السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هاملت يأكل الفول

هاملت يأكل الفول
24 ديسمبر 2009 00:36
التجريب في مصر له طبيعة خاصة فهي الدولة المضيفة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي أنهى عامه الواحد والعشرين ليبلغ سن الرشد. كما أن التجريب يحتل جزءا مهما من الفكر المسرحي المصري منذ عاد من الخارج مخرج شاب وقتها اسمه سعد أردش وهو نفسه المخرج الكبير الراحل مؤسس مسرح الجيب الذي تحول الى مسرح الطليعة وقام بدور التجريب وكسر المألوف والبحث المستمر وهو ما سمي التجريب بعد ذلك. استعدت مصر في تلك الدورة بما يقرب من 20 عرضا مسرحيا كلها تنافست على تذكرتين لتمثيل مصر في المسابقة الرسمية “الجبل” و”اللعب مع السادة” و”يوليوس قيصر” من إنتاج مسرح الشباب و”حي بني يقظان” انتاج مسرح الطليعة “و”سكتم بكتم” و”ماكبث” و”أطياف المولوية” و”سيد العالم” انتاج مسرح الغد للعروض التراثية و”العانس” إنتاج مسرح الشباب و”قصة الفراشة العذراء” من إنتاج دار الأوبرا و”نصف ساعة هاملت” و”أنا هاملت” انتاج صندوق التنمية الثقافية و”الطريقة المضمونة للتخلص من البقع” و”لوركا القرد كثيف الشعر” إنتاج هيئة قصور الثقافة و”وهم الحب” و”في المحرقة” إنتاج مركز الهناجر. واختارت لجنة المشاهدة عرضي “أطياف المولوية” و”أنا هاملت” لتمثيل مصر في المسابقة الرسمية. حلم هاملت وأكدت اللجنة التي ضمت مسرحيين ونقادا كبارا في حيثيات اختيارها أنها اختارت العرضين الأوفر حظا في الفوز بجوائز في المهرجان. وفي عرض “أنا هاملت” قدم المخرج هاني عفيفي رائعة شكسبير برؤية جديدة جمعت بين الكوميديا والتراجيديا من خلال طرح فكرة ماذا لو عاش هاملت في زمننا مثل ملايين المصريين؟ وكيف يتحول أمير الدنمارك الى مواطن يأكل الفول المدمس ويركب مترو الأنفاق؟ بهذا التصور بدأ عرض “أنا هاملت” الذي فاز بطله محمد فهيم بجائزة أحسن ممثل في المهرجان. بدأ العرض بالشاب المصري المعاصر الذي يواجه إحباطات فهو يشاهد هزيمة فريقه “الزمالك “في مباراة مصيرية كما يتابع أخبار الانكسارات العربية والإحباطات السياسية وينام محبطا ويصحو كذلك. وفي خلفية المسرح يظهر على شاشة عرض يتجول في الحي الشعبي الذي يسكنه ويأكل على عربة فول ويشتري رواية هاملت من بائع كتب على سور الأزبكية وتجذبه المسرحية فيبدأ قراءتها في المترو ليجد نفسه داخلها متحولا الى أمير الدنمارك المعذب وتستمر الأحداث مزجا بين مواقف النص الكلاسيكي ومواقف وإشارات عصرية مما يفجر الكوميديا الى أن تنتهي الأحداث بمقتل هاملت في المبارزة ليصحو الشاب من نومه ويكتشف الجميع ان المسألة لم تكن أكثر من حلم. الناقدة د. نهاد صليحة من أكثر المتابعين للحركة المسرحية في مصر بما فيها من تجريب وتقول: “أنا هاملت” يطرح مقولة جديدة واستغل المخرج نصا كلاسيكيا لبث رسائل معاصرة حيث تم تأكيد أن ما عاناه هاملت من ظلم وقسوة لا يزال موجودا وان اختلفت أسباب وأشكال الظلم من خلال شاب مصري فقير يندمج في أحداث المسرحية ويتخيل شخوصها ممن يحيطون به. وقدم المخرج هاني عفيفي رؤية ساخرة عن قضايا محلية وعالمية مثل العولمة وديكتاتورية جورج بوش الابن. وقال المخرج هاني عفيفي عن تجربته: وجدت تشابها كبيرا بين الشباب وهاملت فهم تائهون مضطربون ويخضعون لضغوط وحقوقهم ضائعة ويترددون في المطالبة بها تماماً مثل بطل شكسبير. حاول المخرج هاني عفيفي تحقيق معادلة بين أمير الدنمارك وشخصية الشاب المصري الذي يعيش في حواري القاهرة ويأكل الفول ويركب المترو والميكروباص وأخيراً “التوك توك” وبينما هو وسط زحام عربة المترو يقرأ رواية هاملت فيدخل أحداثها لتمتزج الفصحى مع العامية بطريقة سلسة لا تخلو من كوميديا كما وضع المخرج معادلا عصريا لأهم مشاهد النص الكلاسيكي لنجد كرسي العرش بجوار كرسي المترو وقلعة الملك ولافتة محطة مترو أم المصريين وتحول ديكور أحد المقاهي الشهيرة في القاهرة إلى ساحة للمبارزة كما تحول مشهد ظهور الشبح الى مشهد كوميدي جمع الشبح بفرقة راب شبابية. أطياف المولوية وعلى طريقة تحضير الجمهور وتجهيزه نفسياً وذهنياً للمشاهدة بدأ عرض “أطياف المولوية” في الفناء الخلفي لقبة الغوري حيث يدخل الجمهور أو مشروع المريدين الجدد للطريقة الصوفية “المولوية” وحرص المخرج على أن يقفوا لفترة يتابعون حملة المشاعل والفوانيس والكاهنة السمراء في رداء برتقالي والرجل “أحمد فؤاد سليم” والفتى “محمد سميح” والفتاة “هدير الحامي” الكل منهمك في طقوس السبوع المصرية القديمة وأوعية سبعة تحمل أصنافا سبعة من الحبوب والخبز. ويجلس الجميع على بساط ناصع البياض ثم يصعدون الى حضرة المولوي الأكبر أو تكية المولوي. ويدخل الجمهور الى ساحة قبة الغوري والانحناء شرط لدخول هذا المكان فالباب منخفض بطريقة تستلزم من المشاهد أن ينحني في إشارة الى حالة التواضع التي يجب أن يتحلى بها المريد ليتجرد من أنانيته ان كان يريد الوصول للحقيقة. واستحضر عرض “أطياف المولوية” الذي أنتجته فرقة الغد للعروض التراثية حالة صوفية إسلامية تقوم على مجموعة من الأفكار الصوفية الأساسية مثل حب الذات الإلهية وحب الآخر وذوبان النفس في النور الالهي. والحركة في الكون دائرية وهي نفسها حركة المريد الذي يؤمن بأن المولي ثابت وأن الدائر حوله هي الذات البشرية.. اختار المخرج طريقة المولوية التي ترجع الى جلال الدين الرومي مستغلاً أهم ملامحهم التسامح مع أهل الملل وتأكيدهم ضرورة تقبل الآخرين ووسيلتهم الشهيرة هي الإنشاد والرقص الدائري على موسيقى الناي والدفوف. وعاد المخرج الى المصادر الأصلية في فلسفة المولوية التي أرجع أصلها الى مصر القديمة بعد أن تعمق في قراءة الفكر الديني المصري القديم كما استخدم أشعار النفري وابن عربي. سميرة عبدالعزيز بطلة العرض أو سيدة العالم الآخر في المسرحية تقول: أعيش حالة ممتعة مع هذا العرض وكنت سعيدة بتمثيلي مصر في المهرجان التجريبي. وعن الحدود الضيقة التي تحركت فيها طوال العرض بما يمثل صعوبة على الممثل تقول: اقتصر أدائي على تعبيرات الوجه والصوت فتصميم العرض اعتمد على أن أبقى جالسة في مكان عال طوال مدة العرض وكان مجهداً أن أعتمد طوال الوقت على أدائي الصوتي وتعبيرات الوجه فقط فالحركة مهمة للممثل لدرجة أن هناك عروضاً حركية فقط ولا تقدم أي حوار حيث هناك عبارة راقية تأتي على لسان الشخصية مثل “أصلي في باحة مفتوحة للسماء مستقبلاً الشرق في الفجر والغرب في الغسق حتى ينفتح الكون أمامي ويستقبل الكون كله أصوات تسابيحي”. كما أقول “انفتحي أيتها الأرض العظيمة وامسكي همسات أوراقك ايتها الأشجار فأنا أهم بالترنم بمدائح الواحد الكل”. مخرج العرض انتصار عبدالفتاح الذي مثل مصر أكثر من سبع مرات في المهرجان منذ بدايته يقول عن “أطياف المولوية”: بدأت فكرة العرض منذ عام 2006 عندما قدمت الجزء الأول من الخروج الى النهار الذي يضم ثلاثة أجزاء وهذا هو الجزء الثاني. واعتمدت على قراءة مؤلفات مثل متون هرمس وكتاب الموتى وأعمال جبران خليل جبران، كما استعنت بفرق الترانيم القبطية والترانيم الكنائسية وفرقة سماع للإنشاد الصوفي وفرقة إندونيسيا للإنشاد. ومشروعي أشبه برحلة أسطورية أو قداس صوفي حيث نمزج الأسطورة بالواقع وتتناغم الرموز بعناصر الحياة اليومية بما يؤكد تفرد الشخصية المصرية. وعن اختياره لأماكن أثرية لتقديم العرض يقول: اخترت معمار قبة الغوري لأني وجدت فيه استكمالاً للحلم السينوغرافي الكوني كما أعتبر السينوغرافيا “تشكيل الفراغ المسرحي” أحد المداخل المهمة لعروضي وعدلت النص ليناسب المكان وكنت قد اخترت قصر الأمير طاز لتقديم الجزء الأول من مشروعي “الخروج الى النهار” كما وظفت بعض الرموز الفرعونية مثل ريشة ماعت التي ترمز الى مفهوم القانون والحق والعدل وعين حورس التي تعني كل قيمة إيجابية وتدل على التجدد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©