السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في مصر... السوق السوداء تزدهر

26 ابريل 2013 22:32
أبيجيل هاوسلوهنر القاهرة تخرج عربة البنزين صفراء اللون التي تجرها الخيول إلى شارع رئيسي مزدحم يمتد متعرجاً في حي عشوائي فقير في شرق القاهرة. وسرعان ما تقف السيارات والشاحنات لتعبئ خزاناتها منها، كما يجيء المارة أيضاً حاملين معهم أوعية بلاستيكية لتعبئتها بالوقود. والعربة الصفراء ليست هي وحدها التي تبيع البنزين، فهناك أيضاً الحاويات الصغيرة والبراميل التي تبيع الديزل المهرب المنتشرة في كل مكان في القاهرة، وهناك كذلك الباعة الجائلون الذين يقومون ببيعه في الشوارع والحارات الضيقة بجوار المحال، وبالقرب من ضباط الشرطة الذين لا يبذلون جهداً يذكر لإيقافهم. وسوق مصر السوداء التي يباع فيها الوقود، والمواد الغذائية، وغيرهما من السلع، والدولار الأميركي، قد تكون المظهر الأكثر بروزاً الدال على مدى التدهور الذي ضرب اقتصاد هذه الدولة العربية الكبيرة، بعد مرور عامين على تنحي حسني مبارك. ولعقود عدة ظلت أسعار السلع الأساسية، مثل الوقود والدقيق ثابتة، حيث كانت مصر تصب ربع ناتجها القومي الإجمالي تقريباً، في نظام دعم سلعي متضخم، وغير فعال، كل عام. ولكن بسبب عامين من الاضطرابات السياسية، والضعف الحكومي، والصناعة السياحية المدمرة، والاستثمارات الشحيحة، فإن أرصدة العملة الأجنبية تنفد سريعاً من خزائن الحكومة التي باتت عاجزة عن دفع قيمة فاتورة الدعم. ويقول الاقتصاديون المصريون إن الحكومة، ونتيجة لتناقص قدرتها الشرائية، باتت تشتري كميات أقل من القمح والديزل من الخارج، ولكن من غير الواضح، في نظرهم ما إذا كان ذلك هو السبب الوحيد للنقص الحاصل في العديد من السلع المهمة، أم أن ذلك النقص يرجع بشكل أساسي إلى السوق السوداء المتضخمة باطراد، وتخزين السلع من قبل الناس العاديين الذين ينتابهم القلق بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي. وتتفاوض مصر في الوقت الراهن مع صندوق النقد الدولي من أجل اقتراض 4,9 مليار دولار يقول الخبراء إنها ستخفف إلى حد ما من الضغط الواقع على الاقتصاد، وتزيد من ثقة المستثمرين فيها بما يؤدي لتلقيها المزيد من القروض والمنح التي تحتاج إليها بشكل ملموس. ولكن المباحثات الخاصة بذلك توقفت لشهور، وسط أزمة سياسية مستمرة في مصر، أدت إلى تعطيل الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لاستكمال الصفقة. ويقول سائقو السيارات في القاهرة إنهم يقضون أربع ساعات يومياً في الوقوف المتواصل في طوابير طويلة أمام محطات الوقود التي غالباً ما تجف خزاناتها في ساعات ما بعد الظهر. و«قبل ثورة 25 يناير لم تكن هناك طوابير مثل هذه» هذا ما يقوله المصريون الذين ينظرون إلى فترة حكم مبارك على أنها كانت عهداً ذهبياً مقارنة بحقائق الواقع الحالي. أما المسؤولون فيهونون من حجم وانتشار السوق السوداء، ولكنهم يقرون مع ذلك بأن سيطرتهم على الأمر محدودة بسبب التدهور الأمني وثقافة الفساد التي يقولون إنها موروثة من العهد السابق. ومن دون مداخيل السياحة الضخمة، ومحدودية الاستثمارات الأجنبية، اضطرت مصر لإنفاق نصف احتياطياتها من العملات الأجنبية التي كانت تبلغ قبل الثورة 36 مليار دولار، خلال عامين فقط. ومما زاد الطين بلة، الانخفاض الحاد الذي شهدته قيمة الجنيه المصري مقارنة بالدولار الأميركي، الأمر الذي دفع المواطنين المصريين الذين يتوقعون المزيد من الهبوط في قيمة الجنيه إلى تحويل مدخراتهم منه إلى العملة الأميركية. وتقول الدكتورة أميرة حداد أستاذة الاقتصاد المساعد بجامعة القاهرة: «أحاول التخلص من كل ما لدي من جنيهات مصرية بأسرع وقت ممكن، وأتوقع أن أي إنسان عاقل سيفعل الشيء نفسه». وتقول الحداد إن منظومة الدعم السلعي وأسعار العملة الثابتة تنجح، عندما تمتلك الحكومة أرصدة مالية كبيرة وقبضة حديدية ومصر تفتقر إلى الاثنين معاً. ويقول خبراء الاقتصاد إن حكومة «الإخوان»، التي تواجه معارضة متزايدة في الشهور الأخيرة ليس لديها من المال إلا ما يكفي لإدامة نظام الدعم الحالي لشهور قليلة قادمة. ومما يزيد الأمر سوءاً أن تلك الحكومة لا تحظى بالدعم السياسي المطلوب لإجراء التخفيضات الكبيرة في الإنفاق التي يقول الاقتصاديون إنها مطلوبة لإبقاء الاقتصاد المصري طافياً، وتأمين الحصول على قرض صندوق النقد الدولي. وهذه الحقيقة جعلت مسؤولي الحكومة المصرية يهرولون بحثاً عن منح وقروض في أماكن أخرى مثل دولة قطر التي وعدت بشراء 3 مليارات دولار من السندات الحكومية المصرية. وقد بدأت الحكومة مؤخراً في تطبيق نظام مبرمج لقطع التيار الكهربائي، وهو ما يسبب إزعاجاً لكثير من المواطنين. ومع ذلك يقول هؤلاء المواطنون الذين يبلغ عددهم ما يقرب من 85 مليون نسمة إن أكثر شيء يمكن أن يزعجهم هو قيام الحكومة برفع الدعم عن الخبز الذي يعد سلعه غذائية لا عنى عنها في طعامهم اليومي. ومن المعروف أن الحكومة المصرية تستورد نصف احتياجاتها من القمح اللازم لإنتاج الخبز من الخارج وتقوم بدعمه بأموال ضخمة للمحافظة على سعره الزهيد الذي يجعله في متناول غالبية المصريين. ويقول الخبراء إن إجراء المزيد من التخفيض في الدعم ستترتب عليه ردود أفعال في غاية العنف من الطبقة الوسطى ومن قطاع الأعمال الذي انتفع لسنوات طويلة من الطاقة المدعومة. ولكن ردود الفعل لن تقتصر على هاتين الفئتين، حيث سيكون أكثر المتأثرين منها هم الملايين من فقراء المصريين الذين تقدر الأرقام أن 40 في المئة منهم يعيشون على دخل أقل من دولارين في اليوم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©