جرن بنت سعود شبيه صغير لجبل حفيت

على بعد 12 كيلومتراً شمال الهيلي في مدينة العين، وفي منطقة تضم مرتفعاً من الصخور الرسوبية يبلغ ارتفاعه حوالي 40 متراً، تقع منطقة (جرن بنت سعود)، لا أحد يعلم طبعاً لم سميت بهذا الاسم، لكن الكثيرين يجهلون أيضا أنها منطقة استوطنها الإنسان قبل 3000 عام وترك فيها مدافن كثيرة خصوصاً على السفح الشرقي للجرن. هذا المرتفع الصخري الصغير يتشابه كثيراً مع جبل حفيت، فهو يبدو أقرب للجبل الصغير، بخلاف ذلك يمكن ملاحظته بسهولة منتصباً كنتوء صخري على بشرة الرمال الناعمة. ومنذ مطلع سبعينيات القرن المنصرم، والاكتشافات الأثرية تتوالى في ذاك التل الصخري، ففي البداية عثرت فرق البحث الدنماركية والمحلية على العديد من القبور المبنية فوق هذا المرتفع والمنطقة المحيطة به، وفي عام 1985 تمت إعادة بناء هذه المقابر التي تعود في تاريخها إلى الألف الأول قبل الميلاد. مجموعة القبور هذه تعود إلى العصر الحديدي (1300 إلى 300 سنة قبل الميلاد تقريباً)، وتتميز معظم هذه القبور كذلك بالشكل الدائري لكنها أوسع ومقسمة إلى عدد من الغرف صُممت للقبور الجماعية. ويبدو أنها تعرضت قبل عدة قرون، لنبش لصوص الآثار. فقد عثر على الهياكل العظمية مبعثرة وفي حالة سيئة. ومع ذلك، تمكنت الفرق الأثرية من العثور على فخاريات وأوان حجرية وأنصال خناجر ورؤوس سهام برونزية، إلى جانب أنواع عديدة من الخرز. أما الأكوام الحجرية الموجودة على امتداد السفح الشرقي للتل فهي مدافن أقدم عهداً، وتعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد، وهي مماثلة لتلك الموجودة في جبل حفيت وهي عبارة عن غرف دائرية الشكل يتم الدخول إليها من خلال منفذ ضيق عبر جدار دائري محيط. وقد راعى بناؤها أن تميل جدرانها تدريجياً باتجاه الداخل لتشكل سقفاً في شكل قبة. من الملاحظ في جرن بنت سعود أيضاً وجود بقايا لمبنى دائري كبير بني من الآجر ( الطين المحروق) ويبدو أنه استعمل في تلك العصور السحيقة كمجلس رئيس القبيلة أو قاعة اجتماعات مهمة، يقع هذا المبنى على بعد مئات الأمتار من المرتفع الصخري (جرن بنت سعود) ، ويحوي قاعة وحيدة واسعة واثنتي عشرة قاعدة حجرية كانت على ما يبدو « دعائم السقف»، وخارج المبنى غرف استعملت لتخزين المؤونة ( وجدت فرق الآثار جراراً لتخزين الطعام فيها)، كما وجدت بعض الدلائل التي تشير إلى أن توزيع المياه بين أفراد ذاك المجتمع القديم كان يتم في تلك القاعة. تلك المنطقة الصحراوية اليوم، يبدو أنها كانت غنية بالمياه العذبة سابقاً، فهناك وفي اتجاه الجنوب، كشفت البعثات التنقيبية عن وجود فلج أو قناة للمياه الجوفية، تضم عدداً من الأعمدة الحجرية المتصلة بنفق أفقي يجري باتجاه سفح التل. كما بني سلم يؤدي إلى « الشريعة»، وهي فتحتان لنفقين منفصلين يوفران منفذاً لتحصيل المياه في حاويات قابلة للنقل. كما تم اكتشاف فلج آخر وصهريج واسع ومفتوح يُزّود بالمياه بواسطة الشريعة. هذا الاكتشاف المائي في جرن بنت سعود دحض نظريات قديمة بأن الأفلاج ابتكار فارسي، بل وأكد أنها نظام ري متكامل عرفه الإماراتيون وأهل عمان منذ أكثر من 3000 عام، كيف لا وجميع الاكتشافات المماثلة تؤكد أن المستوطنين القدماء لهذه الأراضي عرفوا الزراعة ونظام الري وكونوا مجتمعات زراعية متكاملة. تعود معظم مكتشفات جرن بنت سعود إلى العصر الحديدي، وهو اليوم يخضع لحماية ورعاية من متحف العين، ويصنف كأحد مواقع المستوطنات البشرية القديمة في الإمارات