الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تُشرك مواطنيها في مكافحة تهريب كنوزها الأثرية

الجزائر تُشرك مواطنيها في مكافحة تهريب كنوزها الأثرية
30 ابريل 2011 21:29
تشهد عمليات نهب التحف الأثرية الجزائرية وتهريبها إلى الخارج، تصاعداً كبيراً في السنوات الأخيرة، ما دفع المسؤولين عن مختلف المواقع الأثرية والجمارك والأمن إلى دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى أن الثروة الأثرية للبلد تتعرض للاستنزاف، ويجب اتخاذ المزيد من التدابير لمكافحة الآفة. وتفكر السلطات في إشراك المواطنين في حماية آثارها من خلال توعيتهم بأهمية الإسهام في حماية تاريخهم وذاكرتهم الجماعية من الاندثار. تمتلك الجزائر ثروة كبيرة من الآثار التي تعود إلى مختلف الحقب التاريخية، بداية من عصور ما قبل التاريخ إلى العصرين الحجريين القديم والحديث، حيث تنعم منطقة «التاسيلي» و»الهقار» في الصحراء الجزائرية، بآثار نادرة يعود تاريخ أغلبها إلى 9 آلاف سنة، كما تعاقب على الجزائر غزاة عدة منذ القرن الخامس قبل الميلاد إلى غاية القرن الثامن بعد الميلاد، مثل الفينيقيين والرومان والوندال والبيزنطيين الذين خلفوا وراءهم كنوزاً أثرية كبيرة تمثل حضاراتهم، قبل أن تنعم الجزائر بالفتح وتحتضن ممالك إسلامية عدة تركت بدورها آثاراً كبيرة، أهمها الآثار العثمانية (1517- 1830) قبل أن تخضع للاحتلال الفرنسي بين 5 يوليو 1830 و5 يوليو 1962. لصوصٌ في ثياب سياح نتيجة تعاقب مختلف الحضارات عليها لفترات طويلة، تقول مريامة شاوش بن شريف، أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة قسطنطينة، إن «الجزائر تزخر بتنوع أثري هائل وجد كثيف، وهي ثرية جداً بآثارها التي تعود إلى مختلف العصور والحقب الزمنية، إنها متحفٌ مفتوح في الهواء الطلق». وتحصي الدكتورة دلية أوغلاون، أستاذة بكلية الهندسة المعمارية بجامعة جيجل «430 موقعاً أثرياً مصنفاً وطنياً بالجزائر و7 مواقع أثرية مدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو»، بينما يقول مراد بوتفليقة، مدير حماية وترميم التراث الثقافي بوزارة الثقافة إن «البلد يتوافر على 500 موقع أثري». وجلبت هذه الثورة الأثرية الكبيرة أطماع مهربي الآثار من داخل الجزائر وخارجها، حيث تشهد البلاد نهباً وتهريباً مستمراً لآثارها برغم كل التشريعات الصارمة والتدابير الميدانية الرامية إلى وضع حدٍّ لها، وغالباً ما تتطرق الصحف المحلية إلى أخبار تتعلق بالقبض على تجار آثار جزائريين قاموا بنهبها وكانوا ينوون تهريبها إلى الخارج قبل أن يتم القبض عليهم في أحد المراكز الحدودية البرية أو في أحد المطارات، أو القبض على مهربي آثار أجانب دخلوا الجزائر في ثوب «سياح أجانب» للتغطية على نشاطهم غير الشرعي، حيث كشفت جمارك ولاية إليزي، جنوب شرق الجزائر، أنها تمكنت عام 2010 من استعادة 834 قطعة أثرية تعود إلى العصرين الحجريين القديم والحديث، نهبها سياحٌ أجانب من حظيرة «التاسيلي» للآثار وأخفوها داخل أمتعتهم قبل أن يكتشف أمرهم في المطار. ويكشف مدير حظيرة «التاسيلي» مقران صالح أن «ما يناهز 10 آلاف سائح أجنبي يزورون المنطقة سنوياً، غالبيتهم يفضلون الدخول عبر مركز حدودي بري مع تونس»، وهو تلميح إلى أن هؤلاء «السياح» يفضلون الحدود البرية الواسعة للإفلات من الرقابة الأمنية، وكشف مقران أيضاً أن «مصالح الأمن والدرك والجمارك تحبط يومياً محاولات تهريب آثار على الحدود البرية والمطارات». أرقامٌ كبيرة تفضل عصابات التهريب الجزائرية والأجنبية القطعَ الأثرية الصغيرة التي يسهل حملُها وإخفاؤها وتداوُلها، وفي هذا الصدد يقول مراد بتروني، مدير الحماية القانونية وتثمين التراث بوزارة الثقافة «التحف الأثرية الأكثر استهدافاً وتضرراً هي نقود العصور القديمة والوسطى والمصابيح والعناصر المعمارية ورؤوس الرماح المصنوعة من الصوان والحجر المصقول». وكانت منظمة اليونسكو كشفت في التسعينيات، أن تجار الآثار هرَّبوا نحو 50 ألف قطعة أثرية إلى الخارج منذ استقلال البلد في 1962 إلى غاية التسعينيات، بينما كشفت الدكتورة دليلة أوغلاون، أن «الجزائر استرجعت أزيد من 53 ألف قطعة أثرية بين سنوات 1996 و2010 كانت على وشك التهريب إلى الخارج، ومنها قطع نقدية ذهبية وفضية وبرونزية»، بينما تعذّر معرفة عدد القطع التي نجح تجارُ الآثار في تهريبها، ودفعها هذا الرقم المهول إلى التأكيد أن «الكنوز الأثرية للبلاد تشهد نزيفاً وتهديداً دائماً وتصاعداً كبيراً، ما يستلزم اتخاذ المزيد من التدابير المستعجلة والفعالة لمكافحة الآفة بشكل أكثر نجاعة إذا أردنا حماية الذاكرة الجماعية للأجيال والحفاظ عليها من السرقة والضياع». ويكشف تقريرٌ أمني جزائري أن المقابر الأثرية القديمة بمدن الشرق الجزائري أصبحت المصدر الرئيس للآثار الرومانية والبيزنطية التي ينقب عليها المهربون، خاصة القطع النقدية الذهبية والفضية والبرونزية والتحف الثمينة. مصاعب وتحديات يبدو أن الجزائر تواجه مصاعبَ كبيرة وتحديات حقيقية في حفظ كنوزها الأثرية لأسباب عدّة أهمها كثرة مواقعها الأثرية التي تناهز الـ500 موقع، بعضها بمثابة «مدن» كاملة، وتحتاج كلها إلى حراسة ويقظة دائمين، كما أن هناك كثيراً من المواقع التي لم تُكتشف أو أهملت ولم يُنقب عنها رسمياً، تحوّلت إلى هدف للصوص الآثار الذين استغلوا هذا الإهمال، كما أن منطقتي «التاسيلي» و»الهقار» اللتين تحويان نسبة مهمة من آثار العصرين الحجريين القديم والحديث تتميزان بمساحات شاسعة، ما يصعِّب حراستها، وقد صرحت وزيرة الثقافة خليدة تومي منذ سنوات بأنه يتعذر على مصالح وزارتها «حراسة متحف مفتوح في الهواء الطلق يقع في منطقة أثرية شاسعة تتجاوز مساحتُها 80 ألف كيلومتر مربع ببضع سيارات رباعية الدفع». وتسعى الجزائر منذ نحو 10 سنوات، إلى إلزام كل «السياح» الأجانب الذين يدخلون صحراءَها الكبرى، بعدم التحرك في المنطقة دون دليل سياحي وحراسة أمنية، وهذا بهدف الحدّ من حركتهم وتنقيبهم عن الآثار. وفضلاً عن ذلك، تتميز الجزائر بحدودها البرية الشاسعة التي تصل إلى 9 آلاف كيلومتر مع بلدان مغاربية وأفريقية عدة ويضاف إليها 1212 كلم على ساحل البحر المتوسط، وهو ما يصعّب من مهمة تعقب عصابات تهريب كنوزها الأثرية، والتي اقتحمت الإنترنت أيضاً وأصبحت تتعامل مع صفحات «المزادات الإلكترونية» لتحديد التحف الأثرية المطلوبة من تجارها في الخارج وقيمة كل تحفة، حيث «تحتل تجارة الآثار الآن المرتبة الثانية بعد تجارة المخدرات»، بحسب الدكتورة أوغلان. إشراك المواطنين إزاء هذه الصعوبات والتعقيدات، تقوم الجزائر بتكوين المزيد من الفرق الأمنية لمكافحة الآفة بنجاعة أكبر، كما اهتدت مؤخراً إلى فكرة «إشراك المواطنين» في عملية حماية الآثار، خاصة في الصحراء، حيث تنوي السلطات إشراك السكان المجاورين لحظيرتي «التاسيلي» و»الهقار» في عملية الحماية باعتبار أنها «مسؤولية الجميع وليس الأمن فقط»، على حد تعبير مدير حظيرة الهقار، أحمد عوالي. ويتم التركيز، في المرحلة الأولى، على البدو الرحل باعتبارهم أغلب سكان المنطقة، على أن تمتدّ لاحقاً إلى كل قبائل «الطوارق» الذين ينتشرون على مساحات واسعة في الصحراء، ثم كل السكان الذين يقطنون بالقرب من مختلف المواقع الأثرية الـ 500 بمختلف أنحاء البلد، بهدف إقناعهم بالمساهمة في حراسة الكنوز الأثرية لمنطقتهم وإيقاف النزيف الذي يتهدد الذاكرة الجماعية للجزائريين.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©