الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حروب المناخ

21 ديسمبر 2009 22:28
الصين والهند، نجمتا العالم الصناعي الحالي، متهمتان بزيادة تلويث البيئة الكونية. قبلهما كان هناك ملوثون كُثر، على رأسهم الولايات المتحدة التي لا تزال متمتعة بقدرة هائلة على إطلاق الانبعاثات الغازية المدمرة للغلاف الجوي المتحكم بحرارة الأرض. كان علماء المناخ يراقبون ويدرسون وينذرون، ومع ذلك بدا العالم كأنه أدرك فجأة أنه أهدر وقتاً طويلاً قبل أن يدرك أن أهل الأرض مسؤولون عن ارتفاع حرارة كوكبهم، وعن التبعات الكارثية التي يستدعيها وهي لا تزال في بداياتها. قبل ذلك كان يُعتقد أن خالق الأكوان وحده المسؤول عن تقلبات المناخ، وحتى الآن لا يزال هناك علماء يعتبرون أن الحديث عن مواجهة تغيّر المناخ يقرب إلى التلاعب باليقينيات الدينية. قمة كوبنهاجن المناخية بدت أشبه بالقمم التي تعقد وسط أزمات دولية متشابكة لا يمكن أن تسفر إلا عن تفجير مواجهة حربية ما. وقد تخللها توصيف للخلاف الأميركي- الصيني، وكأنه يستعيد مصطلحات الصراع الأميركي -السوفييتي، أو الغربي - الشرقي، أيام الحرب الباردة، خصوصاً مع اتفاق المحللين على أن عدم التوصل إلى اتفاق لا يعني شيئاً آخر غير "الكارثة". إذاً، فحرب المناخ قادمة، إلا إذا نجحت الجهود المبذولة لكبح غازات الدفيئة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي المحاولات التاريخية لمقارنة أسباب القلق والهلع مما هو آت، لم يعد يُقال ما قبل حرب كذا أو ما بعدها، وإنما تذهب مرجعيات الحسابات إلى ما قبل الثورة الصناعية قبل نحو قرنين وما بعدها، بغية تقدير خطر العدو الكوني الكامن الذي يدعى ثاني أوكسيد الكربون. المشكلة، كما يبدو، أن النشاط الإنساني بلغ حدوداً قصوى غير مسبوقة. أهل الأرض يعملون أكثر، ويتنقلون أكثر، وينتجون أكثر، ويستهلكون أكثر ويترفهون أكثر. كان العالم أقل هموماً مناخية عندما كان ثلث سكانه المتمثل بالمليارين ونصف المليار إنسان في الصين والهند ينتجون أقل ويستخدمون طاقات ووقوداً أقل ويجوعون أكثر، وقتذاك كان العالم الغربي المتقدم يتمتع وحده بإطلاق غازات التلويث من دون أن يشكو أحد من المخاطر سواء كانت ذوباناً لجليد القطب الشمالي أو تصحراً أو جفافاً. لا أحد يلتفت طبعاً إلى البلدان والشعوب التي لم تبلغ بعد فرصتها للمساهمة في التلويث، ما دام التلويث سمة أكيدة للنماء والتقدم. قبل كوبنهاجن كانت كيوتو، وبعدهما ستكون مكسيكو ثلاث محطات للجدل حول من يجب أن يلوّث أقل من الآخر. أميركا بوش لم تقل أن مطالبتها بخفض انبعاثاتها تمس سيادتها، أما الصين فقالتها صراحة، معتبرة أن غازاتها شأن داخلي. ماذا يعني ذلك؟ هناك صناعات ستصبح مهددة بما تمثله من فرص عمل ومساهمة في الاقتصاد الوطني والدولي. لكن المعادلة تصبح مخيفة منظوراً إليها من زاوية مؤثرات تغيرات المناخ، كلما انبعثت كميات جديدة من ثاني أوكسيد الكربون، كلما كانت هناك أراض ستندثر بفعل هجمة البحار عليها، وكلما زاد التصحر ليقتل الغذاء والحيوان ويتسبب بالمجاعات. لولا السيناريوهات الكارثية، سواء كانت مضخمة أو واقعية، لما كنا نشهد الاهتمام الراهن بالعمل على الحد من الارتفاع المطرّد لحرارة الأرض. في 2020 سيدخل العالم مرحلة الخطر، أي أن أمامه عشر سنوات فقط ليتبدل من حال إلى حال، ومع ذلك كانت مناقشات كوبنهاجن بالغة التشكيك في إمكان التزام الإجراءات المحددة لانتشال المناخ من سخونته المتسارعة. ثم إن هناك تكاليف داخل البلدان الملوثة وخارجها للبلدان الفقيرة غير الملوّثة لكنها ستتأثر على نحو كارثي بالعوامل المناخية المتفاقمة. فمن يلتزم ومن يدفع، وكيف؟ أظهر الجدل أن أحداً لا يصدق أحداً، إلا إذا أصبح للحدّ من التلويث كيان قانوني، بالإضافة إلى آليات مراقبة دولية. من دروس الحروب، إلى دروس الأزمة المالية، إلى دروس أزمة المناخ، كان واضحاً على الدوام أن العلة هي نفسها. فالحروب استثارت البحث عن "ثقافة السلام" التي لم تتبلور أبداً، والأزمة الحالية أسفرت عن استنكار "ثقافة الجشع" التي لم تتغير أبداً، أما قضية المناخ فتستدعي الإقلاع عن "ثقافة الإهمال" التي أصبحت على محك مهلك. كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©