الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رحلة اللؤلؤ».. مشروع وطني يحلق بجناحيه بين الثقافة والترفيه

«رحلة اللؤلؤ».. مشروع وطني يحلق بجناحيه بين الثقافة والترفيه
27 ابريل 2013 20:37
نسرين درزي (أبوظبي) - تنعم دولة الإمارات بالكثير من الثراء الثقافي والإرث الشعبي، ما يجعلها تتفرد بمشاهد حضارية تستحق دوماً أن يضاء عليها؛ ولأن الغوص في أعماق الخليج من أقدم المهن التي رسمت حياة الأجداد، حيث لاتزال قصصهم تدلي برسائلها حتى يومنا هذا بالرغم من اختلاف الأزمنة، جاءت فكرة تنظيم «رحلة اللؤلؤ» على متن قارب خشبي تقليدي يدعى «جالبوت». على بعد خطوات من الممشى البحري لفندق «إنتركونتيننتال» - أبوظبي يرسو «جالبوت» شعبي صممه الإماراتي علي آل سلوم، ليكون أول قارب من نوعه يعرف أبناء البلد والمقيمين والسياح بمهنة الغوص ويعيد إلى ذاكرتهم كيفية استخراج اللؤلؤ من المحارة. وهي الحبيبات البراقة التي تكبد لأجلها الأجداد مخاطر كثيرة ولم تكن الجدات حتى لتراها؛ لأنها كانت تصدر مباشرة إلى الخارج لتتزين بها نساء أوروبا. هذه الحقيقة المؤثرة دفعت علي بن سلوم المهتم منذ أكثر من 10 سنوات بأمور الترويج السياحي إلى البحث عن فكرة يجسد من خلالها أهمية الموروث الثقافي للمجتمع المحلي. وتكون بمثابة حلقة الوصل بين الماضي والحاضر للكشف يوماً بعد يوم عن ثروة تاريخية لا تنضب. مصدر الرزق من داخل «الجالبوت» المشيد على الطريقة التقليدية، حيث وزعت الجلسات الشعبية، توجهنا إلى عمق البحار عند الطرف الغربي لشواطئ العاصمة. وهنا مضت الرحلة على نغمات البحارة وأغاني البحر «هي يامال… هي يامال» بهدف إمتاع الركاب وجعلهم يعيشون التجربة بكامل تفاصيلها. وكانت الوجهة أشبه بطريق العودة إلى أيام خلت، حيث كان العثور على اللؤلؤ مصدر الرزق في إمارة أبوظبي التي تكتنز مياهها أجود أنواع اللؤلؤ الطبيعي في العالم. وما أن أن تصل «الجالبوت» إلى عرض البحر حتى يبدأ آل سلوم بالشرح عن كيفية زراعة المحار في الوقت الحالي ليتم تقديمه إلى الزوار ضمن الرحلة والكشف بداخله عن اللؤلؤ، وهي الجواهر الأكثر إبهاراً في ذلك العصر. ويقول، إن هذه المهنة التي تعتبر تقليداً مارسه الآباء والأجداد على مدى حقبة طويلة من الزمن كانت مصدر الرزق المرتبط باستمرارية العيش في تلك الأيام الصعبة. ويذكر أنه من الضروري إعادة إحياء هذا الموروث لما له من أهمية على مختلف الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي من الضروري أن يتعرف إليها الجيل الحالي الذي لا يملك المعلومات الكافية عن مصدر اللؤلؤ وكيفية صيده وأنواعه. فلق المحارة بعد تقديم موجز عام عن تاريخ اللؤلؤ في المجتمع الإماراتي الذي يعود إلى عقود بعيدة ما قبل ظهور البترول، يجلس على آل سلوم القرفصاء ويتحلق حوله ضيوف المركب ليطلعهم من قرب على عملية فلق المحار. والأمر على بساطته غير أنه يحتاج إلى الدقة وبعض التوصيات التقنية فيما يتعلق بالطريقة المثلى للإمساك بالمحار ونقره بسكين خاص بهدف فلقه إلى جزأين. هنا يدور بجولته التعريفية على كل راكب ويطلب منه القيام بهذه الخطوات بنفسه، ومن ثم التقاط لحم المحارة من الداخل وتحسسه بحثاً عن اللؤلؤة المنتظرة. وغالباً لا يخيب أمل أحد، بحيث يحظى الجميع برزقهم من اللآلئ التي يأخذونها معهم إلى البيت. ويتواصل الحديث بالإضاءة على سيرة الغوص وتاريخه في الإمارات، من الأدوات المستخدمة فيه. مثل «الديين»، وهي سلة يجمع فيها المحار داخل مياه البحر. و»المزماة»، المستخدمة في نقل المحار خارج البحر، و»المسلقة»، الأشبه بسكين تستخدم في فلق المحار. وكذلك «الديرة»، وهي عبارة عن بوصلة بحرية قديمة تستخدم في تحديد الاتجاهات داخل البحر. حلم الجدات رحلة اللؤلؤ التي ينظمها ويديرها الإماراتي علي آل سلوم منذ أكثر من سنة، تختلف كلياً عن الرحلات السياحية باتجاه جزيرة اللولو. وهي بالرغم من أنها ترفيهية، حيث يمكن أن تتضمن فقرات السباحة والغوص وفقا لترتيبات مسبقة، غير أنها ثقافية بامتياز، إذ إن الهدف منها هو تجديد العهد بالاطلاع على واحدة من أقدم الحرف التي عرفها المواطن القديم. وأكثر من ذلك جعل التزيين باللؤلؤ الطبيعي، الذي كان حلماً لكثيرات من الجدات المكافحات، يتحقق اليوم مباشرة من البحر وليس عن طريق محال الصاغة. ويذكر على آل سلوم الذي يدير مشروعاً متكاملاً لزراعة المحار وتربيته بقصد تكاثره في منطقة معينة داخل بحر أبوظبي، أنه فخور بهذا الإنجاز الوطني الذي حققه. وهو يسعى دائماً لتطوير أفكاره بما يحقق الفائدة العامة. وهو يؤمن بضرورة المساهمة الجماعية في الاعتراف بالولاء للوطن كل بطريقته. وكانت خطوته الأولى بتصنيع مركب خشبي أشرف شخصياً على بعض الإضافات فيه، بما يتناسب مع المفهوم التراثي والشكل التقليدي للمجالس المحلية. ضيافة عربية التمر والقهوة العربية وبعض المعجنات، ضيافة ترطب أجواء البحر وتزيدها تشويقاً، ورحلة اللؤلؤ من داخل أبوظبي تجربة تثقيفية سياحية مبتكرة تعمل على تعزيز وترسيخ معرفة الأفراد بالحرفة الأكثر شهرة في منطقة الخليج العربي، وتوضح كيف كرس الأجداد حياتهم بحثاً عن اللؤلؤ في الأعماق الخطيرة، مع كل متاعب البحر وخيبات الأمل الموجعة. وكل ذلك في سبيل أن يحظوا باللآلئ التي على صغر حجمها وعظمة سحرها لم يكن من السهل التقاطها. وبين سيرة مشوقة وأخرى تستفز الفضول لطرح المزيد من الأسئلة، يسمح خلال الرحلة البحرية التي تستغرق ساعة أو أكثر بحسب البرنامج، التقاط الصور للمدينة وشواطئها من على متن «الجالبوت». «الجالبوت» «الجالبوت» هو القارب الخشبي الذي كان يستخدم قديما في رحلات الغوص بحثا عن اللؤلؤ. وهي فلسفة أسطورية عاشها الأجداد في مياه الإمارات حقباً طويلة من الزمن وعانوا من أجلها المر كله، تحقيقاً للرزق الأبيض المتوهج والذي كان يصدر بالكامل ومباشرة إلى ملوك وملكات أوروبا. الراكب المحظوظ تبلغ كلفة رحلة اللؤلؤ البحرية 500 درهم للشخص الواحد و400 درهم للأطفال دون الـ12 عاماً، ويقوم خلالها كل راكب بفلق محارة وأخذ اللؤلؤة التي بداخلها في حال كان محظوظاً بوجودها. وتتخلل الجولة أغنيات تراثية يؤديها علي آل سلوم والبحارة ويشارك فيها الضيوف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©