السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناظم حكمت.. دون كيشوت عقلاني

ناظم حكمت.. دون كيشوت عقلاني
24 ديسمبر 2009 00:30
الحديث عن الكاتب المسرحي والشاعر والأديب التركي ناظم حكمت المولود في مدينة (سلانيك) إحدى ضواحي مدينة استنبول العام 1902 حديث طويل وشائك.. ويحمل إشكالياته، ذلك أنه كان مثلا رائعا للفنان الملتزم الذي ارتبط فكرا ووجدانا ومصيرا بقضية نضال شعبه من أجل الحرية والاستقلال، كما ارتبط بقضية النضال العالمي من أجل التقدم والسلام واحترام سيادة الشعوب الفقيرة. وقد توزعت حياته ما بين سجن وآخر، ومن منفى إلى منفى.. ومن غربة إلى غربة، لكنه مثل كل أصحاب الفكر والرأي الحر، لم يفقد الأمل يوما.. وظل في نضاله محافظا على مبادئه والشعارات التي رفعها حتى توفي في الأول من مارس العام 1963.. قد تحدث عنه الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا بقوله: “كنت على الدوام أزور في موسكو أو في الريف شاعرا كبيرا ومختلفا، إنه الشاعر التركي ناظم حكمت وهو كاتب خرافي أسطوري، كانت حكومة بلاده قد سجنته طويلا.. كان يحكي لي عن آلام شعبه وعن الفلاحين والعمال المضطهدين بقسوة في بلاده”. اعتبر النقاد ناظم حكمت واحدا من أعلام القرن العشرين الذين دخلوا عالم الإبداع ليس من باب الموهبة فقط وإنما لأنهم كانوا يرون الفن ولا سيما المسرح سلاحا جماهيريا خطيرا في المعركة الفكرية وتحقيق الهوية الوطنية.. في ظل التفاوت الثقافي بين الأمم وسيطرة الدول القوية على ساحة الإبداع والجوائز والهيئات التي تمنح هذه الجوائز. نداء من أقاصي العالم في مسيرة حكمت الذي يحيي العالم منذ فترة مناسبة مرور نحو مائة عام على مولده، أنه عاش حياته كلها ملتزما بهذا النداء النضالي من أقاصي العالم في كل خطاه، وإن قصة الأعوام الواحد والستين التي عاشها، تشير إلى أنه قضى سبعة عشر عاما منها وراء قضبان السجون في بلاده، إلى أن اضطر إلى الرحيل عن وطنه وهو في التاسعة والأربعين من عمره بعد أن أنقذه الرأي العام العالمي من حبل المشنقة.. فقد بدأ نشاطه السياسي كمناضل تقدمي مسؤولا في تحرير جريدة “المطرقة والمنجل” كما ساهم العام 1930 بحماسة بالغة في إصدار مجلة “الوجود” التي شكلت مسيرتها انعطافة كبرى نحو الاتجاه إلى الشعر الاجتماعي، وأيضا درس الاقتصاد والاجتماع في جامعة موسكو في الفترة ما بين 1921 ـ 1924، وبعد أن عاد سرا إلى بلاده العام 1928 جرى اعتقاله ولم يطلق سراحه إلا سنة 1935. وفي رحلته مع الشعر فقد أصدر 15 ديوانا لعل من أهمها ديوان “أغنيات المنفى” وترجمه إلى العربية محمد البخاري. ومن قصائده الهامة “الحريق”. ويقول البخاري في مقدمة ترجمته المتميزة: “اتسم شعر ناظم حكمت بالشعبية، وليس معنى هذا انه تبنى أسلوب الشعب فحسب، بل انه ارتقى بأسلوب الشعب إلى الصياغة الفنية التي تتسلل إلى قلب الرجل المثقف ورجل الشارع. فقد أخصب لغة الشعر بما تزخر به لغة الشعب من تغييرات وصور وأساطير وبما يمتلئ به التراث الشعبي من حكمة عميقة رسبتها التجربة الطويلة على مر الأجيال، لقد كتب شعره ببساطة يتعانق فيها المثل الأعلى بالزوجة المحبوبة بثرى الوطن فلا تكاد تعرف أيهما يعني حين يتحدث: زوجته أم مدينة استنبول بل لا تستطيع آن تفصل بين الإنسان عن الوطن عن فكره وقضيته فلم يكن إحساسه بالواقع إحساسا سطحيا أو فوريا، بل كان إحساسا عميقا متأنيا ذكيا فقد لمس المنابع التي يستمد منها الشعب غذاءه الروحي وأدرك عمق إحساسه بالحرية، غير أن ارتباطه بقضايا الشعب والدعوة إلى العدل والى الثورة على الظلم والاستبداد قد أشاع في شعره جانبا إنسانيا جعل منه شاعرا عالميا”. وهناك أيضا قصيدته المشهورة “دون كيشوت” التي استخلص من خلالها صورة البطل العقلاني. معتبرا أن العقل هو فارس العصر الجديد بمقابل أن الفقر هو عدو الإنسان الأول ومعطل طاقاته ومواهبه وقدراته، ليصل إلى أن مكافحة الفقر في العالم هي من أهم القضايا التي يجب أن يكرس أصحاب القرار جهدهم لحلها بعيدا عن نوازع الحروب وكوارثها على الانسان والعالم. نحن هنا نعيش قصة الكاتب الكبير الذي رفع صوته وهو في الرابعة عشرة من عمره مدافعا عن المضطهدين والمستغلين والى آخر عمره، لم يعل الصدأ إحساسه واهتمامه بالفن وتياراته الجديدة ورواده أينما كانوا.. نعيش حقا قصة التجربة الإنسانية العريضة والعميقة بكل ما يمكن أن تتضمنه من بهجة ومرارة... قصة الثائر الذي لم ينفصل لحظة واحدة عن الوطن حتى وهو بعيد عنه في المنفى لم يرتض لنفسه أن يعيش أسيرا لآلام الغربة وآمال العودة حتى لنراه في روسيا يقيم كمواطن وليس مجرد لاجئ.. ويخيل إلينا انه عبر عن نظرته للحياة أروع تعبير في رباعيته الشعرية الشهيرة: “إذا لم أحترق أنا وإذا لم تحترق أنت وإذا نحن لم نحترق فمن ذا سيبدد الظلمات؟” بين تركيا وروسيا ناظم حكمت هو أحد كبار الفنانين الذين يملون على الفن إرادتهم فيدخلون عليه مقاييس ونظرات جمالية خاصة. ولو أننا أخضعنا إنتاجه الفني للمقاييس السائدة لوجدنا صعوبة في فهمه. أما إذا راعينا ذاتيته فسوف نشعر بروعة وعمق وخصوبة أعماله المسرحية وقصائده الشعرية. يقول المخرج الروسي الشهير “بلوتشيك”: “لقد كان لي تجربتان مع مسرح ناظم حكمت، وفي كل مرة كان يعتريني شعور بالحيرة والتردد إزاء أعماله التي لا شبيه لها في التراث الدرامي.. ولكنني فيما بعد كنت أجدني شديد الغبطة بلقائي مع فكر مسرحي جرئ وفريد.. ولقد أيقنت أن التوفيق العظيم يمكن أن يحالف المخرج إذا استطاع من خلال التفاصيل أن ينفذ إلى عالم الفنان الكبير، وإذا استطاع أن يوصل للجمهور صوت ناظم حكمت المتميز عن كل ما عداه من أصوات ولن يحقق هذا بالطبع إلا إذا تحرر المخرج من الأساليب التقليدية”. يخطئ بعض النقاد الروس حين يعتبرون ناظم حكمت أديبا روسيا.. صحيح أنه مات في موسكو ويحمل الجنسية الروسية.. وصحيح أيضا أن كتاباته الأخيرة شعرا ونثرا كانت تتناول الواقع الروسي وأن بعض أو معظم تلك الكتابات كانت تصدر باللغة الروسية قبل أن تصدر بالتركية نفسها.. ولكن هذا كله لا ينفي أنه كان أديبا تركيا أولا وأخيرا.. وليس من الصعب أن نستشف في أعماله تأثيرات التراث الأدبي الشرقي بما يتميز به من إطناب وتكرار ومقارنات وصور فنية وغيرها مما يختص به أدب الشرق. يبدو لنا أن هذا المبدع قد توصل إلى صيغة فنية تلغي التناقض بين القومية والعالمية فهو في تعلقه بتركيا يربط بين الوطن وبين الخلود ولا يرى للخلود معنى بعيدا عن الوطن ويقول في ذلك: “رفع الشاعر للخلد فنادى.. يا بلادي ثم مات..”، وهو يقطن بالإنسانية وبالعالم ككل إذ يقول: “إنني أحس بالعالم كله على راحة يدي.. أحس بقلب العالم يخفق في راحة يدي”. مواطن في بلاد الآخرين لم يكن الأديب الكبير يحبس نفسه داخل إطار قومي ضيق ولم يكن يمارس عملية الخلق الفني بصفته ممثلا لبلده وحده بل كان يتبنى مصالح وتراث وطموح البشرية التقدمية كلها.. ولقد كانت موسكو مقر إقامته الرسمي، ولكن قلما كان يمكن العثور عليه بها، فهو يوما في وارسو، ويوما في فيينا، وثالثا في ستوكهولم ليشترك في اجتماعات مجلس السلام العالمي الذي كان أحد أقطابه، ومن هناك قد يطير إلى الشرق ليحضر مؤتمرات أو ندوات الكتاب الآسيويين الأفريقيين.. ومن هناك قد يطير إلى نصف الكرة الغربي حيث ينتظره بشغف الصيادين الكوبيين في هافانا الثائرة دوما.. وباختصار كان ناظم حكمت شعلة من النشاط والحركة المتمردة فهو على الدوام يشد الرحال إلى حيث يكون النضال بالكلمة أو الفكر في سبيل الحرية والعدل حتى لو كان هذا العدل مستحيلا! وحيثما كان الشاعر يحل ببلد لم يكن يحل به كسائح تحركه بواعث حب الاستطلاع ولهفة اكتشاف المجهول والغامض من الأشياء والتراث القديم والرغبة في التعرف على العادات والتقاليد.. بل كان يحل به كصديق وفي يساهم بفكره وقلمه في تطلعات الجماهير إلى مستقبل جديد.. وحياة تخلو من التبعية والانقياد وراء الآخر. وعلى المستوى العربي فإن خير مثال على ذلك تجسد خلال زيارته لمصر العام 1962 بدعوة من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا.. وطلب خلال زيارته تلك زيارة مدينة بورسعيد تلك المدينة التي صمدت في حرب السويس أمام جيوش إنجلترا وفرنسا وإسرائيل وردت الغزاة على أعقابهم، وكتب هناك قصيدة عن بور سعيد رمز المقاومة. وتحدث في قصيدته عن عامل أسمر نحيل وصغير اسمه منصور، حافي القدمين لا يزيد عمره عن عشرة أعوام. الانتماء إلى الإنسانية تشير بعض الكتابات القليلة التي صدرت عنه انه “مبدع كان يعيش للآخرين” فحتى عندما كان يعيش على أرض بلاده كان يحيا بوجدانه وفنه مع المعركة على أبواب مدريد.. يعايش كفاح الشعب الإسباني ضد الفاشية، ومع بسالة التلميذة الروسية (زوبا) التي دوخت بصمودها وكبريائها زبانية العدوان الهتلري.. وفي المنفى يزداد إحساسه بانتمائه إلى الإنسانية ككل، فإذا هو من باريس يكتب كوميديا عن نموذج (المنافق الفرنسي) ومن مدينة براغ يكتب (أسطورة تشيكية) ومن موسكو قبيل المؤتمر العشرين للحزب السوفياتي يكتب مسرحيته الكوميدية الساخرة “هل كان ايفان ايفانوفيتش موجودا؟” وفيها يوجه النقد لظاهرة تقديس الفرد في روسيا.. ولعل هذه المسرحية هي من أعظم الآثار الفنية التي شجبت وأدانت تلك المرحلة الحالكة من تاريخ الاتحاد السوفياتي.. ويرى بعض النقاد السوفييت أن هذه المسرحية جزء من التراث الأدبي الروسي رغم أن كاتبها تركي. وأيا كان الأمر فهي ولا شك تؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن ناظم حكمت لم يكن يحل على الشعوب ضيفا أو سائحا بل كان يعيش بينها كواحد من أبنائها لمشاركتهم بكل صدق وعفوية أفراحهم وأحلامهم ومصائرهم. وفي مسرحيته “سيف ديموقليس..” يحذر الفنان الكبير البشرية جمعاء من أن مصيرها الآن وفي ظل سياسة التوازن على حافة الهاوية.. سياسة التوازن الذري الرهيب قد اصبح معلقا على الحالة العصبية التي قد تنتاب أحد الطيارين الذين يطوفون حول العالم بطائرات تحمل شحنات من القنابل الذرية.. نعم انه يحذر البشرية من جنون القوة والتسلط، ومن أن صدفة حمقاء قد تؤدي إلى تراجيديا كارثية عالمية، من أجل إشباع الرغبة المجنونة في تأكيد سطوة القوة وجشع السيادة. التجريد والرمزية مفهوم “التجريد” عند الكاتب لا ينتزع أبطاله من أرض الحقيقة والواقع بل هو محركهم في معترك الحياة. تتنازعهم قوى الموت والحياة والصمود والتخاذل والأنانية والتضحية واليقين والضياع والبطولة والخيانة والطموح إلى المنفعة الشخصية والسعادة إلى الاحتراق لتبديد ظلمات العالم. لهذا فقد اعتبر من أكثر كتاب الدراما تفلسفا إذا لم يكن أكثرهم فقد كان يتنبأ بالحركة الحتمية للتاريخ ويبشر بالتحولات الاجتماعية الكبرى، ويمسرح قوانين التطور الاجتماعي. ورغم ذلك كله لم يكن حكمت يتوه في دروب التجريد أو ينسى الإنسان الفرد في زحمة الحياة الاجتماعية. كذلك فإن البناء الفلسفي المعقد لمسرحياته لم يكن يحيلها إلى طلاسم يتعذر أو يستحيل فهمها على جمهور المسرح العادي، بل على العكس تماما فإن مقدرته الفذة على استخلاص العام والرئيسي والجوهري بين التفاصيل المتشابكة والمتناقضة هي التي كانت تجذب الجماهير إلى مسرحه وتستحوذ على رضاهم وإعجابهم، حيث أن الدراما في معظم أعماله المسرحية تدور حول مصير إنسان، بطل يركز الضوء عليه من خلال تجارب مفهومة لنا جميعا مثل: العمل والحب والزواج والأسرة وفقد صديق عزيز وزحف الموت على حبيب وما إلى ذلك من عواطف وقيم تخلق عنصر التشويق والالتصاق بفكرة العمل من جانب المشاهد أو القارئ. في مسرحيته “سيف ديموقليس” تدهش لسذاجة وبساطة أحلام بطل المسرحية، فهو يطمع في الحصول على عمل والظفر بالفتاة التي يحبها، كما يتمنى أن يصبح أبا وهو يخشى أن تحول الحروب دون تحقيق أحلامه تلك. ولهذا يصاب بالذعر لمجرد التفكير في أن القنبلة الذرية لعينة يمكن أن تسقط فوق عربات الأطفال وباقات الزهور، غير أن الواقع البرجوازي يحطم هذه الأماني المتواضعة إذ يسلب البطل كل شئ حتى حق الأمل، وبذلك يسلبه كل ما هو إنساني ثم يتركه آخر الأمر وحشا كاسرا حقودا يريد فقط أن ينتقم.. ويريد أن يدمر كل شيء لأنه لم يعد يملك شيئا ومن هنا تروق له فكر التدمير الذري انتقاما لكرامته الشخصية المهدرة ويجري هذا التحول على نحو واضح مفهوم ومقنع إلى حد يثير أعمق العواطف الإنسانية ويفرض على مشاهدي المسرحية ـ ومهما كان موقفهم ـ أن يحبسوا أنفاسهم وهم يتابعون مصير البطل. في مسرحيته “العبيط” نعاني أشد القلق والتوتر ونحن نرقب لحظة الاختيار التي يمر بها محام شاب عليه أن ينساق مع تطلعاته الطبقية الأنانية أو أن يبقى “إنسانا يعيش للآخرين”. وفي مسرحية “هل كان ايفانوفيتش موجودا؟” نكتئب من أعماقنا لرؤية شاب عامل يفيض إنسانية وهو ينجرف تحت إغراء (المنصب القيادي) وحب العظمة فيتحول إلى كائن شأنه بغيض لولا أن الجموع تنقذه من نفسه. وفي مسرحية “المحطة” نتابع بشغف كيف أثبت الأسير التركي الأمي المتخلف انه بطل حقيقي لم يبخل بحياته بل ضحى بها في سبيل الثورة والعدالة. من المهم أن نعرف أن وحدة الفكرة هي أهم ما يميز مسرحيات ناظم حكمت، فهي بمثابة الإسمنت الذي يوحد العناصر الفنية المختلفة ويقيم منها جميعا صرحا جماليا متماسكا وانطلاقا من هذه الزاوية نرى أن الفنان الكبير لا يتردد في أن يدخل في نسيج العمل الدرامي كل ما يؤكد ويوضح ويجسد الفكرة التي تقوم عليها الدراما كذلك وبدون أدنى تردد يستبعد كل ما يمكن أن تحيا الفكرة بدونه على خشبة المسرح.. لا تغريه في ذلك فخامة جمالية آو إمكانيات مسرحية تقنية أو تملق للجمهور بقدر ما يرمي إلى تقديم أصالة فنية وصدق من أجل التوعية والتنوير وهما من أهم مفردات وأغراض المسرح الحقيقي. للرمزية في أعماله روعة أخاذة وعميقة فالبقرة في مسرحية له بهذا الاسم ليست مجرد حيوان حي متحرك ذي ضرع وقرنين وإنما هي رمز إلى الإقطاعية الخاصة التي تستذل (الأبطال)، وفي مسرحية “سيف ديموقليس” نسمع عن خروف الحظ الأبيض الذي يحاول البطل عبثا أن يمتطيه ولكن الفشل يترصده، كما نرى الجرو الذي يستميت البطل على إرغامه على اللعب، بينما يرفض الجرو ذلك وبإصرار عنيد يشي بأنه غير راغب في الانصياع لإرادة رجل ضعيف فهو لا يعترف إلا بحق القوي.. إلا باليد القادرة على التلويح بالعصا.. إن هذه الرموز كلها تشير إلى العالم البرجوازي الذي يحطم الإنسان العادي بقسوة وشراسة ويرغمه على أن يصبح نذلا لكي يجد لأقدامه موقعا وسط العتاة. إلى كتّاب آسيا وإفريقيا شعر: ناظم حكمت إخوتي.. لا يغرنكم شعري الأشقر.. فأنا آسيوي ولا تلتفتوا إلى زرقة عيناي.. فأنا إفريقي في بلدي لا تلقي الأشجار بظلالها على جذورها كما في بلادكم أيضا الخبز بين أنياب الأسد في موطني والتنين يرقد بجانب ينابيع الماء كما في بلادكم أيضا ونحن نموت قبل أن نصل لسن الخمسين كما في بلادكم أيضا فلا يغرنكم شعري الأشقر.. فأنا آسيوي ولا تلتفتوا إلى زرقة عيناي.. فأنا إفريقي قومي لا يعرف ثمانون منهم لا القراءة ولا الكتابة وأشعارنا تنتقل من فم إلى فم كي تغدو غنوة فالشعر يتحول إلى أعلام في بلادي وكذلك في بلادكم إخوتي.. لنسير بجوار ثور الحرث النحيل كي نحرث تربتنا بأشعارنا وليغمر وحل مزارع الأرز حتى ركبنا ولنسأل جميع الأسئلة ولنجمع كل الأشعة ولنقف في مدخل كل طريق ولنصفّ من أشعارنا طريقا لكيلومترات طويلة ولنكون أول من يتبين عدونا المقترب ثم لنضرب بطبولنا كي لا يبقى بلد أسير أو إنسان ولا غيوم ذرية ولنهب كل ما نملك من مال ومُلك وفكر وروح ولتغدو أشعارنا طريق حريتنا الكبيرة (موسكو 22 يناير 1962)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©