السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان··· أكثر من عملية تعقب

أفغانستان··· أكثر من عملية تعقب
5 أكتوبر 2008 22:29
أصبح تصاعد العنف في أفغانستان، واضطراب الوضع السياسي في باكستان موضوعين رئيسيين في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية ومناظرات المرشحين؛ غير أنه بعد سبع سنوات من الحرب في المنطقة، آن الأوان لطرح مجموعة من الأسئلة: إذا حدث أن اعتقلنا أو قتلنا، عن طريق المصادفة، ''أسامة بن لادن'' أو نائبه ''أيمن الظواهري''، فهل سنعتبر أن أفغانستان مازالت مهمة؟ وهل سيكون هناك تأييد عام لإرسال مزيد من القوات الأميركية من أجل إرساء الاستقرار في بلد قلما تمتع بحكم مركزي قوي في تاريخه، ويقع بمحاذاة منطقة قبلية في باكستان لم يتمكن البريطانيون ولا الباكستانيون من السيطرة عليها؟ وهل الحرب في أفغانستان شيء أكبر من مجرد عملية تعقب لفرد أو مجموعة من الأفراد؟ وإذا كانت كذلك، فما هو تعريفنا للانتصار هناك؟ الواقع أن أفغانستان ليست الفضاء الوحيد المستعصي عن الحكم في بيئة إسلامية، والذي يمكن أن يشكل قاعدة للإرهابيين الذين يريدون مهاجمة الولايات المتحدة؛ فالعالم مليء بها: من الصومال إلى جنوب الفلبين إلى الأرخبيل الإندونيسي؛ والأفضل، ربما، ألا يقيد المرء نفسه في مكان أو مكانين، ويستعمل بدلا من ذلك وسائل سرية متطورة وعالية التكنولوجيا لتعقب هذه المجموعات حيثما ظهرت؛ ثم إن المرء قد يجادل بأن المشكلة مع ''أسامة بن لادن'' لا تكمن في أنه كان يتوفر على ملاذ آمن في أفغانستان خلال التسعينيات، وإنما في أنه لم يتم تعقبه وملاحقتـــه بالحزم والقوة الضروريين· ولكن إليكم جوابي: إن أفغانستان هي أكبر من مجرد عملية تعقب لأحد الأشخاص، وتكتسي أهمية كبرى لأسباب لم يتعمق ويسهب في تفصيلها صناع السياسة أو الجيش؛ لا يمكن فصل أفغانستان عن باكستان استراتيجيا وثقافيا وتاريخيا؛ فباكستان -بسكانها البالغ عددهم 165 مليون نسمة- بمثابة يوغسلافيا نووية قيد التشكل، ولكنها مهددة بالتفكك والتشرذم من قبل متمردي طالبان في المناطق الشمالية، و من قبل الحركات الانفصالية البلوشية والسندية في نصفها الجنوبي أيضا ربما؛ وعلاوة على ذلك، عرفت باكستان، منذ ولادتها قبل ستين عاما، حياة سياسية شكسبيرية تميزت بكثير من العواطف والخصومات، حيث مجموعة صغيرة من الأفراد قامت بإعدام وسجن وأخذ مكان بعضها البعض؛ ومما يجدر ذكره هنا أن المؤهل الوحيد للرئيس الجديد آصف علي زرداري هو كونه زوج ''بينظير بوتو'' المغتالة؛ ومن المتوقع أن يتواصل المسلسل الدرامي، حيث سيسعى ''نواز شريف'' -رئيس الوزراء السابق- بدون شك إلى إضعافه عبر استعمال تأثيره ونفوذه في البنجاب الذي ينحدر منه في مواجهة قاعدة زرداري في السند· ومع كل ذلك، فإن من الممكن إنقاذ باكستان؛ ذلك أنه يتوفر على طبقة وسطى آخذة في التوسع؛ والانتخابات الأخيرة عرفت عموما هزيمة المتطرفين الدينيين أمام المعتدلين؛ وبالتالي، فإن مستقبل باكستان يعتمد على أي مدى تستطيع الولايات المتحدة أن تتعاون مع الجيش الباكستاني من أجل الحيلولة دون توسع تمرد طالبان، ليس في أفغانستان فقط، وإنما أيضا في الباكستان أيضا· المفارقة هو أن ذلك سيعني عقد صفقات مع بعض مجموعات طالبان ضد مجموعات أخرى؛ وذلك لأن طالبان ليست منظمة متكتلة واحدة، وإنما عبارة عن مجموعات من الرجال البشتون الذين يعيشون في المناطق الحدودية بعيدا عن المدن، والذين تم إبعادهم من قاعدة السلطة في أفغانستان لصالح حكومة تعاني بشكل متزايد من الفساد وانعدام الفعالية؛ إنهم ليسوا تنظيم القاعدة، فهم يفتقرون إلى رؤية محددة وواضحة للعالم، وبعضهم مستعدون للاندماج السياسي؛ غير انه إذا لم تكن الضربات التي تنفذها طائراتنا مرفوقة بخطوات لبنـــاء الدولة مثل إنشــــاء الطرق وحفر الآبار، فإن مصيرنا سيكون الفشل، وستزداد حالة الاضطراب في باكستــان· ويمكن تعريف الانتصار في أفغانستان بأنه تحقيق وضع أمني هناك شبيه بذاك الذي كان قائما في عقد الستينيات، حين كان الملك ''ظاهر شاه'' يبسط سيطرته على المدن الكبرى والطرق الرابطة بينها، وكان جو من السلام النسبي يسود البلاد؛ بعبارة أخرى، نحن في أفغانستان لا نحاول إنقاذ أحد البلدان فحسب، وإنما نسعى لمنح منطقة بكاملها نوعا جديدا من الرخاء والاستقرار اللذين يصبان ضمنيا في مصلحة الولايات المتحدة؛ بيد أن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الباكستانيين يترددون بشأن التعاون معنا في المناطق القبلية هو خوفهم من أن تكون عملية تعقب أحد الأشخاص هي كل ما يهمنا، وليس مستقبل المنطقة على المدى البعيد· وإضافة إلى ذلك، فقد لاحظ الباكستانيون شراكتنا الاستراتيجية الجديدة مع الهند، في الوقت الذي يعتقدون فيه أن قيام الهند مؤخرا بفتح عدد من القنصليات في أفغانستان إنما يهدف إلى مساعدة الانفصاليين البلوش على إضعاف باكستان؛ ونتيجة لذلك، فإنهم يشعرون بأنهم مضغوطون، وبأننا على وشك أن نتخلى عنهم حالما نلقي القبض على قيادي ''القاعدة''· اليوم، تمثل أفغانستان قاعدة خلفية استراتيجية تتقاتل الهند وباكستان حولها؛ والبلدان يخشيان الفوضى هناك ويريدان منا أن نقوم بتهدئة الأمور؛ إن ما يسميه البنتاجون ''الحرب الطويلة'' هو الموضوع الجيوسياسي الرئيسي لعصرنا، وأفغانستان تقع في صميمه؛ ومستقبل منطقة أوراسيا يعتمد على التوازن· روبرت كابلان محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©