الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بريكسيت».. البداية لا النهاية

20 يناير 2017 23:10
ما الذي يمكن لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن تقوله حول تفاصيل خطتها لاستكمال إجراءات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟ لا شك أنها لن تقدم تنازلات، ولن تحاول بريطانيا بأي حال البقاء في السوق الأوروبية المنغلقة على ذاتها والاحتفاظ بزبائنها المحدودين ضمن الاتحاد. وستحاول بدلاً من ذلك التفاوض حول اتفاقيات جديدة للتجارة الحرة مع أوروبا وبقية دول العالم. بمعنى آخر، يمكن القول إن بريطانيا قررت أن تجعل من نفسها بلداً أكثر فقراً حتى تتمكن من غلق أبواب الهجرة. إنه بحق موقف عامر بالمشاعر القومية الجديدة. لكن، دعنا نتفحص الأمر قليلاً. فمنذ استفتاء الخروج، كانت الأسواق ذاتها تتساءل عما إذا كان الانسحاب البريطاني يحمل معناه الحقيقي. وحتى لو كان هذا القرار ينطوي على الجدّ، فإن هناك أسباباً قوية تدعو إلى التشكيك فيه. ومنها حقيقة أن 45% من الصادرات البريطانية تذهب إلى أوروبا. وتكمن المشكلة في أنه حتى لو كانت بريطانيا قادرة على التفاوض لتحقيق أفضل اتفاقية للتجارة الحرة يمكن التوصل إليها في الأسواق العالمية، فإنها ستكون أسوأ من الصفقة التي كانت تستأثر بها عندما كانت عضواً في الاتحاد. وعندما فتحت بريطانيا أبوابها لتنقل الناس بينها وبين أوروبا، تمكنت من تحقيق دخول آمن وحرّ لبضائعها وخدماتها إلى السوق الأوروبية. ويمكن اعتبار هذه الميزة وحدها صفقة كبرى عندما يتعلق الأمر بالبحث عن أفضل شريك تجاري يمكن العثور عليه. وهذا ما يوضح السبب الذي يجعل من الأفضل لبريطانيا التراجع بعض الشيء عن قرارها من أجل التوصل إلى صيغة ما لعقد صفقة معقولة مع الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن تتضمن تلك الصفقة الموافقة على معظم القوانين السارية في الاتحاد الأوروبي، بما فيها قوانين الهجرة، مع حصولها على بعض الامتيازات الخاصة. وبهذا يمكنها أن تحتفظ بقدرتها على دخول السوق الأوروبية. وهذا بالضبط ما تحاول النرويج فعله. وحتى الآن، كان كل ما فعلته «ماي» هو التأكيد على أنها تفضل «استعادة التحكم» بحدود بريطانيا أكثر من اهتمامها بتقييم العوائد الحقيقية للتجارة مع أوروبا. وربما لا نجد ثمة من داعٍ للاعتقاد أنها لم تعد تولي اقتصاد بلادها الاهتمام المطلوب، بل تعيره ما يستحق من اهتمام. فهي تريد التوصل إلى أفضل صفقة ممكنة بشرط ألا تتضمن الحركة الحرة للناس بين بريطانيا وأوروبا. وهي عازمة على استخدام كل النفوذ الذي تتمتع به لعقد تلك الصفقة وفقاً لشروطها. دعنا نتكلم بلغة الاقتصاد لنقول إن بريطانيا إما أن تكون في حالة انزلاق نحو حال أسوأ، أو أنها تتجه نحو حال أسوأ بكثير. وعلى أن الحكم الذي يدعونا إلى هذا القول هو أنه لا يوجد ثمة من فوائد يمكن أن تجنيها من الانسحاب. ويمكنك التفكير في الأمر بطريقة أخرى. ففي هذا العالم الذي تجد فيه بريطانيا أنه من الصعب حصر تجارتها في أوروبا وحدها، يصعب عليها أيضاً الاتجار مع بقية الأسواق العالمية، لأنها لا تحتكم إلى الشروط الكافية لذلك. كما أن هذا لا يعني أن بريطانيا سوف تتجه إلى حالة من الركود الاقتصادي. وحتى لو لم يحدث ذلك، فإنه قد يعني أنها ستكون أكثر فقراً وبأكثر مما يمكنك أن تظنّ إذا انتقل سوق «وول ستريت» بالفعل من مدينة لندن إلى فرانكفورت. ويمكنك أن ترى الآن كم فقد الجنيه الإسترليني من قيمته عقب التصويت على الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي. فقد سجل انخفاضاً بنحو 12% بالنسبة لليورو و17% بالنسبة للدولار الأميركي. وقد صوّت 52% من البريطانيين لصالح الانسحاب، لمجرّد أنهم أرادوا أن تكون بريطانيا للبريطانيين حتى لو تم ذلك على حساب تراجع قدرة بلادهم على التصدير. وتبقى ضرورة الإشارة إلى أن المرء لا يمكنه أن يحصر تفكيره في تتبع التغيرات التي تطرأ على الناتج المحلي الإجمالي لبلده، لأن للانتماء الوطني أهميته أيضاً. وكما قال الاقتصادي الأميركي بنيامين فريدمان في مقال نشره تحت عنوان «التداعيات الأخلاقية للنمو الاقتصادي»، فإنه عندما ينمو الاقتصاد على نحو جيد، فإن الناس لا يميلون إلى القلق على غيرهم طالما أنهم باتوا في حال أفضل من الحال الذي كانوا عليه. لكن هذا الواقع يمكن أن يتغير إذا لم يطرأ التحسن المنتظر على مداخيلهم. ويمكن القول بأن تراجع معدل النمو قد يحفز في نفوس الناس الرغبة الحقيقية في التضحية به. وهذا هو ما حدث في بريطانيا. وكما يمكن للعالم أن يلاحظ الآن، فإن الانسحاب البريطاني ليس آخر الأزمات التي يمكن أن تحدث في أوروبا، وربما لا يمثل إلا البداية. *محلل أميركي في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©