الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الأزمة المالية تهدد بتقلص سطوة النفوذ الأميركي على الاقتصاد العالمي

الأزمة المالية تهدد بتقلص سطوة النفوذ الأميركي على الاقتصاد العالمي
3 أكتوبر 2008 23:26
تثير الأزمة التي تعصف بالقطاع المالي الأميركي الكثير من الجدل السياسي في جميع أرجاء العالم، إلى حد منح المسؤولين الأجانب الذين ظلوا يتشككون في الزعامة الاقتصادية الأميركية وأولئك المعارضين للسياسات التي تتبع النموذج الأميركي الجرأة الكافية للجهر بأصواتهم· فقد تعالت صيحات المعارضين في كوريا الجنوبية للخطط الرامية إلى تحرير الصناعة المالية بينما جددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مطالباتها بالدفاع عن قانون يمنح الدولة حق الفيتو ضد بيع شركة فولكسفاجن ايه جي المصنعة الأكبر للسيارات في أوروبا· أما الجهود الأميركية الهادفة إلى إ قناع الصين بترك السوق في حاله لكي يقوم بتحديد قيمة عملتها فقد لحقت بها أضرار جسيمة فيما يبدو، وفي الوقت الذي ظلت فيه الولايات المتحدة تعتبر النموذج الذي يحتذى بالنسبة للاصلاحات في الصين فقد أصبح من الواضح الآن ''أن الاساتذة والمعلمين باتوا يعانون من مشاكلهم الخاصة'' كما يقول سونج جاوكينج المحلل الاقتصادي في مركز البحوث الاقتصادية التابع لجامعة بكين· وفي عالم أصبح يتسم بالمزيد من الترابط الاقتصادي والمالي وبشكل أكبر بكثير عما كان عليه في السابق فإن المصاعب التي واجهتها الولايات المتحدة الأميركية في الأسابيع الماضية قد أدت أكثر من أي أزمة أخرى حدثت في العقود الأخيرة الماضية إلى إشعال الشكوك بشأن المنهج الاقتصادي الأميركي وبخاصة في نفوس أولئك الذين يتقاسمون مع أميركا الحلم الرأسمالي· والآن، فإن مقترح إدارة بوش الخاص بإنفاق مبلغ 700 مليار دولار لشراء الأصول المتعثرة من البنوك الأميركية قد أدى إلى اهتزاز ثقة المستثمرين الأجانب في الدولار على أساس أن الخطة يمكن أن تفضي إلى زيادة خطيرة في حجم الدين الأميركي المرتفع أصلاً، ومن شأن هذه المخاوف أن تؤدي إلى إضعاف موقف الدولار كعملة عالمية مهيمنة· بل إن الصين والدول الأخرى التي تحتفظ بكميات هائلة من الدولارات الأميركية بات من الممكن أن تتحول نحو المزيد من الموجودات في أماكن أخرى وبشكل يؤدي في نهاية المطاف إلى الحاق المزيد من المعاناة بالعملة الأميركية المتعثرة أصلاً· بيد أن الشوط الذي سوف يمضي إليه هذا الفشل والسقوط سوف تحكمه مدى المدة والفترة التي سوف تستغرقها الأزمة الحالية، فالانتعاش السريع من شأنه أن يحفظ للنظام الأميركي ماء وجهه فيما يتعلق بالمرونة والقدرة على الاستجابة وبخاصة أن أميركا قد تمكنت من العودة وهي أقوى مما كانت عليه بعد العديد من الأزمات المالية التي شهدتها ولكن المشاكل الأميركية يمكن أيضاً أن تحد من حجم الإسناد المراد توفيره للأولويات العالمية بما في ذلك التوسع في دخول المؤسسات الأميركية إلى الأسواق الأجنبية وأن تؤدي الى الإسراع في تخفيف أو الغاء القيود الحكومية في القارة الأوروبية· إذ تقول نينا هاور عضو البرلمان الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي: ''إن النموذج الأميركي ظل أصلاً لا يتمتع بجاذبية مقدرة في أوساط الأوروبيين قبل أن يفقد هذه الجاذبية بالكامل حالياً''· ويذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا ظلتا تمثلان النسخة الانجلو - ساكسونية للرأسمالية في أوروبا على العكس تماماً من النظام الألماني الذي يحتوي على اتحادات النقابات والمؤسسات في داخل الحكومة بالإضافة إلى الدور القوي الذي تلبيه الدولة الفرنسية في تشكيل قرارات هذه المؤسسات والشركات· وفي الأيام الأخيرة أصبحت المستشارة الألمانية ميركل والتي كان قد ترشحت في العام 2005 كأحد الإصلاحيين المناصرين لاقتصاد السوق الحرة وتحولت من ذلك الوقت الى اليسار، أصبحت أحد كبار المنتقدين والمعارضين للمبادئ المقاومة للتدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية· وخاطبت ميركل مؤخراً جمعا من ممثلي العاملين في شركة فولكسفاجن قائلة لهم إن القانون الذي يوفر الحماية لشركتهم انما يعزز ويرسخ التفكير الصائب الطويل المدى، وهي تتفق في ذلك مع الآراء الألمانية التقليدية التي طالما ادعت بأن الأسواق الرأسمالية غير المحكومة بالتدخل والرقابة يمكن ان تصبح وسيلة للتوفير· وفي السياق ذاته طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتحسين ''نظم التأمين والإنذار المبكر'' في القطاع المالي لتدارك الأزمة المالية الأخيرة· وقالت ميركل في مقابلة مع صحيفة ''بيلد'' الألمانية الصادرة أمس الأول: إنه لا يمكن أن يتم العمل في ألمانيا وفقا لقواعد المعهد الألماني لتوحيد المعايير وأن تفحص الرابطة الألمانية للمراقبة التقنية الكثير من الأجهزة في حين أن العديد من المنتجات التي تقدر بالمليارات تطرح في الأسواق المالية دون أن تنطبق عليها المعايير الكافية· وفي المقابل أعربت ميركل عن ثقتها في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول وضع معايير ملائمة لأسواق المال، ورفضت ميركل التعهد مسبقا لجميع البنوك الألمانية بتقديم الدعم الشامل لها لتدارك الأزمة المالية على غرار دعم الدولة لبنك ''هيبو ريل ستيت'' العقاري العملاق وذلك بتقديم حزمة إنقاذ بقيمة 35 مليار يورو· وقالت: ''لا تستطيع الحكومة الاتحادية ولا ترغب في تقديم شيك على بياض لجميع البنوك سواء كانت هذه البنوك تتصرف بشكل مسؤول أم لا''· وفي سياق متصل اعتبر الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف أمس الأول أن عهد الهيمنة الاقتصادية الاميركية ولى مؤكدا أن العالم بحاجة الى نظام مالي جديد ''اكثر عدلا''· وقال مدفيديف على هامش مشاورات حكومية ألمانية روسية في سان بطرسبرج بحضور المستشارة انجيلا ميركل إن ''عهد هيمنة اقتصاد واحد وعملة واحدة ولى بدون رجعة''· واضاف ''علينا العمل معا لإقامة نظام اقتصادي مالي جديد اكثر عدلا يقوم على مبادئ تعدد الاقطاب وسيادة القانون والاخذ بالمصالح المتبادلة'' في اشارة الى الازمة المالية التي تطال الاقتصاد العالمي منذ بضعة اسابيع· وصدرت هذه المواقف غداة تصريحات ادلى بها رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين واكد فيها ان الازمة المالية العالمية ناتجة عن ''عدم مسؤولية'' النظام المالي الاميركي· وشهدت السوق المالية الروسية الفتية التي يصعب في الاوقات الطبيعية التكهن بتوجهها اضطرابات في الاسابيع الاخيرة وقد طاولتها اصداء الازمة المالية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة، وبالرغم من امتلاك البنك المركزي الروسي احتياطات كبيرة بالدولار الاميركي إلا أن الكرملين يسعى منذ سنتين لتنويع عملاته الاجنبية بشراء المزيد من المبالغ باليورو· ولكن ميركل ليست وحدها التي أصبحت تجهر بهذه الأفكار الجديدة، فالرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي اطلق حملته الانتخابية كأحد كبار المؤيدين لأميركا والمدافعين عن الرأسمالية طالب في خطابه أمام الأمم المتحدة مؤخراً بشكل جديد للرأسمالية يتسم بالمزيد من التنظيم والقيود· أما في أميركا اللاتينية فقد وفرت الأزمة الأميركية فرصة سانحة للسياسيين من غلاة المعارضين للرأسمالية والمطالبين بصلاحيات أكبر للدولة في السيطرة على الاقتصاديات، وابتداءً من فنزويلا وحتى الاكوادور ثم الأرجنتين ظل الناخبون يساندون القادة المؤيدين للتدخل المباشر في الأسواق عبر سياسات عديدة من ضمنها السيطرة على الأسعار واللجوء الى تأميم الصناعات في بعض الأحيان· وينحي زعماء هذه الدول باللائمة على اقتصاد السوق الحر الذي تدعمه أميركا بأنه السبب الرئيسي الذي يقف خلف تفشي الظلم والتفاوت الكبير في الدخل بين الاغنياء والفقراء· ويذكر ان الزعماء الذين يحملون هذه الأفكار كانوا قد اقتربوا أيضاً من تسلم السلطة في المكسيك وبيرو في عام ،2006 ولكن الاقتصاديين اشاروا من جانبهم ان الأزمة من المرجح ان تؤثر على دول مثل فنزويلا والأرجنتين لأنهما تعتمدان بشدة علي التمويل من الخارج· على أن الإدارة الأميركية في ظل تدخلها المكثف في النظام المالي الأميركي مؤخراً قد وجدت نفسها محط انتقادات عنيفة بممارسة النفاق والرياء وبخاصة من الدول الآسيوية حيث ما زال العديد من السياسيين والاقتصاديين هناك يتذكرون كيف أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى قد مارست عليهم ضغوطاً عاتية لفرض حلول تعتمد على حرية السوق أمام تداعيات الأزمة المالية الآسيوية قبل عقد من الزمان قبل أن يشهدوا الآن الكيفية التي استجابت بها واشنطن لمقاومة الانهيار الذي شهدته مؤخراً· عن ''وول ستريت جورنال''
المصدر: أبوظبي-عواصم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©