الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما الطريق الفكري إلى السلم العالمي ؟

ما الطريق الفكري إلى السلم العالمي ؟
25 يناير 2008 23:11
في هذا الحوار لا يكتفي الدكتور محمد يحياوي، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر والباحث المهتم بقضايا السلم أو الحروب في العالم، بنقد الغرب وثقافته ونمط تفكيره، بل ينهال بالنقد اللاذع أيضاً على الثقافة الإسلامية، ويقول إنها إقصائية للآخر، ويذهب بعيداً في جرأته وينتقد الفتوحات الإسلامية لأوروبا في أوج قوة المسلمين، كما يرى أن المسلمين المعاصرين لن يستطيعوا التقدُّم خطوة واحدة إلى الأمام إذا لم يعيدوا الاعتبار لسُلطة العقل بعيداً عن الذين يتسترون بالخطاب المُقدَّس دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إعادة قراءته لتكييفه مع العصر· إليكم نص الحوار: ü بدايةً، ما الذي يدفع المشتغلين بالفلسفة إلى ''مزاحمة'' عُلماء السياسة في الاهتمام بمسألة السلم العالمي؟ - لا أتصوَّر تفكيراً فلسفياً خارج المجتمع، فالفلسفة التي لا تهتم بقضايا المجتمع المختلفة، السياسية والأمنية والاقتصادية، ولا تتخذها موضوعاً لأبحاثها ودراساتها هي في نظري فلسفة زائفة بعيدة عن الواقع، الفلسفة كانت دائماً مرتبطة بالواقع، ومن الأخطاء الشائعة في أذهان الناس أنها بعيدة عن قضايا الواقع· الأكثر من ذلك أقول: إن الذي لا يشتغل بهذه الموضوعات لا يرتبط بعمق التفكير الفلسفي؛ فما الفائدة اليوم في أن نتناول التفكير كما كان عند أرسطو أو أفلاطون أو أبيقور أو ابن سينا اوابن رشد، إن لم يكن الغرض هو استخدام هذه الأنماط من التفكير كأدوات لتحليل الإشكالات القائمة؟ إن الفلسفة التي لا تُفهمني واقعي أو لا تجعلني أفهم الواقع، ولا تستخدم في حل الإشكالات التي أعيشها، ولا تهتم بالإنسان، ليست فلسفة· ü تقولون إن مفهومي السِّلم والحرب يحملان مضامينَ مختلفة ومتعدِّدة يصعب ضبطها، أليس المفهومان واضحين بما يكفي؟ - أعتقدُ أن من بين المفاهيم الغامضة اليوم في الساحة السياسية والفكرية والإيديولوجية هو مفهوم السِّلم والعنف والإرهاب، واضح أن مفهوم السِّلم كتعريف في صورته المجرَّدة يمكن أن يضبط في شكل تحقيق الاستقرار والأمن، ولكن حينما نحاول البحث فيما نسميه في المنطق بـ''ما صدق'' هذا المفهوم، نجد أن التصور الذي أعطيه للسِّلم ليس هو نفسه الذي يعطيه غيري له، السِّلم في نظر أميركا هو عدم المساس بمصالحها وكذا عدم المساس بأمن إسرائيل، ومن يهدد إسرائيل فهو في نظر أميركا يهدد السلم العالمي، في حين أن ما يراه العرب والمسلمون هو أن ما يهدد السِّلم العالمي هو هذا الوجود الإسرائيلي في فلسطين· إذن المسألة في جوهرها أن المفاهيم محشوة بمضامين كثيرة تغذيها دائماً هذه الصراعات الإيديولوجية· السِّلم العالمي من الناحية النظرية هو مطلب كل إنسان، وكل النظم السياسية، وكل الدول، ولا أعتقد أن هناك من يقول أنا ضد السِّلم ومع الحرب، ولكن برغم وجود هذه القناعة لدى الجميع، إلا أن السِّلم غائب، هنا نفهم أن المسألة ترتبط بضبط مفاهيم· ü تعتقدون أن كلاً من الثقافتين الغربية والإسلامية تقومان على عدم الاعتراف بالأخرى وإقصائها، ألا ترون أنكم بذلك توافقون نظرية ''صدام الحضارات''؟ - ما أنا مقتنع به إلى حدٍّ كبير هو أن غياب السِّلم وتفشي العنف والصراعات، ناتجة من الطبيعة البشرية، دائماً هناك محاولات لفرض الوجود، وفرض ثقافة وهيمنتها على ثقافة أخرى· لنتحلَّ بشيء من الموضوعية؛ عندما كان المسلمون في أوج قوتهم، قاموا بغزوات وانطلقوا من شبه الجزيرة العربية حتى حدود النمسا، وحدود البرتغال، وجنوب إيطاليا، وشرق آسيا، وفرضوا ثقافتهم بالقوة، ومن كان يرفض الإسلام كان مُطالباً بدفع الجزية، ماذا نسمي هذا؟ كيف تذهب من الجزيرة العربية إلى البرتغال أو الصين لتقول: ''اسلم أو ادفع الجزية''، وتعتبر تلك البلاد ''دار حرب''؟· الخطاب القرآني في حدِّ ذاته واضح حيث تقول الآية القرآنية الكريمة: فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (محمد/35)، فبما أنكَ أنتَ الأقوى فلا تركن إلى السِّلم!· ü ولكن هناك آيةً أخرى تقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال/61)؟· - نعم، في خطابنا القرآني لدينا ما نواجه به الآخرين؛ فإذا أراد الآخر السِّلم جنحنا له، وإذا أراد الحرب فلدينا ثقافة الحرب أيضاً· ü وماذا عن ثقافة الآخر؛ الثقافة الأميركية مثلاً؟ - الشيء نفسه، الثقافة الغربية أيضاً قائمة على أساس أن الإنسان الغربي هو أنموذج الحضارة، هم يقولون إن العلم بدأ مع التفكير التجريدي التأمُّلي اليوناني الذي مهَّد للعلوم المعاصرة، أما حضارات من سبقتهم فهي قائمة على الحاجة العملية وتفتقر إلى التفكير العلمي، فهم يتجاوزون التفكير الشَّرقي القديم ويقفزون على الفكر الإسلامي، ويعتقدون أن الفكر الغربي وحده هو الذي يجب أن يُعمَّم على العالم، ومقياس الحضارة هو تقمص هذا النمط من التفكير، وكانوا يبررون الاستعمار بالقول إنهم كانوا بصدد نشر الحضارة وليس الاستيلاء على ممتلكات الشعوب الأخرى، وهي شعوب بدائية متخلِّفة وقمنا بتحضيرها ثم خرجنا من بلدانها وتركناها· هذه نظرة استعلائية في فكر الإنسان الغربي، فهو يعتقد أن ما يملك من تصورات وأفكار وعقائد هي مقياس الإنسان· ü ما مدى قدرة ''حوار الحضارات'' على إنهاء التوتر والتشنج بين العالمين الإسلامي والغربي والصدام بينهما؟ - أرى أن كل طرف اليوم يحاول فرض تصوراته وأفكاره ومنهجه في الحوار، ومن ثمة يستحيل إقامته على هذا الأساس، أدوات الحوار غائبة، ونحن لا نملك فكراً يواجه فكر الغرب، ولا تكنولوجيا تواجه تكنولوجيته، ولا نملك السيادة على الطاقة، ودائماً نحتاج إلى الغرب في استهلاكنا، ثم إن الحضارة الإسلامية هي الآن في التاريخ ولا وجود لها في الحاضر، ليس لدينا ما نجابه به الآخر، نحن في موقع ضعف، والحوار يتطلَّب تقارباً في مستوى القوة، ولذلك لا أعتقد أن هناك جدوى مما يسمى حوار الحضارات وسيبقى الصدامُ قائماً، ويجب على من ينادي بالحوار أن يرتقي إلى مستوى المُتحاور معه ليفرض بدائله وأفكاره· ü برأيكم، ما أهم الأخطار المُهدِّدة للسِّلم العالمي الآن؟ - من يملك الوسائل التكنولوجية هو الذي يهدِّد العالم إذا غابت عنه الآليات الأخلاقية، وأعتقد أن الدوائر التي تشكِّل خطراً على الوجود الإنساني هي تلك الدوائر الأمنية التي يُعتقد أنها تشرف على تحقيق السلم، بمعنى أن هناك ثقافة وبرمجة لهذه الصراعات والمسائل مقصودة ومطابقة لقاعدة في علم الإجرام تقول: إن المستفيد من الجريمة هو المشتبه الأول بوقوفه وراءها· المعروف أن هناك دوائرَ معينة هي المستفيد من هذا الوضع في العالم، إذن هي التي تشكل خطراً كبيراً على السلم العالمي، وإسرائيل هي امتداد لدوائر أخرى، ويجب أن لا نكتفي بالتضرُّع إلى الله بأن يهزم إسرائيل دون أن نتسلَّح بالمعرفة؛ إن أكبر خطر يواجه المجتمع الضعيف هو الجهل وعدم الخروج من دائرته، وغياب سلطة العقل هو الخطر الحقيقي· فما دام المجتمع بعيداً عن العلم والمعرفة ويتبع أناساً يتسترون بالقداسة وشريعة الله دون أن يقوموا بإعادة قراءتها وإعطائها بعدها الزماني، وما دام لم يتم إعادة بناء الفكر العربي وكسر بنية الثقافة كما هي قائمة الآن وكسر الآليات التي يتم بها الاستدلال ومن ثمة اتخاذ القرار، وما دام القرار يُتخذ دائماً بنفس الآليات الاستدلالية، فإن الوضعية تبقى دائماً قائمة، ويبقى المجتمع العربي الإسلامي يعيش حالة الضعف، لأن الجهة الأخرى من المجتمع البشري تملك آليات النضج الفكري السياسي الذي يمنح السيادة والسلطة والسيادة للعقل·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©