السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا و«تكتيكات» الحرب غير الخطية!

روسيا و«تكتيكات» الحرب غير الخطية!
10 مايو 2014 22:48
يتير بوميرانتسيف مؤلف ومنتج تلفزيوني بريطاني يكثر الرئيس أوباما هذه الأيام من ترديد مقولة تفيد بأن الكرملين بات متشبّثاً بـ«الأساليب العتيقة» وحبيساً في أجواء حرب باردة جديدة اصطنعها لنفسه، وربما أصبح يجترّ أفكاراً تعود في أصولها إلى القرن التاسع عشر. ولكن، لو ألقيت نظرة أكثر قرباً على نشاطات الكرملين وطريقته في معالجة الأمور خلال الأزمة الأوكرانية، فستبدأ في الاقتناع بأنك أمام أفكار جديدة بكل معنى الكلمة تنسجم كل الانسجام مع عقلية القرن الحادي والعشرين، وتتجسّد فيها العلاقات المتشابكة بين الدول، وتنشغل بها الوسائط الإعلامية العالمية، وتنطوي على صياغة جديدة تماماً للتحالفات الجيوسياسية. فهل نفهم من ذلك أن الغرب هو الأحرى بأن يقال عنه إنه حبيس الأساليب والطرق البالية في معالجة الأمور، فيما أصبح الكرملين يعيش عصر الحداثة في المجالات الجيوسياسية، وهو مقتنع كل الاقتناع بالعواقب المدمّرة للعولمة؟ يمكن أن نطلق على الهدف الذي يسعى إليه الكرملين مصطلح «الحرب غير الخطّية» non-linear war الذي ورد ذكره في قصة قصيرة كتبها أحد أعضاء الحلقة الاستشارية الضيّقة المحيطة ببوتين ويدعى «فلاديسلاف سوركوف» ونشرت تحت اسمه المستعار «ناثان دوبوفيتسكي» قبل أيام قلائل من ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. ويُعزى لسوركوف فضل ابتداع ما يسمى «الديمقراطية الموجهة» أو الخاضعة للرقابة وأدوات التحكم، التي يتصوّر أنها ستسود روسيا خلال القرن الحادي والعشرين. وهو يركز في أطروحاته التي أدرجها في القصة على السياسة الخارجية لروسيا مستوحياً إطاراً زمنياً غريباً لأحداثها يبدأ من «نهاية الحرب العالمية الخامسة!». وكتب «سوركوف» يقول: لقد كانت أول حرب غير خطّية. ففي الحروب البدائية التي شهدها القرنان التاسع عشر والعشرون، كان من الشائع أن يتقاتل طرفان متحاربان. ثم تطور الأمر لتصبح الحرب بين دولتين، ثم بين كتلتين من الدول المتحالفة. أما الآن، فقد أصبح الصراع يدور بين أربع كتل متحالفة. وليس على أساس أن كتلتين تصارعان كتلتين أخريين، ولا واحدة تصارع ثلاثاً، بل الكتل الأربع تتصارع جميعاً بعضها مع بعض في وقت واحد. وبمعنى آخر، أصبحت «حرب الكل ضدّ الكلّ». ويقدم «سوركوف» شرحه لآليات الصراع الحديثة فيقول: «ويمكن لبعض الأقاليم في دولة ما أن تؤيد واحداً من طرفي الصراع، فيما تنزع أخرى إلى تأييد الطرف الآخر. ويمكن لجيل أو جنس معين أن يؤيد طرفاً ثالثاً. وغالباً ما تتضارب مصالح هذه الأطراف وتتقاطع. ولقد فهمت تلك الأطراف أن الحرب هي جزء من اللعبة، ولكنها لا تمثل بالضرورة الجزء الأهم منها». ويمكننا أن نعثر على أسلوب مشابه في التفكير يتجلى في طريقة تعامل الكرملين مع شرق أوكرانيا حيث يتدخل في شؤون هذا القطاع عبر الجماعات الانفصالية ورجال المخابرات. وهو يقوم بهذا الفعل من دون أدنى اعتبار لمصالح القوى المحلية ذات التأثير الكبير في اللعبة بمن فيها كبار الأثرياء من أمثال «رينات أخميتوف» ملياردير مدينة «دونيتسك» الصناعية الواقعة في شرق أوكرانيا الذي يُعدّ هو أغنى رجل في أوكرانيا كلها من دون منازع، أو «ميخائيل دوبكين» الرئيس السابق للإدارة المحلية لمدينة «خاركيف» التي تقع شمال شرقي أوكرانيا وتُعد ثاني أكبر مدن البلاد بعد العاصمة كييف، وهو الآن مرشح لمنصب رئيس دولة أوكرانيا. وعلى رغم صدور تصريحات متكررة عن هذه القوى المحلية تؤيد الوحدة الوطنية لأقاليم الدولة كلها، إلا أن الدعم الذي كانت تلقاه من الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش يدفعها إلى النظر بعين الشك إلى الحكومة المركزية الجديدة في كييف. وفيما كان الكرملين في أيام الاتحاد السوفييتي يسعى إلى تجنيد «اللوبيات اليسارية» في الدول الغربية للترويج لسياساته، تقيم روسيا اليوم تحالفاتها على أسس مختلفة تماماً. وربما ترى في مواقف بعض القوى السياسية الفاعلة في الغرب ما يساعدها على ذلك. ومنها مثلاً «حركة جوبيك» المجرية، أو حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي، وغيرهما من الأحزاب التي ترفع شعارات مناهضة لسياسات الاتحاد الأوروبي. وترتفع الآن أصوات العديد من أحزاب أقصى اليسار في أوروبا للمطالبة بإنهاء السيطرة الأميركية على القرار السياسي الأوروبي. وكان من نتيجة هذه المواقف أن ضجّ العالم بجوقة من الأصوات المتقاطعة ذات الصلة الوثيقة بالكرملين. وعلى رغم ما قاله أوباما، ربما يكون هناك صراع في الأفكار يدور الآن بالفعل. ولكنه هذه المرة ليس صراعاً بين الشيوعية والرأسمالية، ولا بين المحافظين والتقدميين، ولكنه يدور بين الرؤى المختلفة لمفهوم العولمة، أي بين «القرية العالمية» التي تبدو جميلة المنظر من الوهلة الأولى من جهة، وبين «الحرب غير الخطّية» من جهة أخرى. ولعل من السذاجة والسخف أن نفترض أن الغرب هو الذي سينتصر في هذه المعركة إن هو أصرّ على استخدام ذات الصيغ والأدوات التي سبق له أن استخدمها خلال الحرب الباردة. ففي تلك الأيام، وضع الغرب اقتصادات الأسواق الحرة والثقافة الشعبية والسياسات الديمقراطية في سلة واحدة. وتم تجييش البرلمانات والبنوك الاستثمارية وحتى موسيقى البوب لدحر أطروحات السوفييت وتقويض خططهم الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن روسيا الجديدة (ومعها الصين الجديدة) تمكنت من التخلي عن هذه المظاهر، وأصاب الثقافة الشعبية الروسية فيروس «التغريب» عندما أصبح الروس يتجولون بسيارات «بي إم دبليو» ويضاربون في البورصات. ويحدث كل هذا في الوقت الذي يشعرون فيه أيضاً بالابتهاج بأفول النجم الأميركي. ولذا فإن قواعد اللعبة هذه المرة تبدو مختلفة بشكل كبير. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©