الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التداعيات العالمية للانتخابات الأميركية

29 أغسطس 2016 23:35
تكتسي الانتخابات الرئاسية الأميركية أهمية كبيرة لمستقبل الديمقراطية، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما في بقية العالم أيضاً. وسيكون التأثر العالمي من فوز دونالد ترامب كارثياً، ولكن حتى فوز هيلاري كلينتون أيضاً لن يجدي في العودة إلى ترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان في أنحاء العالم، ما لم تحدث تغييراً في السياسات التي تطبقها الإدارة الأميركية الحالية. ولو أن ذلك كله أصابك بحالة من الذهول، فلتنظر ماذا حدث خلال العقد الماضي. فقد أحكمت بعض القوى الاستبدادية الكبرى في العالم، ولاسيما الصين وروسيا وإيران، قبضتها وضيّقت الخناق في الداخل، وأضحت أكثر تحفزاً خارج حدودها. وبرهنت على أن شبكة الإنترنت، بعكس التوقعات المبدئية، يمكن أن تتحول إلى سلاح للسيطرة. وأثبتت، على خلاف الافتراضات السابقة كذلك، أن أي بلد يمكن أن يدخل النظام العالمي بينما يضيق على حريات التعبير والعبادة والحريات في الداخل. وشكلت بعض تلك البلدان تحالفاً فضفاضاً من المستبدين، الذين يتعاونون على تقويض الاقتصادات الليبرالية والحقوق الفردية وإفقاد الثقة فيها. وفي هذه الأثناء، انزلقت دول كان من المفترض أن تصبح في معسكر الأنظمة الديمقراطية، ومن بينها أنظمة كثيرة حليفة للولايات المتحدة، في براثن الاستبداد. وفي بعض هذه الدول، كما هي الحال في تايلند، حدث تغيير المسار من خلال انقلابات عسكرية بالأسلوب القديم. وفي أماكن أخرى، مثل بولندا والفلبين والمجر وتركيا ونيكاراجوا، تخلت الحكومات المنتخبة عن حماية الديمقراطية. ودول غير تلك كانت تحكمها «أنظمة مستبدة ناعمة» تحولت دونما اعتذار إلى الاستبداد الفج، بعد أن وعدت بمزيد من الانفتاح. وقد كشفت منظمة «فريدوم هاوس»، التي تراقب هذه الأمور منذ 75 عاماً، عن أرقام مخيفة. فخلال العقد الماضي، تراجع مستوى الحرية في 105 دول، وتقدم في 61 دولة فقط. وتشير المنظمة إلى أن العام الماضي كان هو الأسوأ، إذ فقدت 72 دولة الأساس الديمقراطي، موضحة أن حرية الصحافة هبطت في 2015 إلى أدنى مستوياتها عالمياً خلال 12 عاماً. ولذا، فإن فوز ترامب بالرئاسة الأميركية من شأنه أن يمنح بعض الحكام المستبدين في مختلف أنحاء العالم قوة دافعة من أوجه شتى. فمجرد رئاسته سيمثل اتهاماً للنظام الديمقراطي على مدار أربعة أعوام.. ذلك النظام الذي مكّن متعصباً غير مؤهل من الصعود إلى سدة الحكم في أقدم ديمقراطية في العالم، فكيف يمكن لمنظمة مثل «فريدوم هاوس» أن تجرؤ إذن على حض دول أخرى على تبني نظام الحكم الأميركي؟ وسيقوض ترامب كذلك الديمقراطية في الخارج بفعل عدم احترامه للمبادئ الديمقراطية في الداخل، وخصوصاً في ظل تأييده للتعذيب وأعمال الحرب غير القانونية الأخرى، وتحقيره لحرية الصحافة، وتقويضه لمبدأ احترام القضاء الحر، وتدشينه حملة انتخابية تعتمد على التشهير وليس النقاش، وتحذيره للمنتقدين من أنهم سيعانون إذا ما تم انتخابه رئيساً. وإن لم يكفِ كل ذلك لإراحة الحكام المستبدين من أصحاب القيم المماثلة، فقد أعرب ترامب عن إعجابه الصريح بزعماء دوليين يصنفون في خانة المستبدين والشموليين. وحتى إذا خسر ترامب، فإن سمعة الديمقراطية قد تضررت بالفعل، إذ كيف أمكن لشخص مثل هذا أن يصبح مرشح أحد الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة؟ غير أن «رئاسة هيلاري» لن تحول الزخم العالمي ما لم تتبنّ تلك الأهداف التي «قدّسها» أوباما عندما كان مرشحاً، وتخلى عنها بشكل كبير بعد أن أصبح رئيساً. إذ إن هدف ترويج الديمقراطية تلاشى بمجرد أن انتقل أوباما إلى البيت الأبيض، وفي مفاوضاته مع الصين وإيران وكوبا وكوريا الشمالية، لم تمثل حقوق الإنسان أولوية أبداً. ومن الممكن قياس مدى تحول الإدارة الحالية عن رؤية أوباما في 2007 من خلال مقال كتبه نائب الرئيس «جو بايدن» في الإصدار الحالي من المجلة ذاتها. ويحدد «بايدن» في مقاله المهام للإدارة المقبلة من أجل تحقيق «مستقبل أكثر ازدهاراً وسلمية»، ولا شيء منها له صلة بالحرية، وتتمثل هذه المهام في تعميق التحالفات في آسيا ونصف الكرة الغربي، وحل مشكلات التغير المناخي والإرهاب وتحسين العلاقات مع القوى الإقليمية. وكل هذه الأمور مهمة، إلا أن الطريق إليها ستصبح مربكة بدرجة أكبر، إذا استمر أفول نجم الديمقراطية! * محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©