الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحيز العرقي... معضلة أميركا التاريخية

التحيز العرقي... معضلة أميركا التاريخية
5 أكتوبر 2008 22:30
قبل 46 عاماً فحسب، كانت قد نشبت أعمال الشغب والفوضى العارمة، بسبب احتمال التحاق طالب أسود بالدراسة في جامعة ''المسيسيبي''؛ وبالمقارنة فإن التقدم الذي أحرزناه في التغلب على الحاجز العرقي، يتجلى بوضوح في الترحيب الذي حظي به ترشيح السناتور الديمقراطي ''باراك أوباما'' رسمياَ للمنصب الرئاسي ليلة الجمعة الماضية، باعتباره أول مرشح رئاسي من أصل أفريقي، مع العلم أنه نفس المكان الذي أثار فيه تسجيل الطالب الأميركي الأفريقي ''جيسم ميرديث''، أعمال شغب ومواجهات عنيفة بين البيض والسود في عام 1962؛ غير أنه من المؤسف جداً أنه وبدلاَ من المناقشة الصريحة المباشرة للمسائل والحساسيات العرقية -التي لا تزال تجد لها حيزاَ في حياة الأميركيين- كثيراً ما كشفــــت المناقشــــات التي أحاطت بترشيح ''باراك أوباما'' عن جوانب لا يتوقـــــع لهــــا أن تسهــــم فــــي إحــــداث أي تقـــــدم فـــي فهـــم هــــذه المسائل والحساسيات على صعيدي الوعي والسلوك النفسي· مما لا شك فيه أن للعرق دوراً في ترشيح ''أوباما''؛ وقد أعانه هذا الدور في اجتذاب تأييد وحماس الناخبين الأميركيين السود والبيض معاً؛ لكن وبالقدر نفسه يتوقع أن يتخذ بعض الناخبين موقفاً سلبياَ منه بالامتناع عن التصويت لصالحه، لا لسبب آخر سوى كونه أسود اللون؛ وعلى أية حال، فإن اختيار الناخبين لمرشح معين لمنحهم صوته، يشبه إلى حد كبير استقطاب موظف لشغل الوظيفة الأرفع في البلاد؛ وتشير دراسة التأثيرات السلبية للسلوك العرقي في مجال التوظيف، إلى حصول المرشحين البيض على درجات أعلى من نظرائهم السود المرشحين للوظيفة نفسها، حتى في حال تطابق السيرة الذاتية والمؤهلات الأكاديمية والخبرة العملية للمرشحين الأبيض والأسود؛ وللمفارقة فإن الغالب أن يزداد هذا التمييز والفارق اتساعاً كلما ضاقت الفجوة بين السير الذاتية للمرشحين، وكلما تطابقت مؤهلاتهما؛ وفي حين يزداد احتمال التقييم العادل للمرشحين المتعددي الأعراق، المتقدمين لوظيفة واحدة، فإن القاعدة الثابتة هي حصول المرشحين البيض للوظائف، على تقييم أعلى من غيرهم من المنتمين إلى العرقيات الأخرى، في حين تشير الدراسة إلى النظر المستديم إلى الأميركيين السود باعتبارهم أدنى مرتبة من نظرائهم البيض، حتى وإن تطابقت مؤهلاتهم مع البيض كما سبق القول· تتضح المغالاة هذه أكثر، في مثل هذه الحالات بصفة خاصة، حين تكون الوظيفة المتقدم لها أعلى مرتبة من مستوى الشخص المسؤول عن التقييم؛ وتفسر هذه المغالاة جزئياَ بالنظر الدائم إلى المرشحين البيض، باعتبارهم ذوي ''مهارات رفيعة'' في حين ينظر إلى المرشحين السود من ذوي المهارات نفسها باعتبارهم ''محظوظين''؛ والقاعدة في هذه الحالة أن ''المهارة الرفيعة'' -البيضاء بالضرورة- تظل قابلة للتكرار المستمر، في حين لا تنطبق قابلية التكرار هذه على المرشحين السود المؤهلين الذين حصلوا على تأهيلهم لمجرد ضربة حظ لا أكثر! يجدر القول إن العرق أو التعصب العرقي، ليس هو المحرك الرئيسي للتقييم في غالبية الحالات المذكورة؛ والسبب هو أن كل من تقع عليه مسؤولية تقييم المتقدمين لوظيفة معينة، يبذل قصارى جهده في اختيار المرشح الأمثل لشغل تلك الوظيفة؛ لكن وعلى رغم ذلك، تشير الدراسة المذكورة التي اضطلع بها كل من ''جاك دوفيو'' و''سام جيرتنر'' وآخرون، إلى ضرورة توخي الموضوعية في تقييم المرشحين السود للوظائف، مقابل تفادي التقييم الذاتي المسبق والإيجابي لنظرائهم البيض، باعتبارهم أفضل المرشحين دائماً· بالاستناد إلى هذا النوع من التحيز العرقي في مجال التوظيف، فإنه يصبح من المنطقي أن نتوقع تأثير مثل هذه العصبيات على ترشيح ''أوباما'' للمنصب الرئاسي؛ وبالفعل لم يكف المعلقون السياسيون عن الإشارة إلى دور العرق وتأثيره على مسار حملته الانتخابية، بل رجح البعض أن يكون العامل العرقي هو المسؤول الرئيسي -إن لم يكن الوحيد- عن التراجع الذي لحق بحملة ''أوباما'' في نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الإعلان الرسمي عن ترشيحه من قبل الحزب الديمقراطي؛ وهناك من ألقى عليه باللائمة ووصفه بمحاولة الاحتماء بالعامل العرقي ومداراة عجزه عن الإجابة عن الأسئلة الجوهرية الصعبة التي يثيرها في وجهه الناخبون عن مدى استعداده لتولي المنصب الرئاسي· بيد أن تجاهل العامل العرقي، أو محاولة التظاهر بأن التقييم الذي يصدر بحقه، صادر عن أساس موضوعي محض، لا علاقة له البتة بلون بشرته أو انتمائه العرقي الأفريقي، إنما هو في الواقع محاولة للتقليل من الأثر العميق الذي خلفته العنصرية في تاريخنا الأميركي على مر الحقب والعصور؛ والحقيقة هي أن ملايين الأميركيين يمارسون رسم الصور النمطية العرقية عن أقرانهم الآخرين، سواء في سلوكهم الاجتماعي اليومي، أم في ما يتخذونـــه من قرارات، سواء في مجال التوظيف أم الدراسة، وغيرهما· على أنه يجب القول، إننا تمكنا من إحراز تقدم ملحوظ في تخطي الحواجز العرقية هنا في ''أوكسفورد''، وبدلاَ من الاستمرار في تبادل الاتهامات العنصرية والاتهامات المضادة، التي لن تفعل أكثر من توسيع هذه الحواجز وإطالتها، فإن من الأفضل لنا أن نواصل المضي قدماَ للأمام، على طريق فهم الخلفيات التاريخية والثقافية والنفسية للتعصب العرقي، بما يساعد على تخطيه وتعزيز مشاعر الوحدة بيننا جميعاً بصفتنا مواطنين أميركيين· دانييل كيل أستاذ مساعد في كلية القانون بجامعة ممفيس سيسيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©