الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جذور التخلف العربي

6 يوليو 2010 22:23
لاشك في أن تحديد مسؤوليات واقع التخلف العربي القائم حاليّاً، ليس من المهام الصعبة والشائكة في ظل توافر إمكانات الرصد والمتابعة والوعي الدقيق لمجمل مشاكلنا الداخلية والخارجية الراهنة التي باتت عصية على الإصلاح والتغيير. ويمكن الاستنتاج مباشرة، ومن دون أية مواربة أو أدنى شكوك، أن العرب لم يتمكنوا بعد من تكوين وإقامة دول مؤسساتية ونظم حكم قانونية حقيقية بالمعنى العملي والاصطلاحي للكلمة، وأن الواقع الراهن عندنا يعبر أصدق تعبير عن فشل بعض نخبنا السياسية الحاكمة في الوصول إلى بناء هيكلية عملية واضحة عن مفهوم الدول المدنية الحديثة بالمعنى الثقافي والسياسي العملي. وفي سياق رفض بعض تلك النخب العربية لمنطق وقانون التغير ومحاربتها لسنة التحول الطبيعي فقد وصلت بها الأمور أن تقف بقوة حتى في وجه أي عامل تقدم علمي أو تقني (وليس سياسيّاً فقط)، وتمنعه من النفاذ أو الدخول إلى المجتمعات إذا كان يمكن أن يشتم من دخوله أية رائحة للتغيير أو أي حراك بسيط قد يفضي إلى تغيير في العقلية أو السلوك أو التوازنات الاجتماعية أو السياسية. ولا تزال بعض تلك النخب تعمل على تكريس ثقافة الفساد كجزء من سياسة المواجهة بينها وبين مختلف الفئات الاجتماعية المتضررة والساعية بأي ثمن للتغيير والضاغطة بشدة على النظام، مما يجعلها تخصص قسماً كبيراً من موارد الدولة وإمكانات المجتمع المادية والمالية والبشرية الهائلة المتوافرة من أجل تكريس وجودها، وحماية مصالحها وصون امتيازاتها، وضمان بقائها. وهكذا لم يبقَ هناك، في بعض البلاد العربية والإسلامية، أي هامش لتحقيق أي لون من ألوان الاستثمار الحاضر والمستقبل في مجمل الرأسمال الروحي والمادي لمجتمعاتنا، لا في الإنسان (من خلال فكره وعقله وطاقاته ومواهبه) ولا في الواقع والطبيعة (إبداعات واكتشافات وإنتاجات مختلفة). لأن الإنسان العربي منكفئ عن ساحة العمل والإنتاج والإبداع، ومستغرق في هموم معيشته وتأمين متطلبات وجوده الأساسية من مأكل وملبس ومشرب، ولا يهمه أي شيء آخر سوى تأمين لقمة العيش لأسرته وأبنائه. وهذا هو ما أوصلت إليه قرون طويلة من سياسة التهميش وإلغاء الآخر. ومن هذا المنطلق فإن الأمل بحدوث تطورات حقيقية سياسية واجتماعية وعلمية وصناعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عموماً، يمكن أن تستجيب لتحديات الحياة في الوجود المؤثر والفاعل، مرهون بشكل أساسي، بضرورة إحداث تغييرات هائلة على صعيد النظم وإشكاليات السلطة والمشاركة.. الخ. لأن الأصل في إحداث أي تغيير حقيقي هو في امتلاك القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المسؤولة والمعبرة عن طموحات الناس والمنسجمة مع تطورات وتغييرات الأوضاع الدولية.. وهذا التغيير المطلوب لن يتحقق لوحده، بل لابد من إرادة جماعية فاعلة لتحقيقه، حيث إن بعض النخب ليست لها أية مصلحة في عملية الإصلاح، فضلاً عن كونها أصلاً غير قادرة على مجرد التفكير في التغيير، ولا تمتلك الحد الأدنى من الإرادة الجدية والفاعلية العملية لإحداثه. ومن هنا فإن استثمار تطورات الحياة والاستفادة المثلى من أي تقدم علمي يمكن أن توفره الحضارة الحديثة لن يكون متاحاً أمام مجتمعاتنا وأفرادنا إلا إذا ساهمنا وشاركنا جميعاً -بصورة أو بأخرى- في إنتاجه وإبداعه وتمثله عمليّاً، ومن باب أولى فهمه ووعيه على المستوى المعرفي والثقافي. وأما على صعيدنا كمجتمعات عربية هشة ومخلخلة المكونات والبنى التحتية، فلا يمكن أن نطور العلم وننتج منجزاته الحديثة، في ظل تحكم سطوة التقليد الأعمى لسنة الآباء والأجداد. وبالنتيجة فإن المجتمعات العربية هي التي تدفع الثمن والتكلفة الباهظة التي تترتب على سلوك السياسات الفاشلة، ومحدودة الأفق. ولاشك أننا عندما نضع السلطات الشمولية في موضع المسبب الرئيسي لأزمة الوجود العربي المتخلف الراهن فإننا لا نعفي ثقافتنا السائدة حاليّاً من المشاركة في تلك المسؤولية.. فتلك النظم محل النقد جزء من مجمل المشهد العام لمجتمعاتنا وحضارتنا وثقافتنا، كما أنها صورة عنا. نبيل علي صالح كاتب وباحث سوري ينشر بترتيب خاص مع خدمة "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©