الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ارتدادات السوء..

ارتدادات السوء..
24 ديسمبر 2009 00:34
“سرقة.. ضرب امرأة.. تجارة مخدرات.. إذا قرأت إحدى هذه الكلمات في الصحف والمجلات الألمانية أو سمعتها في حديث الشارع، فمن المؤكد أن العرب لهم يد في الموضوع”. هذا ما ذهب إليه الكاتب اليمني غمدان الزعيتري في كتابه الذي اختار له اسماً لافتاً “بارات صنعاء ومآذن برلين: حوار مع الذات”. الزعيتري كان قد عاش سبع سنوات من حياته للتعلّم في مدينة بريمرهافن، شمال ألمانيا، وهناك انبهر بمجريات حياة يومية لم يكن يتوقعها، ولم تتوافق مع تحذيرات كان قد تلقاها أثناء مغادرته صنعاء؛ لهذا رأى من الأهمية أن يكتب عن تجربته. ويبدو أن المؤلف استعاد في الكتاب، الذي صدر عن البيت الألماني في صنعاء، تطلعات التنويريين العرب والمسلمين، كالأفغاني ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وأحمد فارس الشدياق وفرح أنطون وسلامة موسى وطه حسين، نحو النهوض، من خلال معاينة تجارب الغربيين في التطور وتقديمها كمثال محفّز للمسلمين، فرصد بعض مظاهر التقدم الملموسة في كل جوانب الحياة، ابتداء من احترامهم للآخرين المختلفين معهم في العقيدة والعرق، إلى اهتمامهم بالطبيعة، التي يتعاملون معها “كالإنسان بتوقيرها واحترامها”، وتبعاً للوجهة نفسها استعاد المؤلف قول أحد شيوخ التنوير الذي زار أوروبا في مطلع القرن الماضي، وقال إنه وجد هناك “إسلاماً بدون مسلمين فيما وجد في بلاد الإسلام مسلمين بلا إسلام”، وكأنّه باستعادته، يتحسّر على إسلام ضيّعه المسلمون، ما زال يراه، من منطلق إسلامي محافظ، عامل تطور ونهوض، مع أن المنجز الحديث الذي انبهر به في أوروبا كانت وراءه تحولات تاريخية حديثة أحدثت ما يشبه القطيعة مع معوقات النمو من أيديولوجيات وتقاليد سياسية واقتصادية واجتماعية. مساجد غربية على عكس التخوفات السابقة وجد المؤلف أن أوروبا لم تصهره بحضارتها، بل دمجته بحرّيتها وتسامحها، حسب تعبيره، وساعده تسامح المجتمع الألماني على الاحتفاظ بهويته الإسلامية “فعندما تذهب لزيارة أسرة ألمانية تراهم وقد أعدوا لك كل شيء حلال، ويخبرونك بأصناف الطعام الموجودة غير الحلال”. ومن هذا التسامح يذكر تحويل كنيسة في برلين إلى مسجد، صار يعرف باسم (مسجد السلام)، وكيفية ترحيب الألمان المسيحيين بذلك، بعد أن كان قد أصبح مكاناً مهجوراً. وكذلك تحويل مرقص في سكن جامعة جرايسفيلد إلى مصلّى للطلاب المسلمين، وتخصيص غرفة في الجامعة التي درس فيها للصلاة. وأهم المساجد في برلين هو مسجد الشهداء، الذي ترجع قصة إنشائه إلى أول سفير للدولة العثمانية وصل عام 1797، حيث بدأ كمقبرة للمسلمين إثر وفاة السفير واسمه علي عزيز أفندي، بعد سنتين من وصوله، ثم تحوّل إلى جامع. ولاحظ في “أماكن كثيرة من برلين مشاهد إسلامية كالمحلات التجارية والبقالين المسلمين، ومحال بيع اللحوم بالطريقة الإسلامية منتشرة في كل مكان، وأماكن الترفيه الإسلامية والجمعيات والحجاب، والكلام العربي يتناثر في شوارع برلين، بل إن مناطق كبرى، كالكوغيتز بيرج، تكاد تكون منطقة مغلقة للمسلمين”. وبرلين من “الولايات الألمانية القليلة التي لم تقر منع الرموز الدينية في المدارس أو الجامعات، كما في ولايات أخرى أو في فرنسا”. ولهذا يشاهد الحجاب الإسلامي للمرأة في شوارع برلين، وفي المداس والجامعات وأماكن العمل وفي مباني الدولة الرسمية. كنائس “إسلامية” الزعيتري إذ يسرد مظاهر هذا التسامح الديني المنطلق من حق دستوري يكفل “حرية التعبير والمعتقد والدين” فإنّه لا ينسى حيرته أمام السؤال الذي وجّه إليه من أحد البروفسورات في الجامعة: “لماذا لا تبنون كنائس عندكم في البلدان الإسلامية أو في اليمن مثلاً؟ لماذا لا نجد كنائس للأقليات، ولماذا تمنع كل الدول الإسلامية بناء كنائس جديدة، بما في ذلك مصر التي يوجد فيها أكثر من عشرة ملايين مسيحي؟ فيما نحن هنا ندعم بناء المساجد في كل أنحاء ألمانيا، ونحول بعض الكنائس إلى مساجد؟”. في المقابل تحدّث المؤلف عن التعصب المذهبي بين المسلمين وعدم قبولهم للآخر، وانتقل إلى علاقات أبناء الجالية العربية، واختلافاتهم وتعصبهم السياسي والمذهبي، وكيف عمل مع الجالية الإسلامية على تقديم صورة متسامحة للإسلام، باعتباره “ليس ضد الأديان، ويقبل الأديان الأخرى ويؤمن بكافة الرسل، ولكنه ضد الاضطهاد وكل ما هو سيئ ولا إنساني”. مع هذا فحال المسلمين هناك لا يسر، ولا يساعد على تحسين صورة الإسلام، فإذا كان “80 في المائة من السجناء في السجون الهولندية، بسبب المخدرات، هم من العرب”، فإن “هذه النسبة تنقص بقليل في السجون الألمانية، فالمسجونون في قضايا السرقة والمخدرات معظمهم من المسلمين”. ويقوم المسلمون من الأتراك والأفغان والعرب “بالترويج للمخدرات تحت تأثير الفتاوى الدينية، بحجة أن الألمان كفّار وأنه يجوز إلحاق الضرر بالكافر”. حسب الكاتب، فإن ألمانيا حافظت على دينه أكثر من صنعاء، فقد رأى المآذن العالية في المساجد التركية في برلين، وشعر كأنّه في اسطنبول. وهناك المتاحف التي تهتم بالتراث الإسلامي، وكذلك نظام التعليم الرسمي في برلين الذي خصص مادة “التوعية الإسلامية” للطلاب المسلمين. أمّا في صنعاء فقد رأى فيها بعد عودته ما لم يره في برلين، فوجد الشباب يقلّدون بعض السلوكيات التي قد تجاوزتها أوروبا منذ حين، وسرد أسماء بعض البارات والديسكوهات في صنعاء بأنواعها: الروسي، البريطاني، اللبناني وغيرها. وتقليعات “بوي فرند” و”جيرل فرند” وزوج مسيار وعرفي وسياحي ومثليين. والمؤلف إذ يشير إلى شلل الحب والأنس بأنواعها، فإنّه ينطلق، كما يبدو، من رؤية محافظة، لا تتفهم أسباب التمظهرات الشاذة لدى هؤلاء الشباب، والتي، غالباً، تعاش في إطار من الكبت والمنع والحصار، ولا تتمتع بحرّية بدون إطار، كتلك الحرية التي وصفها المؤلف في برلين، مع اختلاف المسار والوجهة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©