الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوبوس داي.. عمل لله أم مافيا مقدسة؟

أوبوس داي.. عمل لله أم مافيا مقدسة؟
31 أغسطس 2016 19:35
الفاهم محمد العثور على الله في الحياة اليومية، إتقان المرء لما يعمله مرضاة لله، تحقيق النجاح في الحياة كطريق للعثور على القداسة. تقديس العائلة ومحاربة الطلاق. احترام النظام الاجتماعي العام وعدم معارضته مادام يحترم قواعد الإيمان المسيحية... هذه بعض المبادئ العامة التي تعلنها المنظمة المسيحية السرية أوبوس داي أو ما يمكن ترجمته بـ «عمل الله». كل هذه أفكار قد تبدو عادية بالنسبة لأي ملاحظ خارجي، ولكن لماذا هي منظمة سرية؟ بل أكثر من ذلك لماذا تعتبر الأوبوس داي حالياً من أكبر التابوهات المسيحية في الغرب كما يرى المتتبعون؟ هل هي مجرد شكل من أشكال الروحانية المسيحية المعاصرة، أم أن هناك شيئاً آخر يختفي وراء القناع الإيماني؟ من الناحية التنظيمية تعتبر الأوبوس داي مؤسسة تابعة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. تأسست سنة 1928 بوساطة القديس خوسي ماريا أسكريفا دي بالاغير الإسباني المتوفى سنة 1975 والذي تم تطويبه من طرف الكنيسة سنة 2002. كانت في البداية عبارة عن منظمة إيمانية. وفي سنة 1982 أصبحت مؤسسة حبرية شخصية بقرار من البابا جان بول الثاني، بعد ذلك، وفي سنة 2010 توسعت هذه المنظمة لتضم نحو 89560 من بينهم 1969 كاهناً وفي سنة 2010 بلغ أتباعها 90 ألفاً أغلبهم من العلمانيين ومنذ ذلك التاريخ وهي في توسع مستمر. إن المعتقد الأساسي للأوبوس داي هو أن كل شخص بإمكانه الاقتراب من الله واكتشاف القداسة فقط من خلال العناية بأسرته وإتقان عمله. قد لا يعترض أحد على هذا المعتقد، فنحن نجده حاضراً في كل الديانات بما فيها الإسلام. غير أن المسكوت عنه وراء هذا الشعار هو أن الأوبوس داي يمنح لنفسه قداسة مطلقة على الأرض، فهو يتجاوز نفسه كمجرد أتباع مخلصين يهيئون الناس لتعزيز إيمانهم، بل هم يدعون أنهم ينطقون باسم الله، وهذا واضح في كلام مؤسسها الذي يرى أن الله هو الذي أسس الأوبوس داي وأنه ليس سوى سفير مرسل من قبله. أفكار متطرفة ليس غريباً إذاً أن ينظر حالياً إلى الأوبوس داي من طرف الملاحظين كواحد من الأجنحة اليمينية المتطرفة للكنيسة الكاثوليكية. وهذا صحيح إلى حدود بعيدة لأن التطرف يبدأ من اللحظة التي يعتقد فيها المرء أنه ليس فقط مخولاً بالحديث باسم الله، بل بفرض معتقداته على الناس بالقوة. تتحكم الأوبوس داي اليوم في أفكار أتباعها وتحدد لهم ما يجب عليهم قراءته وممارسته، وباختصار تأمرهم بالطاعة العمياء المطلقة للمنظمة. من الممارسات الطقوسية المستحدثة لديهم تعذيب الذات La mortification du Corp. حيث يطلب من أتباعها تعذيب جسدهم بأدوات خاصة كي يصلوا إلى محاكاة الآلام التي تعرض لها المسيح على الصليب، فالآلام إذن في اعتقاداتهم طريق مفضٍ إلى القداسة، وهذا شيء يمكن أن يتم حتى عن طريق إرهاق الإنسان لنفسه داخل العمل. يثير هذا التنظيم حالياً جدلاً كبيراً في الأوساط المسيحية، بحكم تغلغله في الأروقة السياسية، وبحكم الدعامات المالية التي يتوفر عليها. الأوبوس داي وشيفرة دافينشي في الرواية الذائعة الصيت «شيفرة دافينشي» لصاحبها دان براون، وردت إشارة إلى هذه المنظمة باعتبارها مشاركة في أخوية صهيون، وهي المنظمة التي تسعى إلى تقويض الكنيسة الكاثوليكية. وقد طلبت منظمة الأوبوس داي من الشركة المنتجة لفيلم شيفرة دافينشي ضرورة إدراج كلمة قبل عرض الفيلم تشرح من خلالها أنه عبارة عن خيال وليس واقعاً. كما أكدت على أن الرواية تتضمن العديد من المغالطات المتعلقة بحقيقتها كمنظمة اجتماعية إيمانية، تقوم على نفس القواعد المسيحية التي تقوم عليها الكنيسية الرومانية. مع ذلك، ورغم هذه الدفوعات فإن العديد من المتتبعين يرون أن المنظمة بالفعل تحيط بها العديد من الأسرار، فهي تلعب دور لوبي يتغلغل في الكنيسة الكاثوليكية ويشتغل طبقاً لأجندات سياسية خاصة وغامضة. رغم أن المنظمة تنكر أن لها أي أهداف سياسية. غير أن هذا الإنكار لا تدل عليه الوقائع، فهي مثلاً تطلب من أعضائها عدم التصريح بانتمائهم إليها لعامة الناس إلا بموافقة منها. كما تطلب منهم بالمقابل التصريح بعائداتهم المالية إليها، الشيء الذي جلب لها انتقادات حادة من طرف الصحافة العالمية. خاصة أنها اتهمت كذلك بالنخبوية، أي أنها تستهدف الطبقة الناجحة من الأغنياء والمثقفين في المجتمع من أجل نشر أفكارها. وهو ما عبر عنه بعض المنتقدين ساخرين بأن إرادة الله عند الأوبوس داي لا تعبر عن نفسها إلا من خلال المديرين. بل أكثر من ذلك توجه أصابع الاتهام للأوبوس داي بكونها ساندت العديد من الأنظمة الديكتاتورية في العالم مثل نظام فرانكو في إسبانيا وبينوشيه في تشيلي. المافيا البيضاء ينظر حالياً إلى الأوبوس داي كمنظمة دينية تستغل الإيمان المسيحي من أجل تحقيق أغراض دنيوية سياسية واقتصادية، وهي بذلك لا تختلف في شيء عن السيانتولوجي وهذه بدورها منظمة مسيحية سلكت نفس الطريق وافتضح أمرها فيما بعد. التطرف لا دين له، وإذا كان التطرف الإسلامي يوجد اليوم في الواجهة، فهذا لا يعني أنه علينا أن نغفل أشكال التطرف الأخرى التي يمكن أن تنبثق في باقي الديانات. ذلك أن التطرف ضد الحضارة والمستقبل والأمل في تأسيس إنسانية جديدة. ففي عصر الحداثة والديمقراطية والفضاءات المفتوحة التي خلقتها الثورة الرقمية كيف يمكن أن تسود الجماعات الدينية المغلقة. يؤكد ميرسيا إلياد بشكل دائم في كتاباته على أن الشعور الديني هو شعور أساسي بالنسبة للوعي البشري، فهو ليس فقط مرحلة عبرتها البشرية وتركتها وراءها كما كانت تعتقد الوضعية مع أوغست كومت. بل هو بنية مؤسسة للوعي ذاته لأنه يمنحنا المعنى والحقيقة. إن مثل هذا الشعور بوجود عالم حقيقي يمكن أن نرتكن إليه شيء ضروري كي يستقيم الوعي كتجربة بشرية. قد نوافق ميرسيا إلياد في ضرورة استنهاض الدين في عالم ضاعت منه كل المعاني، لكن هذا لن يحدث إلا إذا تم تحرير الدين نفسه من كل أشكال الانغلاق والتلاعب بالعقول والتحجر الذهني والتضليل الإيديولوجي. بشكل آخر نقول إن من المهم النظر إلى الحياة العملية كظاهرة روحية، ذلك أن العمل عبادة كما يؤكد الإسلام، ولكن شتان بين هذا الأمر وبين جعل العبادة نفسها عملاً، أي استثمار الدين من أجل الحصول على نتائج اقتصادية وسياسية. يتم اليوم وصف الأوبوس دي باعتبارها «ديكتاتورية روحية» أو هي أيضاً «مافيا بيضاء» أو «مافيا مقدسة» واسعة النطاق ليس فقط داخل المجال الاقتصادي والسياسي، بل حتى داخل الكنيسة الكاثوليكية ذاتها. تلاحقها العديد من فضائح الفساد المالي، وهذا كله طبعاً لن يخدم الروحانية المتنورة التي نرجو قيامها من أجل تجاوز التعاسة الروحية التي نعيشها، ومن أجل الإنسانية الجديدة، إنسانية الألفية الثالثة. فروع في 80 دولة يثير هذا التنظيم حالياً جدلا كبيرا في الأوساط المسيحية، بحكم تغلغله في الأروقة السياسية، وبحكم الدعامات المالية التي يتوفر عليها، فهو يدير العديد من المدارس والمعاهد والمستشفيات والوحدات الصحية، بل هو يمتلك جامعات خاصة وله أتباع في القطاع البنكي وفي كبريات الشركات. كما يتوفر على فروع في العديد من دول العالم مثل فرنسا إسبانيا هولندا إيطاليا وروسيا ودول أميركا اللاتينية بل حتى في اليابان وسنغافورة وهونغ كونغ وبعض الدول الإفريقية. اليوم تغطي الّأوبوس داي 80 دولة منها 20 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©