الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فسيفساء» قبة الصخرة بداية انطلاق الزخرفة الإسلامية

«فسيفساء» قبة الصخرة بداية انطلاق الزخرفة الإسلامية
27 ابريل 2013 20:42
القاهرة (الاتحاد) - منذ اللحظات الأولى لمولد الفن الإسلامي، المعماري والزخرفي، عبر الفنان المسلم عن شخصيته المتفردة وهو يقتبس ويستلهم مفردات شتى من الميراث الفني العريض لكل من الحضارتين البيزنطية والساسانية، وكانت الجدران في العمائر المبكرة التي شيدت خلال العصر الأموي أول ميادين الإبداع الفني التي كشفت عن خصائص الفنون الزخرفية الإسلامية ولاسيما في بلاد الشام. وكانت باكورة الأعمال الزخرفية تلك الفسيفساء التي ازدانت بها جدران وعقود قبة الصخرة التي شيدت في عام 72هـ بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ورغم ما روجه المستشرقون عن استعانة الأمويين بصناع من البيزنطيين لعمل الزخارف الفسيفسائية فقد كان واضحا أننا أمام عمل مشترك لصناع من منطقتي العراق والشام وآخرين من العرب حيث امتزجت وحدات وتصميمات زخرفية كانت سائدة في الفن الساساني مثل رسوم الأهلة والنجوم وأشكال الشرافات مع عناصر الرسوم النباتية التي عرفتها بلاد الشام في فنونها الهلنستية والبيزنطية المحلية حتى أن بعض مؤرخي الفنون من الأوروبيين رأوا أن نسبة الأصول الساسانية والبيزنطية للزخارف التي نفذت بالفسيفساء في قبة الصخرة كانت متساوية تقريبا. دمج الحروف وإذا كان ذلك المزج بين الموروثات الفنية الساسانية والبيزنطية قد أخرج لنا أولى الفنون الإسلامية فإن العرب لم يتخلفوا لحظة عن الإسهام في منح الفن الإسلامي واحدة من قسماته الخاصة والتي ظلت لصيقة به على مر العصور، ألا وهي الحروف العربية التي أدمجت بصورة كاملة في الزخارف النباتية والهندسية وراحت تتطور لتصبح بحد ذاتها زخرفة أثيرة لدى الفنان المسلم. ونفذت بقبة الصخرة أشرطة كتابية بالخط الكوفي بلغ طولها 240 مترا تشهد ببراعة الفنان المسلم في إخضاع الحرف العربي لمقتضيات التنفيذ بأسلوب الفسيفساء وبذوقه الفني الرفيع في الجمع بين الألوان المتضادة حيث نفذت الحروف بفصوص من الزجاج المذهب على أرضية زرقاء داكنة. وتأكيدا للطابع المدني للفن الإسلامي وبعده التام عن استخدام الصور أو المجسمات لتوضيح او شرح العقيدة الإسلامية فقد خلت الزخارف من رسوم الكائنات الحية التي كانت شائعة في الفنين الساساني والبيزنطي واقتصرت الزخارف على رسوم الأشجار والفاكهة والأواني أو المزهريات التي تخرج منها الفروع النباتية بأوراقها المختلفة فضلا عن رسوم الأهلة والنجوم. ومن أجمل تلك الزخارف الإسلامية المبكرة شكل المزهرية الذي يتكرر على أرجل العقود في المثمن الداخلي لقبة الصخرة وقد ازدانت بقطع من الفسيفساء الزرقاء والخضراء والحمراء والبيضاء في تناسق لوني بديع قبل أن تنتهي المزهرية بأفرع نباتية وزعت بشكل متناسق جريا على ما كان متبعا في الفن الساساني رغم الأصول البيزنطية الواضحة لشكل المزهرية والرسوم النباتية، ومما يزيد من جمال تلك اللوحة الفنية أن جانبي رجل العقد كانت تزدان بأشرطة من رسوم وريدات متشابهة التصميم مع اختلافات يسيرة في ألوانها. ومما يستحق الالتفات أن زخارف الفسيفساء التي كانت تغطي الواجهة الخارجية لقبة الصخرة وتلاشت نتيجة للزلازل التي ضربت القدس غير مرة وأطاحت أيضا ببناء خوذة القبة ذاتها فما كان من السلطان العثماني سليمان القانوني إلا أن قام بكسوة الجدران الخارجية ببلاطات من الخزف في إشارة موحية لما انتهى إليه فن زخرفة الجدران من اعتماد على البلاطات الخزفية في العصر العثماني فضلا عن الرسوم الملونة التي ازدانت بها خوذة القبة الجديدة ورغم أن تلك الزخارف تجسد قمة نضج الزخارف النباتية في الفن الإسلامي فإنها تبدو شديدة التناسق مع الطابع الزخرفي الخاص بفسيفساء قبة الصخرة. زخرفة الجدران ولم يبلغ القرن الأول الهجري نهايته إلا وكان فن زخرفة الجدران قد أضاف لنفسه سجلا جديدا من التألق الفني تجسد في أعمال الفسيفساء التي غطت أرجاء الجامع الأموي بدمشق والذي شيد في عام 96هـ على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. ورغم أن الفارق الزمني بين قبة الصخرة والجامع الأموي لا يتجاوز نيفا وعشرين عاما فإن فن زخرفة الجدران بالفسيفساء شهد طفرة كبرى ليس فقط على صعيد الموضوعات بل أيضا على مستوى الخطط اللونية التي اعتمدت على إعطاء إيحاء بالتجسيم ومراعاة الظل والنور وذلك باستخدام مكعبات من الرخام والزجاج من عدة درجات من اللون الواحد ولاسيما من اللون الأخضر. وقد ترسخ في زخارف عقود وجدران الجامع الأموي الاتجاه نحو عدم استخدام رسوم الكائنات الحية في المباني الدينية وهو أمر ظل مرعيا إلى يومنا هذا. وقد عمد صناع الفسيفساء في الجامع الأموي إلى التركيز على رسوم النباتات من أشجار وأوراق وأفرع نباتية وورود وزهور فضلا عن مصورات كاملة لمبان تتوسط حدائق غناء ويعتقد أنها كانت تصور حال غوطة دمشق ونهر بردى آنذاك. وتبدو هذه اللوحات الخالية من رسوم الكائنات الحية بادية للعيان اليوم في قبة بيت المال التي تتوسط صحن الجامع الأموي بدمشق. تأثيرات والحقيقة أن فن زخرفة الجدران بالفسيفساء لم يلبث أن تحرر كليا من التأثيرات البيزنطية بعدما برع الفنانون المسلمون في إيران والتركستان في استخدام الفسيفساء الخزفية في تغشية الجدران ليعطوا للجدران والمداخل والقباب والمآذن مظهرا متناسقا يندر أن نرى مثيلا له في الزخارف المعمارية. وعلى النقيض من ذلك الالتزام القوي بتجنب استخدام رسوم الكائنات الحية في المباني الدينية لكن لم يتخل الفن الإسلامي عن التقاليد القديمة في تزيين القصور بقاعاتها وحماماتها برسوم الحيوانات بل وبالرسوم الآدمية. وعبر العصور كانت تلك الرسوم حاضرة فقد رأيناها في قصر خربة المفجر ببادية الأردن ممثلة في لوحة من الفسيفساء بقاعة العرش تمثل افتراس أسد لغزال بينما تفر غزالتان منه في ظل شجرة رمان وهذا القصر مشيد في الربع الأول من القرن الثاني الهجري «8م». ومن الفترة ذاتها نجد أيضا رسوما بحمام ببادية الأردن وهو لدببة تعزف على آلة موسيقية وغزلان ترتع وسط رسوم نباتية وذلك بسبب الاعتقاد القديم بأن رؤية صور الحيوانات أثناء الاستحمام تساعد الإنسان على استعادة نشاطه الجسدي بصورة أكبر، وهذه الرسوم نفذت بأسلوب الفرسكو أي الرسم بالألوان على الجص قبل تمام جفافه. وبذات الأسلوب، الفرسكو، نفذت رسوم قصر الجوسق الخاقاني بمدينة سامراء حاضرة العباسيين الجديدة وهي تضم صورا مدنية تماما وبعيدة كل البعد عن طابع زخارف الجدران في المباني الدينية ولعل أشهر رسوم القصر تلك التي توضح راقصات في البلاط العباسي. إضاءة لم تتخلف الدولة الفاطمية بمصر عن ركب الفرسكو كما تشهد بذلك بقايا جدران الحمام الفاطمي بمدينة الفسطاط والتي نلمح فيها صورة لأمير يعتمر عمامة متعددة الطيات وتحيط برأسه هالة إشارة لأهميته وقد ارتدى ثوبا قشيبا به رسوم ورود حمراء ويمسك في يده اليمنى بكأس ولعل هذه اللوحة كانت جزءا من لوحات أخرى تمثل بعض أنشطة البلاط الفاطمي من صيد وطرب وشراب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©