الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام يقرن العمل بالإيمان ويحث عليه

الإسلام يقرن العمل بالإيمان ويحث عليه
27 ابريل 2012
إن ديننا الإسلامي يقدس العمل ويدعو إليه، لأن العمل هو عصب الحياة وسبيل التقدم وطريق العزة والفلاح، لذلك فقد أمر الله عباده بالعمل وحثهم عليه، فقال سبحانه وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، «سورة التوبة، الآية 105». والإسلام يأمرنا بأن نطبق إيماننا عملاً وسلوكاً، حيث إن آيات القرآن الكريم التي تحثنا على الإيمان تحثنا بعده مباشرة على العمل، والتي تذكر وصف الإيمان، تذكر بعده العمل، وتبين جزاء العاملين المخلصين، فالإيمان والعمل الصالح متلازمان، والمؤمن لا يعمل إلا صالحاً، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)، «سورة الكهف، الآية 107»، فحتى ينال المسلم الجنة لا بد أن يسلك سبيل الصلاح في تصرفاته وأعماله كلها، ومن المعلوم أن الإسلام حفظ حقوق العمال قبل أن تجعل المؤسسات للعمال يوماً يحتفلون به، وقبل أن تقوم المنظمات الدولية بالمطالبة بحقوق العمال، قبل ذلك بأربعة عشر قرناً كان الإسلام قد أعطى توجيهاته للأمة جميعاً أن تعمل، وأن تحرص على العمل، وأن تصون حقوق العمال والعاملين، فالإسلام رسالة توجب على معتنقيها أن يجعلوا مجتمعهم أفضل المجتمعات، وأجدر بالحياة، وأقدر على النجاح، وكل ما يعين على ذلك فهو واجب، وكما يقول علماء الأصول: «مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، فالإسلام يحرص على العمل بالحث عليه والترغيب فيه، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود كان يأكل من عمل يده)، «أخرجه البخاري». إنَّ العمل في الإسلام لا ينحصر في العبادات الروحية فقط، بل يشمل كل سعي مفيد وعمل مثمر يعود على البشرية بالفائدة الدنيوية والأخروية، فقد حضَّ الإسلام أبناءه على العمل والسعي والكدّ في سبيل تحصيل معاشهم، وحذرهم من السلبية والانزواء عن معترك الحياة، فقال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، «سورة الملك، الآية 15»، فالمسلم منذ صلاة الفجر إلى أن يدركه النوم يتحرك في ضروب الحياة ليعلي كلمة الحق والعدل، كما أن من مزايا شريعة الإسلام، أنها فتحت أبواب العمل الصالح، ووسعت دائرته، وجعلته من القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى خالقه، من أجل إعلاء كلمة دينه، وإعزاز شأن شريعته. كما أن الأعمال تتنوع في الإسلام، فمنها ما هو عمل ديني وعبادة، كالصلاة والزكاة والصيام والحج والبر إلى غير ذلك من الطاعات، ومن العمل ما هو دنيوي، فيه السعي على الرزق وفيه بناء الحضارات وفيه كفالة الحقوق، حيث نظر الإسلام إلى هذا النوع الثاني أيضاً على أنه عبادة، وأن القائم به على أكمل وجه بحيث يعود متعباً كالاً من عمل يده ينال المغفرة والرضوان، كما ورد في قوله - صلى الله عليه وسلم-: «من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له»، (مجمع الزوائد 4/63). ومن الجدير بالذكر أن يوم الثلاثاء القادم الأول من شهر مايو (أيار) يوافق ذكرى يوم العمال العالمي تخليداً لثورة عمال أميركا على الظلم عام 1887م، حيث كانوا مستعبدين، حقوقهم منقوصة ومهضومة، وظروف عملهم سيئة، وأجورهم زهيدة، ومن المعلوم أن الإسلام - بنصوصه وروحه - دستور ونظام حياة، وعقيدة وشريعة، والإسلام عمل للدارين: الآخرة والأولى، وهما في الإسلام موصولتان. والفقه الإسلامي شقان متكاملان متلازمان: عبادات ومعاملات، فإلى جانب أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج، نجد أحكام الشراكة والمزارعة والمساقاة والمضاربة والكفالة والحوالة إلى آخر هذه الأمور التي تتصل أوثق الاتصال بالحياة الدنيا، والتي تستوعب الأبواب الكثيرة للمعاملات، كما ونجد أوامر بالوفاء بالعقود، وبأداء الأمانات إلى أهلها، وبرد المظالم، وإعطاء كل ذي حق حقه. إنَّ العمل من وجهة نظر الإسلام شرف كبير، فالإسلام يقرن العمل بالإيمان وما أكثر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الدالة على ذلك نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، «سورة يونس، الآية 9»، وقول الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم-: «ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم الأمانيّ حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وهم يقولون: نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل»، (أخرجه البخاري). وكما يحفل الدين بالعمل إلى هذا الحدّ، فإنه ينزل العاملين منزلة تقترب من منزلة الأنبياء والصديقين والشهداء... وهذه أمثلة من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - تؤيد هذا القول:- يقول - صلى الله عليه وسلم-: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء»، (أخرجه الترمذي)، ويقول أيضاً: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»، (أخرجه مسلم). والعمل في الإسلام يجب أن يكون عملاً مشروعاً لا يتطرّق إلى الضرر ولا يتطرق إليه الحرام، ولنا في قصة البنت الصالحة مثال رائع، حيث سمعها الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يتفقد الرعية فجراً، ترفض طلب أمها أن تخلط الحليب ماء ليزداد كَمًّا وحجمًا، قائلة لها: إن كان أمير المؤمنين بعيداً عنا، فإن رب أمير المؤمنين ليس عنا ببعيد، ولئن نجونا من عقاب الدنيا فلن ننجو من عقاب الآخرة، يوم يقوم الناس لرب العالمين. والحياة لا تستقر إلا بالعمل، ولا يحترم الناس إلا العامل المجد، فقد قال الفاروق- رضي الله عنه- أرى الرجل فيعجبني، فاسأل: أله عمل؟ فإن قالوا لا، سقط من عيني، وجاء في الحديث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يحب المؤمن المحترف»، (أخرجه الطبراني في الكبير)، لذلك نجد رسولنا- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام- رضي الله عنهم أجمعين-، ومن سار على دربهم، قد شَمَّروا عن ساعد الجد، وعملوا قدر استطاعتهم في خدمة دينهم وأمتهم، حيث إن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- حثَّ على العمل حتى عند قيام الساعة، فقال: «لو قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها»، (أخرجه مسلم). ومن الجدير بالذكر أن ديننا الإسلامي حرص على أن يكون أتباعه أصحاب حرف مختلفة ومتنوعة في شتى المجالات، كالحدادة، والنجارة، والفلاحة، والهندسة والطب... إلخ، حتى يخدموا مجتمعهم وأمتهم. إنَّ المسلمين اليوم بحاجة إلى بعث جديد سواء من الناحية الروحية أم المادية، فالقيم والأخلاق الإسلامية الرفيعة هي أسباب الاستقرار النفسي وقاعدة الانطلاق لتحقيق السعادة الحقيقية. والمسلمون وهم يمثلون خمس سكان العالم اليوم يعيشون فترة حرجة من تاريخهم في ظروف غامضة، فأطرافهم تتناقص يوماً بعد يوم وهم مهددون بالضياع وللأسف. إن أمة «اقرأ» أمة العلم والمعرفة، هي الأمة الرائدة والقائدة، لهذا يتحتم عليها أن تجمع قواها وتوحد صفها وتلتمس العلم وتسخره في استثمار كنوزها وخيرات أوطانها، كما أنها مطالبة اليوم قبل الغد بتطويع الحياة لخدمة الدين وتوجيه النشاط الفردي والجماعي لخدمة رسالة الإسلام. إنَّ الدين الإسلامي كرم العمال وجعل لهم حقوقاً كثيرة، وجاءت الأحاديث الشريفة موضحة ذلك منها قوله- صلي الله عليه وسلم-: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، (أخرجه ابن ماجة). وقبل أن ننهي هذه الإشارات السريعة إلى منزلة العمل ومكانة العاملين نؤكد أن الدين، كما يحث على العمل فإنه يطالب بضرورة الإتقان فيه يقول- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (أخرجه البيهقي)، ويقول أيضاً: «من غشنا فليس منا» وفي رواية: «ليس منا من غش»، (أخرجه مسلم). هذا هو الإسلام، عطاء صادق، وأجر غير منقوص، ومن هنا لم يكن العمال المسلمون بحاجة إلى ثورة على أرباب العمل، لأن الإسلام قد كفل لهم الحقوق، وأما إذا حدث شيء من ذلك، فإنما هو نتيجة لإخلال أحد الطرفين بمبدأ العدل الإسلامي، فإما أن يُهمل العامل في عمله، وإما أن يستغل ربُّ العمل عماله، والإسلام بريء من ذلك الإخلال في الحالتين كلتيهما. تحية لكل يد تعمل، ودعاء إلى الله تعالى أن يعيننا على أن نعمل، ويرزقنا الإخلاص في العمل، والقبول له، إنه نعم المولى ونعم النصير. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©