الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والصين... صانعتا السياسة المناخية العالمية

22 ديسمبر 2009 22:22
إذا كانت المباحثات التي انتهت مطلع الأسبوع الجاري إلى اتفاق منقوص حول محاربة الاحتباس الحراري قد أبانت عن شيء، فهو أن النظام العالمي الجديد وما يرافقه من دبلوماسية دولية ستتقاسمها بشكل متصاعد كل من الولايات المتحدة والقوى الناشئة، وبخاصة الصين؛ فقد نقلت مصادر شاركت في المباحثات أن اتفاق يوم الجمعة الماضي كان نتيجة تفاهم توصل إليه بصورة شخصية الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الصيني "وين جيابو"، اعتبرا أنهما يستطيعان التعايش معه حتى في ظل عدم استساغته من قبل باقي القادة الذين حضروا قمة المناخ العالمي في كوبنهاجن. وفي الوقت الذي رحب فيه أوباما بما أسماه بـ"الإنجاز" بعدما نجح في إقناع الهند وباقي القوى بالانضمام إلى الاتفاق، انتقدت بعض الدول الاتفاق الذي رأت أنه جاء متأخراً وأقل من المتوقع، كما أن قادة أوروبا واليابان والدول الأخرى الذين قدموا للمشاركة في القمة تُركوا للتصديق على الاتفاق وتمرير بنوده فيما اعتبره رئيس الوزراء السويدي، الذي استضافت بلاده القمة، "كارثة" محققة. لكن رغم هذا الواقع الجديد الذي بدأت ملامحه ترتسم على الساحة الدولية والذي سبق أن أكدته فكرة "مجموعة الإثنين" كما تحدث عنها المستشار السابق للأمن القومي، زبيجينيو بريجنسكي، والقائمة على تصدي الولايات المتحدة والصين للمشاكل العالمية والبحث عن حلول لها، استخف المسؤولون الأميركيون والصينيون من الطرح واستبعدوه عن النقاش. فمن جانبها لم تحبذ الصين الفكرة لما تُلقيه على عاتقها من مسؤوليات بالنسبة لبلد شق طريقه إلى القمة دون ضجيج، ومن جهة أخرى عارض العديد من المسؤولين الأميركيين الفكرة على أساس أن الطريقة الأمثل للتأثير على الصين هي من خلال الشركات متعددة الأطراف. وهكذا رأى المراقبون أن اتفاقية الجمعة الماضي حول المناخ العالمي تعكس أكثر من أي شيء آخر الواقع السياسي الداخلي في كل من واشنطن وبكين لأن البلدين معاً، وهما المسؤولان الأولان عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، يظلان أكثر حذرًا مقارنة بالحكومات الأوروبية بشأن إقرار مجموعة صارمة من القوانين الدولية لمكافحة ظاهرة التغير المناخي، وهو ما يفسر إبقاء الباب مفتوحاً أمام الدول لتحديد أهدافها الخاصة لكبح الانبعاثات وتجنب وضع أي أجل محدد للتوقيع على اتفاق دولي ملزم. والاتفاق في الحقيقة يعطينا لمحة عن الطريقة التي ستُعالج بها القضايا الدولية مثل التجارة العالمية والانتشار النووي في ظل قيادة الصين لمجموعة صاعدة من الدول وتزعم الولايات المتحدة لمجموعة أخرى في المقابل، وقد عبر عن اقتسام العالم بين واشنطن وبكين "جونكان مارش"، مدير سياسة المناخ العالمي في معهد "الحفاظ على البيئة" الأميركي قائلاً "لقد انطبعت علامة جديدة على السياسة العالمية الجديدة". وفي نفس السياق يضيف "جيك شميت"، من صندوق الدفاع عن الموارد الطبيعية في الولايات المتحدة "بالقدوم إلى المؤتمر كانت هناك 193 دولة مشاركة، لكن بالخروج منها بدا واضحاً أن الأمر يتعلق بحوار بين قوتين عظميين". أما "أورفيل شيل"، أحد المتخصصين في الشؤون الصينية ومدير مركز العلاقات الأميركية- الصينية فقد اعتبر أن هذا التحاور بين الصين وأميركا دليل آخر على نقطة التحول التي وصلتها العلاقات الثنائية بين البلدين، بحيث صعدت الصين كلاعب رئيسي، وإنْ كان بنوع من التردد فيما تحاول الولايات المتحدة وبنفس عدم الارتياح إفساح المجال للصين على طاولة قادة العالم، قائلاً "لسنا شركاء بالمعني الدقيق للكلمة، لكننا أكثر تساوياً، وإن كانت الصين لم تتعود على الواقع الجديد، ولم تألف المشاركة في صياغة الأشياء على المستوى الدولي". والحقيقة أن الأحداث التي شهدتها القمة المناخية بكوبنهاجن تُظهر مدى حدة العلاقات الأميركية- الصينية وتعقدها في الكثير من الأحيان، ففي لحظة من اللحظات خلال مباحثات يوم الجمعة الماضي، انفجر كبير المفاوضين الصينيين غضباً على المحاولات الأميركية للضغط على بلاده بعدما دخل أوباما على الصينيين فيما كانوا يعقدون مباحثات مع الهنود والجنوب أفريقيين والبرازيليين، وما أن تساءل أوباما عن استعداد الصين لإدراج أهدافها المناخية في سجل دولي حتى انطلق "كزي زينهزا" في خطبة لاذعة ملوحاً أصبعه باتجاه الرئيس الأميركي. وكانت الولايات المتحدة قد اشترطت خلال المباحثات أن أي اتفاق حول المناخ مرهون بالتحقق الدولي ومراقبة تقليص الانبعاثات من قبل الدول الملتزمة بذلك باعتبارها خطوة أساسية لكسب المشرعين في الكونجرس الأميركي الذين مازالوا يقاومون إقرار تشريعات حول التغير المناخي، لكن الصين رفضت رفضاً قاطعاً الخضوع للمراقبة الدولية. ومع أن الصين تشبثت بموقفها الرافض للإشراف الدولي طيلة الشهور التي تفاوضت فيها مع الولايات المتحدة استعداداً للمؤتمر إلا أنه هذه المرة حدث شيء مختلف، إذ حسب مصادر صينية وغربية مطلعة وجه الرئيس الصيني إلى مترجمه الخاص بعدم ترجمة الملاحظات الحادة التي تلفظ بها كبير المفاوضين، وعندما استمر في خطابه المنتقد تجاهله "وين جيابو" الذي كان يترأس الاجتماع. ويبدو أن مصير أي اتفاق عالمي حول المناخ في المستقبل سيعتمد على تفاهم الدولتين الأكثر تلويثاً في العالم، لا سيما وأن الاتفاق الحالي لا يرقى إلى مستوى التطلعات بالنظر إلى طبيعته غير الملزمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: كوبنهاجن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©