أحمد السماحي (القاهرة)
تشهد الساحة الغنائية في الفترة الأخيرة عودة ظاهرة أداء المطربين أغنيات خاصة بأسماء أولادهم، وطرحها من خلال ألبوم، كما فعل مؤخراً المطرب ملحم زين الذي طرح أغنية «علي» في ألبومه الأخير، كما فعلت أصالة.. الظاهرة لها جذور قديمة، ففي بداية الخمسينيات وبالتحديد عام 1953 كانت المطربة صباح واحدة من نجمات السينما الغنائية في مصر، تنافس بقوة ليلى مراد، ونور الهدى، وهدى سلطان، وشادية، وغيرهن، وأثناء ذلك قدمت أغنية لبنانية بعنوان «يا هويدا هويدالك» ونجحت بقوة، ورغم أنها قدمتها للإذاعة اللبنانية، إلا أن صيتها وصل إلى مصر وكل الدول العربية، وبدأ الجمهور العربي يطلبها في كل حفل تحييه، وفي تلك الفترة تزوجت صباح عازف الكمان الشهير أنور منسي، وبعد شهور قليلة علمت من طبيبها أنها حامل، فاتفقت مع زوجها على إطلاق اسم «هويدا» على المولود لو جاء أنثى، وبالفعل أطلقت اسم «هويدا» على ابنتها التي ولدت عام 1955 وأصبحت هويدا بفضل هذه الأغنية أشهر طفلة على مستوى العالم العربي، وبعد ذلك قدمت صباح لها العديد من الأغنيات مثل «حبيبة أمها» و«أكلك منين يا بطة» و«أمورتي الحلوة» وإن كانت لم تذكر اسم هويدا فيها.
أبناء سميرة ودياب
وبعد «هويدا» توالت أغنيات المطربين لأبنائهم، ففي عام 1967 قدمت فيروز فيلم «بنت الحارس» مع المخرج المصري هنري بركات، وفي هذا الفيلم قدمت أغنيتها الشهيرة «يلا تنام ريما» لابنتها ريما.
وبعد صباح وفيروز اختفت هذه الظاهرة تماما، حيث حاول مطربو السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات إبعاد حياتهم الشخصية والعائلية عن وسائل الإعلام، وحرصوا على عدم الغناء أو ظهور أولادهم في وسائل الاعلام المختلفة رغبة منهم في المحافظة على خصوصية أسرهم وابقائها خارج دائرة الضوء، إلى أن دشنتها من جديد في نهاية التسعينيات وبالتحديد عام 1996 سميرة سعيد في أغنية «ماليش غيرك» كلمات بهاء الدين محمد وألحان محمد مصطفى التي أهدتها لابنها شادي وطرحتها في ألبوم «كل دي إشاعات»، ويقول مطلعها: «لو الأيام قالتلي أعيش لمين مافيش غيرك، لو الأشواق قالتلي أروح لمين مافيش غيرك، يا صوت شادي يا أحلى كلام، سمعته ملاني بالأحلام، يا سيد أمري أنا عمري ما همشي خطوة من غيرك». ومن كلمات أحمد شتا وألحان ناصر المزداوي وتوزيع حميد الشاعري غنى عمرو دياب أغنيته الجميلة «حبيبي يا نور العين يا ساكن خيالي، عاشق بقالي سنين ولا غيرك في بالي»، ويومها تردد بقوة أن هذه الأغنية إهداء من الهضبة لابنته الكبرى نور التي أنجبها من زوجته الأولى شيرين رضا، لكن الأكيد أنه غنى لابنته «كنزي» أغنية خاصة من كلمات محمد رفاعي وتلحين رشيدة الحارس يقول مطلعها «يا كنزي وكل ما ليا، حياة قلبي ونور عيني، جمال الدنيا في عينيا، عشقته لما كلمني بحنية نده ليا».
كما قدمت نوال الزغبي أغنية لابنتها، «يا تيا نورتي هالبيت»، ولم يقتصر الأمر على هذا فقد صورتها معها فيديو كليب لأنها كانت الطفلة الأولى لها بعد سنوات من الحرمان، وإذا كانت نوال صورت أغنية «تيا» فيديو كليب، فقد فعلت أصالة مثل سميرة سعيد ووثقت أغنية «حكاية» التي غنتها لابنتها شام في ألبومها «يا مجنون»، والأغنية كلمات عبدالرحمن مساعد، وألحان صادق الشاعر، وفي عيد ميلاد توأمها أدم وعلي احتفلت به بطريقتها الخاصة حيث أهدت إليهما أغنية باسم «أول عيد ميلاد»، وقد قام والدهما المخرج طارق العريان بعمل فيديو كليب من حفل عيد الميلاد وطرحته أصالة على صفحتها الخاصة بالفيسبوك، الأغنية من كلمات وائل توفيق وألحان مدين وتوزيع أسامة الهندي. وطرحت باسكال مشعلاني أغنية بعنوان «ليللو» للترحيب بمولد ابنها إيلي، من كلمات بسام أبي أنطون وألحان وتوزيع زوجها ملحم أبو شديد، وعن إطلاقها أغنية لابنها قالت: أنا فنانة وزوجي ملحن وهذا أقل شيء نقدمه لابننا إيلي الذي اخترت له هذا الاسم لأنه على اسم شقيقي وعدد من أقاربي يحملونه».
وفور علم المطربة نانسي عجرم بأن مولودها الأول سيكون بنتاً اختارت لها مع زوجها طبيب الأسنان فادي الهاشمي اسم «ميلا»، ودخلت الاستديو وهي حامل وسجلت أغنية «يارب تكبر ميلا»، ونانسي التي ترفض التفرقة بين ابنتيها فور إنجابها لابنتها الثانية «إيلا» غنت لها أغنية أيضاً. وفي ألبومه الأخير طرح المطرب ملحم زين أغنية بعنوان «يا حبيب بيك يا علي»، كلمات فارس إسكندر وألحان سليم سلامة.
وإذا كانت نوال وأصالة وباسكال ونانسي وملحم وسميرة وعمرو طرحوا أغنيات ترحب بأبنائهم فقد أهدت المطربة ماجدة الرومي إلى ابنتها «هلا» ليلة الاحتفال بزفافها اسطوانة تضم أغنيتين جديدتين تخاطبها فيهما، متمنية لها زواجاً سعيداً، الاسطوانة وزعت على المدعوين الذين حضروا حفل الزفاف، الأغنية الأولى بعنوان «بيوم عرسك» كتبها طلال حيدر بالاشتراك مع ماجدة ولحنها سليم عساف، والثانية «افتحي قلبك» كتبتها ماجدة واللحن أُخذ من أغنية «صوت الموسيقى» لريتشارد روجرز، وضمت الاسطوانة أيضاً نشيد «بالمجد والكرامة» من الطقس الكنسي البيزنطي، والتوزيع لجان ماري رياشي.
في قصور الأثرياء
ارتبط ازدهار الغناء في بدايته بالترف في قصور الأثرياء، وكان كثير منهم يتخاطفون المطربين المشاهير للغناء لهم في أفراحهم وأفراح أنجالهم، وكان محرماً على المطرب في هذا الوقت أن يغني لأبنائه أغنيات خاصة بأسمائهم، لأن هذا قاصر فقط على أولاد الأثرياء، ويعتبر نوعاً من الرفاهية لا يقدر عليها المطرب، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر انتشرت فئة من الفنانات عرفن «بالعوالم» احترفن الغناء، وكان الأغنياء يقومون باستئجارهن عند إقامة حفل في الحريم يؤدين الأغنيات الخفيفة المفرحة، المرتبطة بالميلاد أو الطهور أو الأعراس، وكانت بعض المطربات يغنين أغنيات خاصة باسم المولود الجديد أو الطفل الذي أجريت له عملية ختان أو العريس الذي يستعد لزفافه، وكانت العوالم يتمتعن بمكانة جيدة بين الأغنياء فكانوا ينثرون الذهب والفضة تحت أقدامهن، ويعد ما بين عامي 1900 إلى 1925 العصر الذهبي للعوالم.
انتقال الغناء من القصور إلى عامة الشعب
أدى النمو الاقتصادي والرخاء والثورات في مصر وظهور مطرب وملحن عبقري مثل سيد درويش مع مجموعة أخرى من المطربين الى انتقال الغناء من القصور والبيوت الفاخرة إلى عامة الشعب المصري، ولم يعد الغناء قاصرا على طبقة معينة، ولكنه أصبح ملكاً للجميع، وتخلص من كل عيوبه، المرتبطة بالابتذال والسطحية ومطربات من نوعية «عزيزة هزو، أسما الكمسارية، أمينة شخلع، سيدة صواني وغيرهن»، الشيء الوحيد الذي لم يتخلص منه الغناء بعد الثورة التي قادها مطربون مثل سلامة حجازى، وسيد درويش، ويوسف المنيلاوي على الغناء الهابط، هو غناء المطربين للملوك والأمراء أغنيات خاصة بهم وبأولادهم، فقدم الموسيقار محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ أغنيات خاصة عديدة لكثير من الملوك والأمراء، لدرجة أن عبدالوهاب أطلق عليه في فترة الثلاثينيات مطرب الملوك والأمراء، وتخصص عبدالحليم تحديدا في أغنيات خاصة كثيرة لملك المغرب وأولاده، ورغم هذا لم يقدم أي من هؤلاء المطربين أغنيات خاصة لأولادهم خاصة إنهم جميعاً لم ينجبوا باستثناء عبدالوهاب الذي أنجب خمسة أولاد.
عدد اليوم
