السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضَاع مَنْ أطاع «الأنطاع»!

30 أغسطس 2016 21:47
لا يصيبني الملل أبداً من تكرار قصة الرجل الذي سقطت تمرة من نخلة جاره في بيته وكان ذلك في وقت القيلولة فأخذ التمرة مسرعاً إلى بيت الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وراح يطرق باب البيت بقوة حتى خرج إليه عمر فزعاً وقال: ما خطبك يا رجل؟.. فقال الرجل: سقطت تمرة من نخلة جاري في بيتي فهل يحل لي أن آكلها أم يحرم عليّ ذلك يا أمير المؤمنين؟ فكظم الفاروق غيظه وقال له بنبرة عاتبة وحادة: كلها هنيئاً مريئاً واعلم أن الله لا يحب المتنطعين في الدين. وروي أن امرأة كانت جالسة تعجن الدقيق لتعد الخبز ووقع تلاسن بينها وبين زوجها فقال لها: النساء ناقصات عقل ودين.. فتركت المرأة عجينها وخبزها وأسرعت من دون أن تبدل ثيابها قاصدة الإمام الشافعي رحمه الله وقالت له: يا إمام.. ما معنى أن النساء ناقصات عقل ودين؟ فقال لها: هل خرجت من بيتك بهذه الهيئة والعجين في يديك؟ فقالت: نعم.. فقال: فأنت ناقصة عقل.. ثم قال: ألك زوج؟ قالت: نعم.. قال: هل أذن لك بالخروج هكذا؟ قالت: لم أستأذنه.. قال: فأنت ناقصة دين. كم ذنباً ارتكبه الرجل المتنطع أو (النطع) بالعامية المصرية من أجل أن يسأل عن حل أو حرمة أكل تمرة جاره؟ وكم ذنباً ارتكبته المرأة المتنطعة من أجل أن تستفتي الإمام الشافعي في معنى (ناقصات عقل ودين)؟... والتنطع من مظاهر الحماقة أو هو الحماقة نفسها التي أعيت من يداويها.. والمتنطعون مثل الدب الذي أراد أن يهش ذبابة حطت على وجه صاحبه فقذفه بحجر قتل الذبابة وقتله معها. والتنطع العربي في الدين جعل أرواحنا ونفوسنا تبلغ الحلقوم.. والمتنطعون أو (الأنطاع جمع نطع) أكثر الناس فسقاً لكنهم يخفون فسقهم بالتنطع والغلو والمبالغة والشعارات والهتافات.. وأذكر أن إحداهن قالت لي يوماً: لن نعترف بإسرائيل حتى تطلع الشمس من مغربها، فقلت لها: للأسف اعترافنا أو عدم اعترافنا بإسرائيل لا يساوي جناح بعوضة، ولكنه التنطع والغلو، فقد أصبحت إسرائيل أمراً واقعاً.. ونحن العرب ننكر وجودها بالقول ونعترف بها بالفعل.. فإنكارنا تنطع علني واعترافنا حقيقة سرية. التنطع وباء عربي شامل في الدين والسياسة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي صارت ساحة رحبة للمتنطعين الذين لا تعرف لهم ملة ولا توجهاً.. فنرى رسائلهم وتعليقاتهم خانقة مثل (اكتب سبحان الله والحمد لله ألف مرة وأرسلها إلى عشرين صديقاً). فأنت في الدين مطلوب منك أن تقول وتكتب وترسل، وليس مطلوباً أن تحس وتفعل. ومن التنطع ما قتل، والمتنطعون في الدين هم الذين يقتلون ويخربون ويدمرون.. كما أنهم يقتلون فينا الحب والأمل ويقتلون المستقبل. وعندما نقول إن جل أو حتى كل العرب متنطعون وإرهابيون، فإننا لا نجافي الحقيقة، ولا نتجاوزها.. فنحن بين تنطع القول والفتوى والتفسير وتنطع القتل والتدمير والتخريب وتنطع المتعاطفين مع الإرهاب ولو بالسكوت.. كما أن القول بأن الإرهابيين والمتنطعين العرب قلة وأن القاعدة العريضة والأغلبية بخير ومعتدلون وطيبون.. فيه مخالفة واضحة لناموس الكون وسنة الله في خلقه.. وفيه تبرير للإرهاب وفيه إغماض العيون عن الحقيقة... وقد خسر العرب خسراناً مبيناً بمقولة غبية أو مقولات بلهاء على شاكلة: «نحن أفضل من غيرنا.. القاعدة العريضة والأغلبية بخير.. الإرهابيون قلة.. الإرهاب ليس ظاهرة.. الفساد في معدل الأمان.. ناموا واستريحوا واطمئنوا».. ونمنا واسترحنا واسترخينا حتى صدمنا تغول الإرهاب وانتشاره وشيوع التنطع وافتعال الخلافات التي لا وجود لها والبحث بين السطور وتحت الحروف عن نقاط التصادم والمواجهة.. فلا نتعاون فيما اتفقنا عليه ولا يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. والقول إن الكثرة بخير والقلة هي المنحرفة والمارقة يؤكد أننا لا نتدبر القرآن، وأنه لا يجاوز حناجرنا.. ففي كل سور القرآن الكرم ترى الكثرة مذمومة والقلة ممدوحة ومحمودة «إلا ما رحم ربي وقليل ما هم».. «وقليل من عبادي الشكور».. «فشربوا منه إلا قليلاً منهم» «وما آمن معه إلا قليل» أي نوح عليه السلام.. ولم يتبق مع طالوت في المعركة إلا قليل من قومه بعد الاختبارات التي فشلت فيها الكثرة وتجاوزتها القلة.. والسابقون السابقون المقربون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين. وكثرتنا في آخر الزمان غثاء سيل ضربها الوهن..والوهن في زعمي هو ضعف العقل والقلب لا ضعف الجسد.. الوهن هو «الإيدز الفكري» الذي تحدثت عنه من قبل.. هو انهيار جهاز المناعة الفكري والعقلي بحيث تصبح عقولنا وقلوبنا مكبات لقمامة الفتاوى والتفاسير والأفكار والخزعبلات والخرافات والدجل والشعوذة باسم الدين.. ونصل إلى المرحلة الرمادية أو مرحلة الرقص على السلم وهي مرحلة غياب البوصلة والاتجاه وزوال وانهيار المرجعيات. ومرحلة الذبذبة بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وكل آيات وسور القرآن الكريم ذمت الكثرة في غير موضع من كتابنا الكريم. فأكثر الناس لا يعلمون وأكثر الناس لا يعقلون، وأكثر الناس لا يؤمنون -ولو حرص الرسول صلى الله عليه وسلم- على ذلك.. وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. وأكثر الناس لا يشكرون.. وهذه قاعدة لا تغيب ولا تتخلف أبداً منذ خلق الله الأرض ومن عليها إلى أن يرثها ويرث من عليها. كثرة سيئة وقلة حسنة ومخلصة. والأدهى والأدعى للتأكيد أن هذه القاعدة تكون أكثر وضوحاً وقوة في آخر الزمان، حيث أكثر الناس متنطعون أو «أنطاع» وأكثر الناس منافقون.. وأكثر الناس يقولون بألسنتهم وبأقلامهم وعلى مواقعهم وفي إعلامهم ما ليس في قلوبهم ويعجبك قولهم في الحياة الدنيا، وإنْ يقولوا تسمع لقولهم. ومدعو التدين وزعماء الإرهاب والطائفيون والمتمذهبون أكثر الناس تنطعاً أو «نطاعة».. وأكثر الناس بحثاً عن مواضع التناحر والاختلاف والخلاف، فإذا لم يجدوها اخترعوها. و«الإخوان» هم ملوك وسلاطين «النطاعة» والتنطع وهم الذين نشروه في كل الأمة.. والتنطع قرين الغلو والمبالغة والتزيد في الدين والسياسة لدى العرب.. وفي المعارضة والموالاة.. وفي الرفض والقبول فالعرب خصوصاً في دول الخريف يعارضون حتى كأن الذي يعارضونه لا يصيب أبداً ويوالون حتى كأن الذي يوالونه لا يخطئ أبداً.. فالتنطع ضرب كل المجالات.. حتى صار اتجاهاً عربياً عاماً.. هناك آلاف الأنطاع.. وهناك ملايين يطيعونهم.. وقد ضاع من أطاع «الأنطاع»! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©