الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين.. وخطة مدن الخمسين مليوناً!

29 أغسطس 2016 23:37
تُعتبر شنغهاي واحدة من أكبر مدن العالم، إذ يبلغ عدد ساكنيها 24 مليون نسمة، وميترو أنفاقها هو الأطول على الإطلاق إذ يمتد إلى أطرافها الريفية. بل إن الحشود كثيفة للغاية إلى درجة أنه تتم الاستعانة برجال أقوياء أشداء لملء القطارات. واليوم تقول الحكومة المحلية إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر: فقد كشفت وثائق تم الإفراج عنها هذا الأسبوع أن شنغهاي تنوي قبول 800 ألف ساكن جديد فقط خلال الـ24 سنة المقبلة، وهي في طريقها لتصبح «مدينة عالمية ممتازة». قد يبدو تحديد سقف لعدد السكان الذين يمكن لأكثر المدن الصينية حيوية ودينامية استقبالهم أمراً غير عملي، ولكن الحكومة تفكر في أمر أكبر في الواقع: فالمخطط يتصور شنغهاي كقطب وسط «تجمُّع مدن» يتألف من 30 منطقة حضرية -بعدد سكان ضخم جداً يناهز 50 مليون نسمة. وقد يبدو هذا هدفاً طموحاً جداً وبعيداً عن الواقع، ولكن «تجمع دلتا يانغتز»، كما يُعرف، يُعتبر واحداً من بين 19 مشروعاً مماثلاً على الأقل توجد قيد الإنجاز. وتتمثل الفكرة في استعمال نظام نقل جماعي يغطي كامل المنطقة، وأغلبه مؤلف من قطارات فائقة السرعة، وذلك من أجل إدماج أفضل للمناطق الحضرية الناشئة في الصين. وسيضم كل واحد من التجمعات الثلاثة الكبيرة، التي تقع على طول نهر بيرل، ونهر يانغتز، وممر بكين- تيانجين، 50 مليون نسمة أو أكثر. والتأثير المترتب على هذا يمكن أن يكون كبيراً جداً ويغيّر ملامح البلاد، وذلك على اعتبار أنه سيخلق أكبر أسواق العمل في العالم، ويزيد من تمدين بلد ما زال أكثر من 40 في المئة منه ريفياً. كما يُتوقع أن يعززَ النموَ الاقتصادي والفعالية الاقتصادية، ويمكن أن يساعد على حل مشكلة متنامية، ألا وهي حقيقة أن الكثير من كبريات مدن الصين بلغت حدودها السكانية والجغرافية القصوى. وفي هذا السياق، يقول ألان برتود، الباحث بجامعة نيويورك الذي كان مستشاراً في الصين لعقود: «إن إضافة مزيد من الكثافة إلى المدن لم يعد حلاً ممكناً وفعالاً»، معتبراً أن المشكلة تكمن في حقيقة أن تلك المدن أضحت مجزأة ومنقسمة على نحو متزايد. والواقع أن السكن في شنغهاي وبكين أصبح باهظاً جداً إلى درجة أن السكان غير الأغنياء دُفعوا إلى أقصى حدود الضواحي، حيث غالباً ما يواجه الركاب هناك فترات انتظار طويلة من أجل دخول محطة الميترو فقط، ناهيك عن صعود القطار. والنتيجة: قوة عمالية كبيرة يتعذر على المشغِّلين توظيفها، ما يمثل فشلاً لهدف التعمير والتمدين. غير أن التجمعات قد تشكّل علاجاً للمشكلة. فنظرياً، سيكون كل الخمسين مليون نسمة في «تجمع دلتا يانغتز» داخل حدود المنطقة التي تغطيها القطارات المكوكية من وإلى شنغهاي، ولكنهم لن يكونوا في حاجة للتكدس داخل أحيائها المزدحمة جداً أو الاعتماد على خدماتها العامة التي تعاني ضغطاً شديداً. وبعبارة أخرى، إنهم سيحصلون على فوائد الكثافة بموازاة مع الانتشار والتمدد عبر حدودها. وهناك سابقة لهذه المقاربة. فقبل أن يسمع أي شخص بمصطلح «تجمع مدن» بوقت طويل، كان التوسع المستمر للصين قد جعل المناطق الحضرية تشرع في الذوبان والانصهار مع بعضها بعضاً. ولعل أبرز مثال في هذا الصدد هو «دلتا نهر بيرل»، حيث اندمجت غواغجو وشينجن وهونغ كونغ وعدد من المدن الأصغر حجماً ضمن تجمع بات يشتهر بقطاعه الصناعي. بيد أن الطابع الأساسي لذلك التطور كان يعني أنه لا توجد أي سلطة إقليمية للتعاطي مع المشاكل التي نجمت عن ذلك -كاختناقات المرور، التلوث، التنافس المدعوم والمهدور بين الجيران- والتوزيع غير المتساوي للخدمات الاجتماعية. واليوم، يأمل المخططون الصينيون أن تستطيع التجمعات الجديدة جني مزايا التجمعات القديمة، ولكن بقدر أكبر من النظام والفعالية. وهذا طبعاً لن يكون سهلاً. فالنقل، مثلاً، يطرح تحدياً خاصاً: ذلك أن القطارات فائقة السرعة ونظام الميترو يمكن أن تنقل المسافرين بين المدن، ولكن الرحلة النهائية -من المحطة إلى مكان العمل أو المنزل- أصعب بكثير. على أن المهمة العاجلة الأخرى هي إقناع الحكومات المحلية بالكف عن استعمال مبيعات الأراضي لتمويل البنى التحتية والخدمات. ذلك أن القيام بهذا ينتج مزيداً من التوسع والبناء العشوائي، ويرفع تكلفة الأشغال العامة، ويؤدي إلى «المدن الأشباح» -أو على الأقل «الأحياء الأشباح»- التي تعاني منها المناطق الحضرية في الصين. كما أنه ستكون ثمة حاجة إلى سلطات محلية جديدة لإدارة التجمعات التي ستمتد على آلاف الكيلومترات المربعة وتضم عشرات الملايين من الناس. وإدارة كل هذا ستكون أمراً صعباً للغاية، ولكن بفضل التجارب والخبرات التي تراكمت على مدى عقود، يمكن أن تصبح تجمعات المدن الصينية محركات اقتصادية مهمة، وربما نموذجاً للكيفية التي تستطيع بها المدن عبر العالم مواصلة النمو. * كاتب أميركي متخصص في الشؤون الآسيوية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©