الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أقصر من علبة «بيبسي»!

5 يوليو 2010 21:27
لم يشعرني أحد بالعجز كما فعل ويفعل الصديق الصحفي أحمد خيرالله، هذا الشاب الذي لا يستطيع تحريك قدميه، ويستعين بكرسي متحرك للانتقال من نقطة إلى أخرى، يضعني في مأزق حقيقي أمام نفسي، ويمنحني صورة واضحة أبدو فيها أقصر من “علبة بيبسي”، يفعل هذا كله من غير قصد، ومن دون نيّة مبيتة لإيذائي “جسدياً على الأقل”، وبلا تعمد “بواح” للانتقاص من قوتي، والتشكيك في يقيني، عن أينا “المعاق”؟!. أجلس اليوم كاملاً أبث الآهات متذمراً وحانقاً وساخطاً على بدني المجهد من كثرة النوم، وروحي المنهكة من فقر التأمل، ورأسي المثقل بالقصص السخيفة والكلام الفارغ، وأنفث ما تيسر لي من الزفرات متأففاً من سخونة المسافة بين بيتي والمكتب، ومن عجز مكيف السيارة عن جعل “الكابينة” باردة بما يكفي ليتجمد عرقي في مسامه، ومن اضطراري إلى التحرك خطوتين فقط لتناول ورقة من الطابعة، أستفيد عادة من عبور أحدهم أمام مكتبي لأطلب منه أن يمدها لي “على طريقه”. هذه الحالة من الانزعاج تدوم لساعات، وأنا أجلس مسترخياً على كرسي دوّار لا أغادره إلا قليلاً، بينما “الطيب” أحمد خيرالله يذرع المكان ذهاباً وإياباً على كرسيه المتحرك، وينتقل من غرفة إلى جارتها، ومن طاولة إلى أختها، وعلى ثغره مئات الابتسامات الطازجة المتاحة للقطف، وفي عينيه يلمع فرح جديد. أفكر كيف لرجل مثله أن يبدو طافحاً بالفأل الحسن، ومترعاً بإرادة لا تهزم، وقوة لا يخونها إصرارها، فيما يحاصرني الإحباط بـ”قرفه”، ويلسعني التوتر بإبرته السامّة، ويدفعني الكسل إلى الاستكانة دفعاً. أفكر، وأنتهي إلى أنني “المعاق” لا هو.. وأنني كتلة من “العجز” كوّمتها الصحة الزائلة بعضاً فوق بعض، وأنه أسال قلبه في ساقيه، ومسدهما بشجرة مسك نبتت في روحه فور أن أدرك أن الحياة أطول من أن نعيشها كاملة، وأقصر من أن ننتظرها لتتهيأ لنا، أما أنا الواقف على قدمين صلبتين فما زلت عاجزاً عن بلوغ هذا المعنى، ربما لأن روحي غير صالحة لزراعة أشجار المسك، وربما لأن قلبي لا يسيل إلا إن مسته لظى. فكرت وانتهى الأمر، لكن ماذا عنكم؟!.. جربوا أن تفعلوا، ستنتهون إلى النتيجة نفسها، وهي أننا أضعف من أن ننتصر على “معاق” مثل هذا الرجل الحافل بالصدق مع نفسه، والواثق من أنه عضو “طيب” في هذا العالم المزدحم بالأعضاء “المريضة”! هو لا يخوض حرباً معنا، ليكتشف مدى قوته، كل ما يفعله أنه يبدو قوياً لنكتشف “نحن” كم أننا ضعفاء، ويذكرنا بأن القوة “ها هنا” في القلب تماماً – كما التقوى -، فهل هناك “هزيمة أذل” من هذه الهزيمة، وهل هناك “عزيمة أجل” من تلك العزيمة؟!...لا تبحثوا، فلن تعثروا إلا على “صفر كبير”، ولن تقدروا على حمله أيضاً. alfheed@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©