الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

التوحد عالم خاص ··انطواء على الذات·· عزلة لا تنتهي

التوحد عالم خاص ··انطواء على الذات·· عزلة لا تنتهي
4 أكتوبر 2008 01:15
يجلس خالد بصمت، يتأرجح بجسمه الصغير ذات اليمين وذات الشمال، يهزه إلى الأمام وإلى الخلف، يتلاعب بأصابعه، ويمشي على رؤوس أصابع قدميه· يصفق ضاحكا تارة ويكسو الوجوم وجهه تارة أخرى· يفهم الأوامر اللفظية التي تعطى له، لكنه أحيانا لا يبدي حيالها أية ردة فعل· ويقبع خالد، وهو واحد من ثلاثين طفلا وطفلة، في مركز أبوظبي للتوحد حيث يعاني مثل ملايين الأطفال في العالم من عجز في تطوير مهاراته الاجتماعية، وعدم ممارسة ألعاب إبداعية أو من وحي الخيال· ''عندما يهز (جسمه) يشعر بالارتياح، وهو بهذه الطريقة يعوض عن نقص ما بداخله، لا نعرف ما هو''، يقول أستاذه في المركز التابع لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام والقصر· ويضيف ''لا يمكننا ترك خالد بمفرده أو نسيان أدوات حادة أو صغيرة أمامه، فهو قد يؤذي نفسه بها، كأن يضعها في أنفه أو أذنه أو يبتلعها''، مستدركا أن خالد ''لا يدرك المعنى الحقيقي للخطر· ويتحول أحياناً إلى إنسان عنيف، لكن ليس عدوانياً''· ويتابع أن خالد ''لا يمتلك أداة يعبر فيها عما يختلج في نفسه، لذلك يصرخ ويدفع الشخص أو الأشياء التي أمامه''· ويؤكد أستاذه أن حال خالد تطورت إيجاباً بعد خمس سنوات من العلاج في المركز، وسيتمكن يوما ما بواسطة التدريب والمراقبة من اكتساب مهارة تمكنه من كسب رزقه بنفسه· ويصيب اضطراب التوحد 15 طفلاً من كل 10 آلاف ولادة في العالم، ويمكن اكتشافه مع بلوغ الطفل سنتين ونصف من عمره، واللافت أنه يصيب أربعة ذكور مقابل أنثى واحدة· وتتضاعف المعضلة إذا كان الطفل المصاب بمرض التوحد يعاني من إعاقة عقلية، كون الدراسات الأخيرة أثبتت أن 75% من المتوحدين يعانون من إعاقة عقلية· وتظهر على الطفل المتوحد سلوكيات غريبة مثل ميله إلى الانعزال عن الناس، وعدم اتصاله بالبصر معهم، وقيامه بحركات غير منتظمة، وعدم شعوره بالألم، ومقاومته للتغيير ورفضه للعناق· أما عندما يكون التوحد الذي يعاني منه قوياً، فإن المصاب ينحو باتجاه العدوانية الشديدة، وتنتابه نوبات غضب لأسباب غير معروفة· ويتولى 35 أستاذا ومساعد أستاذ الاهتمام بالأطفال الثلاثين، بحسب عائشة المنصوري مديرة مركز أبوظبي للتوحد، التي تضيف أن لكل مصاب يعاني من اضطراب توحد صعبة أستاذ واحد يهتم به· أما المصابون بالتوحد بدرجات متوسطة وخفيفة، فيتولى أستاذ ومساعده الاهتمام بتعليم كل تلميذين· وبعكس حال خالد، فإن أحمد ذا السبعة أعوام، يتمتع بقدرة استيعابية ونشاط جسماني واجتماعي· فهو يقترب من الناس بلطف، ويحاول استمالتهم لعناقه وتقبيله· ويلج أحمد، الذي يعاني من اضطراب التوحد بدرجة متوسطة، القاعة المخصصة لدروس الحاسوب، ويتوجه مباشرة إلى خزانة الأشرطة الممغنطة· يختار شريطه المفضل وهو ''توم أند جيري''، ويضعه في مشغلة الحاسوب مثبتا السماعات على أذنيه، ثم يبدأ بالمشاهدة بكل هدوء· وتلفت انتباه أحمد المجلات المصورة والكتب الملونة بعد ثلاث سنوات من خضوعه للعلاج في المركز، بحيث أصبح سهلا عليه التعرف على الحيوانات والفواكه، ونطق كثير من الكلمات التي يسمعها من محيطه· وتؤكد الأستاذة المشرفة على حالته أنه ''بات يميز الآن بين أفراد أسرته، والألوان الأساسية، إضافة إلى تعلقه بالحاسوب، واكتشاف الأشياء الغريبة مثل الأصوات، ووصل إلى مرحلة تمكنه من الاهتمام بنفسه''، مشيرة إلى أنه ''يتم إعداده حالياً لمرحلة التأهيل الأكاديمي''· وتكشف أستاذة أحمد عن مدى رهافة حسه، قائلة ''عندما يرى أحد زملائه يبكي، يشاركه البكاء ويواسيه''· ويقترب المصابون بدرجة التوحد الخفيفة من أن يكونوا أشخاصا عاديين· فأبو بكر، الذي يشارك زميله عبد الله فصلا دراسيا واحدا في المركز، نال جائزة الشيخة لطيفة بنت محمد لإبداعات الطفولة، لحفظه ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، ''فهو يملك ذاكرة جد قوية، وهو يستعد للمشاركة في المسابقة هذا العام بحفظه خمسة أجزاء من القرآن الكريم''، بحسب أستاذه الذي لا يفارقه كظله، ويشكل حلقة اتصال بين أبي بكر وأقرانه وأهله وأساتذته في المدرسة· وأدمج أبو بكر، البالغ من العمر 14 عاما، في مدرسة الوليد بن عبد الملك بقرار رسمي صادر عن وزارة التربية والتعليم· وهو حاليا في الصف السادس الابتدائي· ويشير أستاذه إلى أن حفظه للقرآن الكريم ''مكنه من لعب دور قيادي في تحفيظ القرآن لزملائه في المدرسة· ونحن بذلك نشجعه ليشعر بالنجاح ويتقدم أكثر''، لافتا إلى أن أبا بكر يمتلك ''قدرات استيعابية'' مكنته أيضاً من العمل على بعض برامج الحاسوب ''وورد''، ويتدرب حالياً على برنامج ''البور بوينت''· ورغم هذا التقدم، فإن أبا بكر يعاني من خلل في التواصل الاجتماعي، ولا يمتلك أية مبادرة للتواصل مع غيره أو خلق علاقات معهم· وعلى الرغم من جودة لغته الاستقبالية، إلا أنه لا يملك لغة تعبيرية، وهنا ينصب عمل المركز على إصلاح هذا الخلل، وتمتين تفاعله الاجتماعي مع أقرانه ودمجه في المجتمع، بحسب الأستاذ· ويعتمد مركز أبوظبي للتوحد على وضع خطة فردية لكل من المصابين لديه، عبر تعاون بين الأهل والأطباء والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والتربويين العاملين في المركز، بحسب المنصوري التي تؤكد أن الهدف من هذه الخطة ''خلق برنامج تربوي يتناسب مع احتياجات المصاب وقدراته التي تتضح بعد التقييم''· وينفذ الخطة فريق عمل متكامل يبدأ بالاختصاصين النفسيين والاجتماعيين والأساتذة ومعلمي الرسم والموسيقا والحاسوب والتخاطب والرياضة والعلاجين الحسي والطبيعي· وتشير المنصوري إلى أنه عند وصول الطلاب المصابين إلى سن البلوغ يتولى أساتذة ذكور مهمة تعليمهم، ''ويعملون على إشغالهم وزيادة نشاطهم البدني ليتم إلهاؤهم''، إضافة إلى إعطاء إرشادات لأهالي المتوحدين تفيد في التعاطي معهم عندما يبدأ البلوغ مع ما يطرأ على الجسم والسلوك من تغييرات· وستكون مسألة البلوغ والتحولات الجنسية من المواضيع الأساسية التي ستتم مناقشتها في الملتقى العالمي الثاني لأطفال التوحد الذي سيعقد العام المقبل في أبوظبي· ويقتبس المركز من عدة برامج عالمية في علاج مرضى التوحد، مثل برنامج ''تيتش'' ذي الشهرة الواسعة حول العالم، حيث تطبقه 13 دولة، وتم اعتماده بعد دراسات عديدة أجرتها جامعة نورث كارولينا ''اريك شوبلر'' في الولايات المتحدة· تقول إيمان مبارك الاختصاصية النفسية في المركز إن هذا البرنامج ''يمتاز بأنه لا يتعامل مع جانب واحد كاللغة أو السلوك، بل يقدم تأهيلاً متكاملاً للطفل، بحسب احتياجاته''، مضيفة أن ''التدخل المبكر الذي يعتمده هذا البرنامج مبني على نظام البنية التعليمية أو التنظيم لبيئة الطفل، سواء كان في المنزل أو المدرسة، حيث أن هذه الطريقة أثبتت أنها تناسب الطفل المتوحد وعالمه''· وتذكر مبارك أن المركز يعتمد على برامج أخرى مثل ''لوفس''، الذي يركز على التدخل المبكر للأطفال المصابين بالتوحد، ويقوم على نظرية تعديل السلوك عبر التدريب في التعليم المنظم والتعليم الفردي، بناءً على نقاط القوة والضعف للطفل وإشراك الأهل في عملية التعليم، إضافة إلى برنامج ''بيكس''، وهو التواصل عن طريق تبادل الصور، وبرنامج المهارات المنزلية·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©