمنطقة الشرق الأوسط وآفاقها الواعدة في الأمد البعيد. إذ اكتظت القاعة بالمزايدين، المخضرمين والجُدد، الذين تنافسوا على اقتناء الأعمال المعروضة. ورغم أن النَّسَق الجديد للمزاد وتقسيمه إلى جزأين بدلاً من المزاد المعتاد، غير أنه حقَّق في دورته الثانية نجاحاً واسعاً، وهو يتوافق مع ما جرت عليه العادة في مزادات كريستيز الدولية في نخبة من مُدن العالم العريقة في هذا المضمار. كما يدلُّ بيع 93 بالمئة من الأعمال المعروضة خلال الجزء الثاني من المزاد على تحمُّس المقتنين للنَّسَق الجديد من المزاد. سعيدون بما حققته وتحققه سوق الأعمال الفنية الشرق أوسطية، ودور ذلك في تشجيع جيل المستقبل من الفنانين والمقتنين على السواء. وأريد أن أشير أيضاً إلى أن نحو خُمس الفنانين المشاركين بالجزء الثاني من مزاد كريستيز لم يسبق لأعمالهم المشاركة بمزادات علنية عالمية من قبل وَهُمْ دون 35 عاماً”. ومن اللافت أيضا خلال اليوم الأول أن المقتنين الذين ظفروا بـ 38 لوحة بيعت خلال مزاد اليوم ينتمون إلى 10 بلدان، 65 بالمئة منهم من بلدان الشرق الأوسط، و35 بالمئة من خارجها. واحتلت ثلاثة أعمال معاصرة مكانة متقدمة على قائمة الأعمال الأعلى قيمة خلال مزاد اليوم، ليتأكد التوجه الذي ظهر جلياً في مزاد شهر أبريل حين تنافس كبار المقتنين على مجموعة من الأعمال المعاصرة التي باتت تستأثر باهتمامهم في مزادات كريستيز بدبي. يُذكر أن مزاد كريستيز الحالي هو أول مزاد تنظمه كريستيز وفق النسق الجديد الذي أعلنت عنه مؤخراً، حيث ينعقد المزاد على جزأين. تجارب وأسماء بعد هذه المقدمات الأساسية، نقول إنه في كل عام يقدم مزاد كريستيز فرصة للتعرف على مجموعة جديدة من التجارب والأسماء الفنية التشكيلية الجديدة، إضافة إلى الأسماء التي باتت راسخة في هذا الاحتفال الفني العربي والشرق أوسطي عموما. تجارب تمثل أبرز ما قدمه الفنانون العرب خلال القرن العشرين، والعشرية الأولى من القرن الجديد، وتختزل أهم التيارات الفنية التي أصبحت اليوم تجسد روح الفن التشكيلية المعاصرة، وإن كانت تفتقد تجارب مهمة في هذا المجال، مثل العراقي شاكر آل سعيد، والفلسطيني إسماعيل شموط ـ مثلا ـ وغيرهما من الفنانين الذين يصعب تفسير غيابهم؟ ويطرح مجددا معايير القائمين على المزاد في اختيار الأعمال التي تجري “المزايدة” (أو المناقصة) عليها؟ هنا يحضر الرواد الكبار مثل المصري محمود سعيد على رأس القائمة، بلوحاته المتميزة مع فتيات مصر، خصوصا في الريف المصري، واللبناني (الفلسطيني الأصل) بول غيراغوسيان، والسوريين لؤي كيالي وفاتح المدرس من جيل الرواد، كما يحضر الجيل اللاحق ممثلا بالسوري صفوان داحول، ثم العراقي أحمد السوداني الذي باتت أعماله تنال شهرة عالمية وتباع بأسعار خيالية نسبة إلى ما تعرفه أسعار اللوحة العربية في عالمنا العربي. وهنا يدخل عالم التجارة والاستثمار بالفن بوصفه سلعة ذات أرباح وفيرة. وفي السياق تحضر التجربة المميزة للفنانات الإماراتيات الأربع مع الفنان التونسي نجا مهداوي، التجربة التي توجتها لوحة خماسية تستحق الوقوف عليها. المخضرمون والجدد لا أريد الوقوف على ما حقق المزاد الذي شهد مشاركة كثيفة من المقتنين والمهتمين، بقدر ما يهمني تناول أبرز الأعمال التي استأثرت بتنافس المقتنين، ومنها لوحات لفنانين لم يسبق أن دخلوا المزاد، وأخرى لفنانين باتت أسماؤهم حاضرة في كل مزاد. الفنان المصري محمود سعيد صار علامة بارزة من علامات هذا المزاد، وإن كانت أسعار لوحاته تراجعت عن أسعارها في دورات سابقة، حيث سبق وبلغ سعر إحدى لوحاته “الشادوف” مليونين ونصف المليون دولار، بينما لم تحصل لوحته “مرسى مطروح” سوى على ستمائة ألف دولار. لكن الملاحظة المهمة هنا أن هذا السعر كان هو الأعلى في المزاد، فلم تبلغ لوحة نصف هذا السعر سوى لوحة ثانية للفنان نفسه وهي “ميناء بيروت 1954” وحصلت على ثلاثمائة ألف دولار، مع استثناء لعمل الفنان العراقي أحمد السوداني (مواليد 1975) بيع بثلاثمائة وستة وثمانين ألف دولار. غريبة هي سوق الفن والأعمال الفنية، ترفع من تشاء وتخفض من تشاء، من حيث سعر اللوحة فقط، طبعا، ولكن هذا العنصر لا يمنح امتيازا فنيا للوحة ذات السعر الأعلى، ولا تعني انخفاضا فنيا لتلك اللوحات ذات السعر المنخفض. ليس هذا سباقا فنيا، فليس من “العدل الفني”، في ظل الأرقام المذكورة سابقا، أن تباع لوحة سامية حلبي بأربعة وستين ألف دولار، ولوحة بول غيراغوسيان بأربعة وسبعين ألف دولار، ولوحة فاتح المدرس بثمانين ألف دولار، وهؤلاء من كبار الفنانين العرب، لو كانت المسألة الفنية هي المعيار في هذه السوق، ومقاربتنا لا تنتقص من قيمة الفنانين أصحاب الأعمال ذات الأسعار الأعلى نسبيا. لماذا محمود سعيد؟ سؤال يظل له حضوره في كل مزاد جديد، ومع أنه ذو حضور كبير في الحياة الفنية والثقافية المصرية، غير أن من الممكن القول إن لمزاد كريستيز دورا في تسويقه وإعادة لفت الأنظار إليه وإلى تجربته المهمة عربيا وعالميا، خصوصا عبر عرض سلسلة فتيات من الريف المصري، التي يبدو أنها صنعت جانبا من هويته الفنية. لكن لنتذكر أن له لوحة “الدراويش”، والتي يمتلكها د. محمد فارسي، وسبق وعرضت في المزاد وكانت التوقُّعات المبدئية قبل انعقاد المزاد أن يتراوح سعر اللوحة ما بين 300 و400 ألف دولار. إلاَّ أنها قلبت كُل التوقعات، لتُسجِّل “أغلى لوحة فنية حديثة في منطقة الشرق الأوسط”، بمبلغ 9 ملايين و350 ألف درهم إماراتي، أي ما يعادل 2,546 مليون دولار. وهذه اللوحة التي رُسِمت عام 1929. تنافس على شرائها، سِتة مُزايدين. وفيها يظهر سِتة من الدراويش. بملامح مُتشابهة. وملابس مُتماثلة. مع فروق في وضعية كل منهم. أثناء تأدية الأذكار الدينية. وفي الوقت الذي يحضر فيه العراقي جواد سليم بتاريخه الفني العريق، فتباع لوحته بمائة وثمانين ألف دولار، يحضر العراقي أحمد السوداني بلوحة تباع بضعفي هذا المبلغ تقريبا، وبصرف النظر عن المستوى الفني لهذا العمل أو ذاك، يظل السؤال قائما حول أية ذائقة تحكم هذا المقتني أو ذاك، وإلى أي حد تلعب الصالة التي تعرض للفنان دورا في تسويقه ورفع سعر عمله؟ ومن بين لوحتين رائعتين باعهما “متحف نورث كارولينا للفنون” خلال المزاد دعماً لصندوق المقتنيات بالمتحف لوحة للفنان اللبناني صليبا الدويهي (1994 ـ 1915) حيث بيعت مقابل 278,500 دولار أمريكي بعد أن تراوحت قيمتها التقديرية الأولية بين 80,000 و120,000 دولار أمريكي، حيث سجَّلت لأعماله رقماً قياسياً عالمياً جديداً. وبعد النجاح الواسع الذي حققته مجموعة أعمال “حافة الجزيرة العربية” بمزاد كريستيز الذي انعقد في أبريل 2011، ودعم كريستيز لمعرض المجموعة بجدّة مؤخراً، صفق الحضور حين بيعت لوحة الفنان التشكيلي السعودي عبدالناصر غارم (وُلد 1973) المعنونة “في الترانزيت 5” مقابل 116,500 دولار أمريكي، مسجِّلة ثاني أعلى رقم قياسي تحققه أعمال غارم في مزاد علني. تجربة إماراتية ـ تونسية هذه عوامل أساسية في الترويج للعمل الفني، ونكتفي بالمجال العربي لنتوقف عند المجال الإماراتي، حيث خاضت أربع فنانات إماراتيات تجربة جديدة وحديثة ضمن هذا السباق الفني، فقد شاركت الفنانات: خولة المري، وزينب الهاشمي، وشما العامري، وفايزة مبارك في ورشة عمل خاصة لإنجاز عمل فني مشترك بإشراف الفنان التونسي المعروف نجا مهداوي، الذي وضع الأساس لعمل فني لا اسم له وإن كان يطلق عليه عنوان “سكتة قلبية”، وخلال التحضيرات، أخفى الفنان لوحته عن الفنانات المشاركات، وأبقى على الحوار المفتوح معهن حول حرية التعبير عن الذات، وكانت المفاجأة لحظة الكشف عن العمل الذي بلغت مساحته المترين مربعة، وقد شغل عمل مهداوي معظم المساحة، تاركا لكل فنانة زاوية ضيقة يبدو أن التحرك فيها صعب، لكن الفنانات أنجزن عملهن، وقدمت كل منهن لوحتها الخاصة. وفي حديث “الاتحاد الثقافي” معه قال الفنان نجا مهداوي إنه سعيد بهذا العمل الذي تم إنجازه، و”بصراحة تركت للفنانات حرية الاختيار في كل شيء، بدءا من الموضوع واللون، ولم أتدخل في عملهن إلا حيث كان التدخل ضروريا، أو لإضافة لمسات من الخط العربي في هذه اللوحة أو تلك. وبالنسبة لي كانت التجربة مهمة في مجال العلاقة مع جيل جديد من الفنانات، وكانت مناسبة للحوار الفني وتبادل الأفكار بين الأجيال، حيث لا بد من هذا الحوار ليتم التواصل ولا تكون هناك قطيعة. وقد وجدت لدى هذا الجيل اقتراحاته الفنية المفتوحة على التجديد في العلاقة مع الموروث”. وتحدث الفنان التونسي عن عمل تم إنجازه بالتعاون بينه وبين أربع فنانات قائلا “لقد جاءت كل فنانة من الفنانات بالتصور الخاص بها، ولم تكن هناك أية تصورات مسبقة، وبهذا تم إنتاج عمل فني خماسي لا تحكمه معايير معينة، سوى التصور الذي تحمله الفنان وهي تقبل على تقديم مشاركتها، لكن الجميع عملن بعيدا عن الأساس الذي وضعته لهن، وكان لكل منهن ثيمتها الخاصة التي اجترحتها بعيدا عن أي تأثر بالأساس الذي وضعته”. وفي حديثهن لـ”الاتحاد الثقافي” عبرت الفنانات عن سعادتهن للعمل مع الفنان المهداوي، وقالت زينب الهاشمي إنها جاءت إلى العمل دون أي فكرة مسبقة، لكنها سرعان ما اندمجت في العمل وقدمت مشاركتها المختلفة تماما عن روح العمل المقدم من قبل الفنان، والأمر نفسه كررته الفنانات المشاركات بهذا العمل، إذ قدمت كل منهن مساهمتها الخاصة، وغلبت على هذه المساهمات روح التراث الممزوج بالحداثة، وهو ما منح اللوحة الخماسية روح التراث الإماراتي في صيغتها النهائية. وما بين التجريد والتجسيد قدمت الفنانات لوحات “مختصرة” لكنها تمثل صورة خاصة بكل منهن. المساحة ضيقة كما عبرت إحدى الفنانات، لكنها كانت مضطرة للتعامل معها وملء فراغها الأبيض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©