الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أمي..العبي معي» تسهم في التنشئة الاجتماعية المتوازنة

«أمي..العبي معي» تسهم في التنشئة الاجتماعية المتوازنة
27 ابريل 2012
لا ينظر التربويون إلى لعب الأطفال على أنه نوع من الترف، أو أنه مجرد نشاط يومي لقضاء الوقت. بل يعد اللعب وسيلة مهمة ومؤثرة للغاية في التنشئة الاجتماعية على مختلف مستوياتها. فاللعب تعبير تلقائي عن الحياة الاجتماعية التي يعيشها الطفل، والألعاب تعبير حي عن تاريخ المجتمع وثقافته. بل كانت الألعاب منذ القدم وسيلة ووسيط لنقل هذه الثقافة إلى الأجيال التالية، وكان اللعب دائماً متنفساً فعالاً كي يمارس الطفل فيها ذاته، ويجد مكانته ويظهر قدراته بين أقرانه، وبالتالي فهو وسيلة لبلورة الهوية الذاتية وتعزيز الانتماء إلى تاريخ وثقافة وتراث أصيل للمجتمع. فالطفل لا يلعب عبثا، بل إنه يلعب ليعبر عن نفسه ليستمتع ويروح عن نفسه، ويخرج ضغوطاته، كما أنه يلعب ليتدرب على ممارسة الكثير من الأدوار الاجتماعية التي سيقوم بها في المستقبل. خورشيد حرفوش (أبوظبي) - وفق رؤية سيكولوجية ثاقبة تخدم أهداف واستراتيجية التنمية البشرية في الدولة، وتنسجم وديناميكية بناء وإعداد أجيال الغد، أطلقت مؤسسة التنمية الأسرية في جميع مراكزها حملة «أمي.. العبي معي»، عبر ورش عمل وفعاليات عديدة ضمن برنامجها الاستراتيجي «التعلم الأسري»، وحيث تستمر فترة البرنامج إلى السابع من شهر مايو المقبل، انطلاقا من أولوياتها الاستراتيجية المتمثلة في الإسهام في تحقيق رفاهية الأسرة وتلاحمها بضمان الرعاية السليمة، والتنشئة الاجتماعية المتوازنة، والتنمية الاجتماعية المستدامة، وتعزيز الهوية الوطنية وصولاً لأسرة واعية ومجتمع متماسك. وقد يتساءل البعض «إلى أي مدى تفيد تلك الساعات التي نقضيها في صحبة أبنائنا واللعب معهم؟» تساؤل مهم هل تعتبر مشاركة الأم وباقي أفراد الأسرة في اللعب مع طفلها ضرورة تربوية إيجابية؟ أم أنه مجرد لهو لاستهلاك الوقت؟ قد يكون مثل هذا السؤال مثار قلق لدى أم لا يبدي زوجها أي ميل لمداعبة أطفاله، أو اللعب معهم، فهو دائم الغياب عن المنزل لأنه مشغول بالعمل وليست لديه فرصة كي يشاهد أولاده إلا مرة أو مرتين كل أسبوع، لأن الأب عندما يعود من العمل يكون الابن نائماً. وعندما يخرج للعمل يكون نائماً أيضاً. لذلك نجد كثيراً من الأمهات يصرخن ويطالبن أزواجهن بأن يقضون بعض الوقت في رعاية أبنائهم. فالطفل لا يستطيع أن يجد المتعة الكاملة في اللعب مع أمه لأنه معها معظم الليل والنهار، ونجد الأب يشعر أنه مرغماً على اللعب مع طفله، ويشعر أن الجلوس معه واجب ثقيل الدم. وسرعان ما يصبح الجلوس مع الطفل مملاً. إن هذه الجلسة قد تكون «مفتعلة»، لكننا نجد بعض الآباء الذين يعرفون فن صحبة الأطفال يستمتعون تماماً بقضاء بعض الوقت في العودة مرة أخرى إلى الطفولة واللعب مع الأبناء في جو من المرح. ولو سألنا أنفسنا ما الذي يريده الابن من صحبة أبيه؟ إن الطفل يريد أن يلعب مع الأب ألعاب الأطفال المختلفة، لكن في أغلب الأحوال يسعى الابن لأن يقلد الكبار، وتريد البنت أيضاً أن تقوم بمهمة العناية بالطفل الوليد أو القيام بأعمال المنزل. أنماط الآباء يقول الخبير النفسي والتربوي الدكتور بنيامين سبوك «كل أب يعامل أطفاله بأسلوب مختلف. إن الأب له بطبيعة الحال صفات تختلف عن أي أب آخر. هناك والد له رهبة ويعامله الأطفال باحترام مبالغ فيه، وآخر يحب اللعب والضحك مع أبنائه. وثالث يملك مهارة يدوية ويجيد تصليح أي شيء في المنزل بيديه. وهناك والد له هوايات فكرية كالقراءة، وهناك الآباء المتزمتون للغاية. ولكل واحد علاقة ما بأطفاله. وهذه العلاقة تولّد في الطفل حب طبيعة الابن والأب». وأضاف «على الرغم من الاختلاف بين أنماط شخصيات الآباء فإن أي أب يستطيع أن يكون والداً محبوباً من أطفاله إذا استطاع أن يغرس في ابنه الإحساس العميق بأنه يحبه، ويغتبط بالوجود معه ويقبله بحسناته، لهذا ليس هناك عدد محدد من الساعات يجب أن يقضيه الأب مع أبنائه، لأن هذا النوع من الافتعال يرفضه الأب والابن معاً. ويؤلم نفسية الأب، ويؤذي نفسية الابن لأنه يشعر أن والده موجود معه تحت ضغط ضرورة اللقاء وإياه». وتابع «علينا أن نراعي عمر الطفل ومدى شغفه وأن نتيح له أن يتدرج في استيعاب المسائل المعقدة. صحيح أن الأب يشتري هذه الألعاب ليعوض الحرمان في بعض الأحيان، الذي عاناه في طفولته، لكن ليس هذا هو الهدف من شراء اللعب للابن طبعاً. إن الهدف هو أن يسعد الابن فعلاً بالألعاب التي يلعبها. وهناك بعض الآباء الذين يحبون أن يزيدوا من معلومات أبنائهم عن طريق زيارة المتاحف والمعارض وحدائق الحيوانات. إن ذلك يمكن أن يثير متعة الطفل والأب معاً ويزيد من معلومات الطفل فعلاً». هوايات مشتركة قال سبوك «من أفضل الأشياء في إدخال السعادة على الابن هو أن يشترك مع أبيه في هواية معينة سواء كانت زراعة الزهور، أو أعمال النجارة أو صيد السمك أو رؤية مباريات كرة القدم، فمثل هذه الهوايات المشتركة لا نجد الأب فيها يفتعل شيئاً أو يجبر نفسه على شيء لا يحبه. بل يتعلم الابن أشياء عبر هذه الهوايات المشتركة من الأب وتقوي الروابط بين الاثنين». وأضاف «الأم أيضاً تقضي وقتاً طويلاً في أعمال المنزل ورعاية الطفل الصغير، والفتاة تحب أن تشارك أمها في مثل هذه الأعمال وخصوصاً في الفترة قبل المراهقة، والأم المتزنة هي التي تستفيد من مشاركة ابنتها لها حتى ولو كانت هذه المساعدة ضئيلة ولا تذكر. إن توجيه الأم وترحيبها برغبة ابنتها في المشاركة في أعمال التدبير المنزلي يجعل الابنة عندما تكبر تقبل على هذه الأعمال بحب وحماس، بدلاً من أن تصبح هذه المشاركة أمراً إجبارياً ومكروهاً على نفس الفتاة أثناء المراهقة وبعدها. كما أن الأم عموماً تحب أن تصحب ابنتها إلى السوق لرؤية الملبوسات الجديدة والأقمشة. وهذه فرصة تزيد من روابط الأم بابنتها إذا دار الحديث تلقائياً بعيداً عن التمثيل والمجاملة أو تغليب رأي على رأي». وسيط تربوي حول أهمية لعب الأطفال، أوضحت الاستشارية النفسية الدكتورة كريمة العيداني «يعد اللعب من أهم الأنشطة التي يمارسها الطفل فتستهويه وثم تثير تفكيره وتوسع خياله ويسهم بدور حيوي في تكوين شخصية الطفل بأبعادها وسماتها المختلفة، وهو وسيط تربوي مهم يعمل على تعليمه ونموه ويشبع احتياجاته، ويكشف أمامه أبعاد العلاقات الاجتماعية والتفاعلية القائمة بين الناس وهو عامل أساسي في تعليم وتنمية التفكير بأشكاله المختلفة. ويعد اللعب وسيلة لإعداد الطفل للحياة المستقبلية وهو نشاط حر وموجه يكون على شكل حركة أو عمل يمارس فرديا أو جماعيا ويستغل طاقة الجسم العقلية والحركية ويمتاز بالسرعة والخفة لارتباطه بالدوافع الفرد الداخلية ولا يتعب صاحبه وبه يتمثل المعلومات جزءا من حياته ولا يهدف إلا إلى الاستمتاع». وأضافت «اللعب لا يختص بالطفولة فقط فهو يلازم أشد الناس وقادراً ويكاد يكون موجوداً في كل نشاط أو فاعلية يؤديها الفرد. ومما لا شك فيه أن الطفل يقضي معظم ساعات يقظته في اللعب، بل قد يفضله أحياناً على ‏النوم. ومن خلاله يتعلم الطفل مهارات جديدة ‏ويساعده على تطوير مهاراته القديمة، إنه ورشة اجتماعية يجرب فيها الأدوار الاجتماعية ‏المختلفة وضبط الانفعالات والتنفيس عن كثير من مخاوف الأطفال وقلقهم سواء تم ذلك اللعب ‏بمفرده أو مع أقرانه. فعلماء النفس والتربية إلى أن اللعب حاجة وضرورة، ولابد من إشباعها، فاللعب سلوك فطري في حياة الطفل كما يؤثر اللعب في التوازن الانفعالي للطفل فان إشباع حاجة الطفل باللعب أمر تربوي ونفسي وعقلي سواء كان ذلك في الأسرة أو الحضانة أو الروضة أو في المدرسة. كما يساعد اللعب على تهذيب الغرائز العدوانية واللعب من متطلبات النمو الضرورية للطفولة الذي يعد ضروريا لنموهم ومتنفسا عن طاقاتهم وامتصاصا لانفعالاتهم وتخفيفا لتوتراتهم النفسية». اللعب ونظرية الإعداد للحياة المستقبلية يرى الخبير التربوي والسلوكي كارل جروس أن اللعب للكائن الحي هو عبارة عن وظيفة بيولوجية هامة. فاللعب يمرن الأعضاء، وبذلك يستطيع الطفل أن يسيطر سيطرة تامة عليها، ولن يستعملها استعمالاً حرا في المستقبل. فاللعب، إذاً إعداد للكائن الحي كي يعمل في المستقبل الأعمال الجادة المفيدة، ومثالنا على ذلك تناطح الحملان في لعبها إنما هو تمرين على القيام بالتناطح الجدي في المستقبل والدفاع عن النفس وتراكض الجراء وعض بعضها بعضاً كأنها تتدرب على القتال. وصغار الطير تضرب بأجنحتها بما يشبه حركات الطيران وكذلك القطط التي تطارد بعضها بعضاً في أثناء اللعب، فهي تقوم بحركات تشبه الحركات التي تقوم بها في المستقبل بقصد الحصول على الطعام ومطاردة الفريسة. ويقول «الطفلة في عامها الثالث تستعد بشكل لا شعوري لتقوم بدور الأم حين تضع لعبتها وتهدهدها كي تنام. وهكذا فإن مصدر اللعب هو الغرائز، أي الآليات البيولوجية ولقد أكد وجهة النظر البيولوجية هذه كثير من العلماء مع إجراء تعديلات طفيفة عليها. ومما يثبت صحة هذه النظرية، من الأدلة، أن اللعب يأخذ شكلاً خاصاً عند كل نوع من أنواع الحيوانات. ولو كان اللعب مجرد تخلص من الطاقة الزائدة لجاءت الحركات بصورة عشوائية عند الحيوانات جميعها ولما اختلفت من كائن إلى آخر». وترى هذه النظرية أن الإنسان يحتاج أكثر من غيره إلى اللعب لأن تركيبه الجسمي أكثر تعقيداً وأعماله في المستقبل أكثر أهمية واتساعاً. ومن هنا كانت فترة طفولته أطول ليزداد لعبه وتتمرن أعضاؤه، كما ترى أن اللعب من خصائص الحيوان الراقي، بينما الكائنات الحية غير الراقية كالحشرات والزواحف، لا تلعب ويعود ذلك إلى أن الحيوانات الراقية تولد غير مكتملة النمو وغير قادرة على مواجهة صعوبات الحياة بنفسها من دون مساعدة كبارها بينما الكائنات الحية غير الراقية تولد بالغة مكتملة النمو تقريباً وتكون مستقلة عن كبارها وهذا يغنيها عن اللعب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©