السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضربة المالية··· والرؤية الأميركية للعالم

الضربة المالية··· والرؤية الأميركية للعالم
5 أكتوبر 2008 22:28
هناك صدمتان ستظلان علامتين على عصر ''بوش''؛ والشيء الباعث على الذهول أن الصدمة الثانية، وهي الأزمة المالية التي تتكشف تفاصيلها أمامنا الآن قد يكون لها تداعيات أفدح، وأكثر استمرارية من تلك التي ترتبت على الصدمة الأولى وهي هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية؛ ففي حين غيرت صدمة الحادي عشر من سبتمبر الطريقة التي ننظر بها إلى العالم، فإن الأزمة المالية الحالية غيرت الطريقة التي ينظر بها العالم الينا؛ ليس هذا فحسب، بل إنها ستغير -على نحو جوهري- الطريقة التي يعمل بها العالم؛ والاحتمال الأكثر ترجيحا، هو أن ينظر المؤرخون إلى الأزمة المالية الحالية، باعتبارها نقطة فاصلة في تاريخ العالم، أو نهاية حقبة من هذا التاريخ وبداية حقبة أخرى· لقد اسدلت الفوضى الحالية الستار على طائفة واسعة من القواعد الأساسية الوثيقة الصلة بحقبة ''رونالد ريجان''، والمتعلقة باقتصادات ''النيوليبرالية'' وهي المنظومة التي اطلق عليها ''جوزيف ستيجليتز'' -الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد- تلك التشكيلة من الأفكار المبنية على التصور الجوهري القائل بأن الأسواق قادرة على تصحيح نفسها، وعلى تخصيص الموارد بفاعلية، وخدمة مصالح الجمهور بكفاءة''؛ وفي الواقع أن تلك الأزمة قد أدت إلى جعل ليس فقط أعدائنا، وإنما بعض حلفائنا الوثيقين يتساءلون عما إذا كان ما يرونه أمامهم يمثل بداية النهاية لكل من النمط الأميركي في الرأسمالية، والهيمنة الأميركية في آن معا· في السادس عشر من سبتمبر ،2001 خاطب ''بوش'' الأمة الأميركية، كي يعبر عن إيمانه بها، وبـصلابة الاقتصاد الأميركي ومرونته؛ وبعد ذلك التاريخ بسبع سنوات، وفي أواخر سبتمبر الماضي، تحدث ''بوش'' مرة أخرى إلى ''أمة في أزمة ''مستخدما عبارات مشابهة بشكل غريب لتلك التي استخدمها عام 2001 في محاولة منه لطمأنتها بشأن أوضاع السوق؛ في ذلك الخطاب، حاول ''بوش'' الدفاع عن رأسمالية الأسواق الأميركية، التي كانت أميركا تحتفل منذ سنوات ليست بالبعيدة بانتصارها الحاسم بعد سقوط شيوعية العدو السوفييتي'' فقال فيه: ''على الرغم من التصحيحات في السوق، والانتهاكات التي حدثت إلا أن الرأسمالية الديمقراطية، لا تزال هي أفضـــل نظـــام اخترعته البشريــــة على مـدار تاريخهـــا''· لم تكن تلك الكلمات مطمئنة، لا للشعب الأميركي، ولا لشعوب العالم؛ كما أنها تعرضت لانتقادات من طائفة من زعماء العالم الديمقراطي، كان على رأسهم الرئيس الفرنسي ''نيكولا ساركوزي'' الذي قال في كلمة له ''إن العالم يشهد الآن نهاية اقتصادات الأسواق الحرة، كما يشهد أيضا نهاية للأفكار والتصورات التي تقول إن السوق دائما على حق''؛ لم تقتصر تلك الانتقادات على الرؤساء والمسؤولين فحسب، وإنما امتدت إلى وسائل الإعلام بكافة أنواعها التي حفلت بالعديد من التحليلات والمراجعات التي يمكن تكثيفها في عبارة وردت في صحيفـــة ''الفاينانشيال تايمز'' -إحدى الصحف المؤيدة بقوة لحرية الأسواق-قالت فيها: ''إننا نشهد في الوقت الراهن نهاية لسياسة (دعه يعمل··· دعه يمر) الرأسمالية''· وتنبأ أحد الخبراء الصينيين في ''مركز الشوؤن الصينية والعالمية'' بأنه خلال عشرين عاما من الآن، سوف تنظر الصين إلى أميركا بقوة في عينها، وتتعامل معها على قدم المساواة الاقتصادية''؛ الحقيقة أن الأمر ربما لن يحتاج إلى كل تلك المدة، خصوصـــا وأن هناك تقارير تفيد أن الولايات المتحدة قد تدخلت في القطاع المالي -جزئيا- استجابة للتهديدات الصينية، بأن ''بكين'' سوف تعيد النظر في سياسة شراء القروض الأميركية، مالم تتحرك ''واشنطن''، وتعمل على إعادة الاستقرار للأسواق· إن قدرا كبيرا من الغضب المتولد تجاه عملية الإنقاذ التي تضطلع بها أميركا في الوقت الراهن، والأزمة المالية التي تواجهها، ينبع من حقيقة أساسية، وهي أننا نعيش في عالم يتحكم فيه 1000 شخص موجودون على القمة، في أصول تساوي قيمتها ضعف قيمة الأصول التي يمتلكها 2,5 مليار إنسان موجودين في القاع؛ في عالم يمتلك فيه 10 في المائة من الموجودين في القمة 85 في المئة من كل شيء؛ إننا باختصار نعيش في عالم يرجح أن يستمر فيه هذا الغضب ويتنامى، لأن هناك أبعاداً أخرى للأزمة تؤشر على أنه يمكن أن يكون لها وقع أكبر بكثير من أي أزمة مالية وقعت خلال ثلاثة ارباع القرن الأخير، وأن ما نراه منها ليس سوى قمة جبل الجليد· بمعنى آخر، أن تلــك الأزمــــة التي ابتلعــــت -يوم الاثنين الماضي فقط- من الأسواق ما يزيد عما أنفق حتى الآن على حربي العراق وأفغانستان، ليست مهمة فقط، لأنها تمثل أعمق نقطة تحول أيديولوجية منذ سقوط الشيوعية السوفييتية، وإنما لأنها تمثل نذيرا بتهديد عالمي ضخم يتخمر في الوقت الراهن داخل النظام؛ والأنكى من ذلك، أن القادة الأميركيين بدءا مـــن الرئيس الأميركي فما دون، غير قادرين على التحرك لمعالجة تلك الأزمة بفعالية، بقدر ماوجدناهم متهاونين ومتواطئين فيما يتعلـــق بظهورهــا ورعايتها منذ البدايـــة· وفقا لكل الإحصائيات التي أتيحت لنا حتى الآن، فإن أكلاف الأزمة المالية الحالية تفوق بكثير -من الناحية الاقتصادية- أكلاف الحرب على الإرهــــاب فيمـــــا بعد الحادي عشر من سبتمبر؛ أما الأكلاف البشرية فهي أكبر مما يمكن قياسها، إذ يقدر أن تؤثر الأزمة الحالية على حياة عدد من البشر، يفوق بكثير ذلك العدد الذي تأثر بأحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ هذا إذا ما كانت أبعادها على النحو الذي تكشف حتى الآن، أما إذا كان أكبر -وهو الأرجح على الأقل بسبب ذلك الوحش الذي خلقناه والذي يتمثل في الأسواق العالمية، المفعمة بالمخاطر، والخالية من الضوابط- فسوف يكون من الصعب التكهن بالنتائج· هذه الأزمة، ستكون هي التحدي الرئيسي الذي سيسقط على كاهل الرئيس الأميركي القادم، الذي سيجد نفسه مضطرا ليس فقط إلى قيادة السفينة عبر أجواء الاقتصاد العالمي الخطرة، وإنما سيكون مطالبا إلى جانب ذلك بإعادة اختراع ما اعتُبر يوما واحدا من أشهر صادراتنا وأكثرها مدعاة للفخر، ألا وهي الرؤية الأميركية للكيفية التي يمكن بها إقامة مجتمع عادل في هذا العالم· ديفيد روثكوف أستاذ زائر بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©