الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

رحلات المقيظ.. سحر يسكن الذاكرة الإماراتية

رحلات المقيظ.. سحر يسكن الذاكرة الإماراتية
12 يوليو 2017 22:46
أحمد السعداوي (أبوظبي) لا تزال حكايات «المقيظ» وعالمها الساحر تكشف جوانب مدهشة من حياة أهل الإمارات في الزمن القديم، وتبرهن بالدليل القاطع على حسن تصرفهم في اتخاذ كل التدابير اللازمة للتعامل مع درجات الحرارة والرطوبة العالية في زمن ما قبل ظهور أجهزة التكييف الحديثة وانتشارها بشكل لافت في كل ركن وزاوية على أرض الإمارات، غير أن «المقيظ» بأنواعه، ومنه مقيظ أهل المناطق الساحلية، له سحره الخاص في الذاكرة الإماراتية التي لا يزال يسكنها، حيث تحدثنا عنه الباحثة في التراث فاطمة أحمد عبيد المغني. استقبال الضيوف تقول فاطمة المغني، إن القيظ هي لفظة تطلق على فصل الصيف في الإمارات وغالباً ما يكون في الفترة من شهر مايو حتى شهر أغسطس، حيث ترتفع درجات الحرارة وتبدأ المحاصيل الزراعية بالنضوج، وخاصة الرطب، وتسمى تلك المرحلة بـ«القيض» أو قاضت النخل، وتعني بدء مرحلة جني الثمار، والمقيظ هي أماكن سكن الأهالي في تلك الفترة، إذ كانوا ينتقلون من مناطق السكن من البيوت الشتوية إلى بيوت العريش المصنوعة من سعف وجريد النخل بالقرب من المزارع لكي يكونوا بالقرب من مراكز جني المحاصيل، وبالتالي توافر الغذاء بأنواعه خلال تلك الفترة، ويتولى تجهيز بيوت العريش وإعدادها لاستقبال الضيوف القادمين للمقيظ أهل الواحات والمناطق الزراعية، كما يقومون بتوفير احتياجات القادمين من أغذية مختلفة حتى يقضوا شهور الصيف بقدر من الراحة حسب إمكانيات الزمن القديم. المناطق الساحلية وتشرح المغني، قائلة: ضمن الاستعدادات للمقيظ، يأتي «الكريان» وهم أصحاب الجمال، حيث يقومون بتجهيزها وتأجيرها إلى أهل الساحل الذين لا يملكون أي مطايا، بحيث يستخدمون هذه الجمال في التنقل من المناطق الساحلية إلى أماكن الواحات المنتشرة في الإمارات،  ومن أشهر أماكن المقيظ في دولة الإمارات قديماً واحات المياه والأفلاج حيث تتوافر مياه الشرب والري، ففي أبوظبي واحات ليوا والظفرة وواحات العين وبساتين الجاهلي وغيرها، وفلج المعلا والحيل والراس بأم القيوين، ومصفوت ونخل مريم واليوارة بعجمان، وكذلك واحات الذيد ومدينتي كلباء ودبا الحصن التابعة لإمارة الشارقة في المنطقتين الوسطى والشرقية، وهناك أيضاً مناطق الحيرة، المرقاب، الشرق، الفلج والتي تقع جميعاً في إمارة الشارقة. أما في دبي نجد مناطق متنوعة يقصدها «المقيضون» ومنها أم سقيم، البراحة، جميرا، أبوهيل. منظومة اجتماعية  وكان القياضة وهم الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية، أو من يعيشون في المدن ولا يملكون مزارع، يأتون لقضاء فترة تقارب الأربعة أشهر عند أصحاب المزارع التي يحددونها، وربما تربطهم بهم صداقة أو صلة قرابة، حيث يكرون قافلة من الإبل من عند مالكها وهو ما يعرف بـ«المكري» وهي من المهن الراقية في تلك الأيام لأن صاحبها يعتبر من الملاك، وكذلك يعتبر ذا خبرة بمسالك الدروب والطرقات، ويكون أميناً لأنه يؤتمن على القافلة بمن فيها من نساء وأموال وحلال. ويعتبر التمر من أهم الأغذية التي يصطحبها معهم المقيظون خلال رحلتهم، وغالباً ما يأتي القادمون للمقيظ ببعض الهدايا للمستضيفين الذين سيقيضون عندهم تلك الفترة، مثل الأقمشة وبعض العطور والبخور، وبعض الحلوى للأطفال. وتعتبر مسألة المقيظ منظومة اجتماعية من الحب والجيرة والتعاون والتآزر مع تمازج الثقافات بين أهل البيئات الساحلية والحضرية مع سكان المناطق الزراعية، وهي أنماط من السلوك الإيجابي الذي يعكس ثقافة الارتباط بالأرض والاستقرار، فضلاً عن نقل ونظم الأشعار والمثل والحكايات وكثير من القيم والمبادئ الأصيلة التي عرفها أهل الإمارات منذ قديم الزمن، ولا يزالون محتفظين بها حتى أيامنا هذه. رحلة العودة وتشير المغني، إلى أن رحلة العودة من المقيظ، تكون أكثر مشقة من رحلة الذهاب، بسبب مفارقة الأصدقاء والمعارف الذين تعايشوا معهم، إضافة إلى كثرة الهدايا والبضائع التي يشتريها «المقيظون» للعودة بها إلى مناطقهم الأصلية، ما قد يضطر البعض إلى استخدام السفن والقوارب حتى يسهل حمل تلك الأغراض والبضائع، في حين يستخدم البعض الطرق البرية التي سلكها في بداية رحلة المقيظ.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©