الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين: شراكة مالية آسيوية بديلة

الصين: شراكة مالية آسيوية بديلة
9 مايو 2014 23:49
ويليام بيسيك محلل سياسي واقتصادي أميركي ربما يحمل التعبير الشائع الذي يقول: «إذا لم تتمكن من التفوّق على خصمك، فعليك بإنهاكه» في طيّاته الفكرة التي دفعت الصين إلى تأسيس صناديق مالية ضخمة للاستثمار في البنى التحتية للدول الأخرى، لتلعب بذلك دور المصدر المالي البديل لوكالات الإقراض العالمية القائمة بالفعل. وهي فكرة جهنمية تنطوي على الكثير من التعقل وبعد النظر، ويمكنها أن تشكل دافعاً لإصلاح النظام النقدي العالمي الذي بقي لعقود عدة ماضية رهيناً في أيدي الأميركيين والأوروبيين واليابانيين. ويبدو وكأن اليابان بشكل خاص، هي الهدف الأساسي لما يسمى «البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية» AIIB الذي تعمل الصين على إنشائه. ولا بد أن نتذكر هنا أن علامات التوتر والتشنّج السياسي بين الدولتين بدأت تتحول إلى مؤشرات تنذر بخطر وقوع مجابهة حقيقية بسبب الخلاف على أرخبيل من الجزر الصغيرة، يسميها اليابانيون «سنكاكو» وتقع تحت سيادتهم الإدارية، ويطلق عليها الصينيون «داياويو». وفي خضمّ هذا التشاحن والعداء المستحكم بينهما، أصبحت بكين تتحيّن كل الفرص السانحة لمنافسة طوكيو على مناطق النفوذ في أنحاء العالم المختلفة. وحتى الآن، لا زال الآسيويون الذين يحتاجون للمساعدة لتشييد أو تطوير بنياتهم التحتية، يقصدون اليابانيين طلباً للقروض أو الخبرة إما بشكل مباشر أو عن طريق «البنك الآسيوي للتنمية» ADB الذي يوجد مقره في العاصمة الفليبينية مانيلا ويشرف على إدارته الفعلية خبراء ومسؤولون يابانيون. وهو يشبه إلى حدّ بعيد «البنك الدولي» الذي يديره الأميركيون عملياً، و«صندوق النقد الدولي» الذي يشرف على إدارته الأوروبيون. ويبلغ رأس المال الأولي «للبنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية» 50 مليار دولار، وربما تسعى بكين عن طريقه لإخراج «البنك الآسيوي للتنمية» من سوق الإقراض المالي بممارسة الضغوط على المسؤولين وأصحاب القرار في الدول المعنية بالموضوع في شرق آسيا للسيطرة على القرار المالي في المنطقة. وبمرور الوقت، تتزايد الحاجة لإنشاء البنى التحتية في معظم دول شرق آسيا، وفي المجالات كافة. ومن ذلك مثلاً أن إندونيسيا، بمجرد أن أعلنت حاجتها لتشييد ميناء بالغ الضخامة والاتساع، سارع البنك الصيني لعرض مبلغ 3 مليارات دولار عليها كقرض للاستثمار في المشروع. وعندما أعلنت الفليبين، أن مطار مانيلا يحتاج إلى عملية إعادة تخطيط وتوسيع شاملة، أجاب البنك الصيني الجديد بأن التمويل لا يمثل مشكلة. ويمكن أن تصل إلى ذلك البنك رسالة تقول مثلاً إن شبكة التوزيع الكهربائية التايلاندية تتعرض لضغوط استهلاكية تفوق طاقتها، فهل يمكنكم التكرم بإرسال فاتورة توسيعها وزيادة طاقتها؟ وقد لا يتطلب الأمر من المتمعّن في هذا التطوّر الجديد أن يكون عبقرياً أو متمتعاً بخيال واسع حتى يفهم أن هذا النموّ العجيب في القدرة الصينية على الإقراض يمكنه أن يصيب البنك الدولي ذاته بالكسوف. ويبدو أن الصينيين تمكنوا بالفعل من اجتياز العقبات كافة التي كانت تقف في طريقهم نحو تحقيق احتياجات الأسواق من دفعات القروض السائلة. فإذا كنت صاحب قرار في فيتنام، فلماذا تقصد «صندوق النقد الدولي» وتعرض نفسك لخطر تقلب سياساته المالية، وهو الذي ما فتئ كبار موظفيه يطالبون بزيادة الشفافية فيما يتعلق بالمكافآت التي يقبضها البعض للموافقة على تقديم المساعدة المطلوبة؟ وفي مقابل ذلك، فإن كل ما تطلبه الصين لقاء تقديم القروض والمساعدات هو الصداقة والدعم للانتصار على المنافسين، سواء كانوا من القوميين المتطرفين في اليابان أو الانفصاليين في تايوان وهضبة التيبت. وإذا تعرضت «ميانمار» أو «منغوليا» لخطر النقص الحاد في رصيدهما الاحتياطي من العملات الصعبة، فإن الصين مستعدة لحل المشكلة من دون الحاجة لفرض الشروط والإملاءات المجحفة، بل تكتفي بتقديم «الشيك المصرفي» اللازم، في الوقت الملائم. وعلى المدى القصير، تبدو هذه العروض والتسهيلات مثيرة للعاب دول آسيا السائرة في طريق النمو. إلا أن التجربة الأفريقية للدبلوماسية المالية الصينية ربما تنطوي على قصة أخرى ورؤية مختلفة كل الاختلاف. وخلال السنوات العشر الماضية، أصبح «البنك الصيني للتنمية» CDB الذي يُطلق عليه أيضاً اسم «السوبربنك»، يلعب دور حصان طروادة للتغلغل وزيادة النفوذ في أفريقيا. ولكنّ المشاكل العالقة في المال ظهرت مؤشراتها الخطيرة في الأوساط الحكومية لدول متعددة، من بينها زمبابوي. وربما غابت من القروض الصينية عوامل التحفيز لمساعدة تلك الدول على بناء اقتصادات منافسة تعتمد على مصادر متعددة للنمو. وسرعان ما تحولت تلك الآلية لتقديم القروض إلى نوع من الاستثمار الصعب، بحيث تحصل الصين على المواد الأولية من تلك الدول بأرخص التكاليف. وبرزت أيضاً ظاهرة مماثلة في دول أميركا اللاتينية، بما فيها البرازيل. وترى بكين أن «البنك الآسيوي للتنمية» لا يمثل أكثر من أداة عتيقة تستخدمها الولايات المتحدة لفرض نفوذها على الشعوب. ويمثل تحييد البنك الياباني الرائد خطوة أولى لاستخلاف نفوذ واشنطن المالي وتفعيل الدور الذي تلعبه الصين في الأسواق المالية العالمية. وتكمن المشكلة الكبرى في التوجّه الصيني لتقليص النفوذ المالي لكل من أميركا واليابان في أن بكين غير معنية، بما قد يكون في المنطقة من المشاكل الفساد الإداري والمالي التي يتطلب حلّها مستوى أعلى من الحوكمة الرقابية، بالإضافة إلى كمّ أكبر من الشفافية. ومع هذا فأنا لا أزعم أن الوضع المالي العالمي سليم تماماً. وبعيداً عن الخوض في التفاصيل، وأرى أن على اليابان أن تسمح للصين بلعب دور أكبر في «البنك الآسيوي للتنمية»، تماماً مثلما ينبغي على واشنطن إفساح المجال أمام الدول الصاعدة للعب دور أكثر أهمية في منظمات «بريتون وودز» ومجموعة السبع. ويعتقد خبراء البنك الدولي أنفسهم أن الاقتصاد الصيني سيتفوق على نظيره الأميركي قريباً، وهذا ينفي وجود أي مبرر لمنع الصين من لعب دور قيادي في المؤسسات المالية العالمية القائمة الآن. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©