الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولاند... وانتهاء الجمهورية الفرنسية الخامسة

14 يناير 2014 22:49
روبرت زاريتسكي أستاذ التاريخ في جامعة «هيوستن» تأسست الجمهورية الخامسة في فرنسا وفق رؤية شارل ديجول قبل 55 عاماً، ومع انزلاق الجزائر في حرب أهلية، وشعور باريس بالقلق من حدوث انقلاب عسكري في الداخل، طلب آخر رئيس للجمهورية الرابعة الضعيفة، رينيه كوتي، من الجنرال ديجول أن يتولى مقاليد السلطة مكانه. وعندما تم إخبار ديجول، الذي قاد حكومة انتقالية في فرنسا خلال الفترة من 1944 إلى 1946، بشأن مخاوف شعبية من أن يمنح نفسه صلاحيات ديكتاتورية، أجاب في تصريح مقتضب: «إن عمر الـ 67 لا يسمح لي أن أصبح ديكتاتوراً». ولطالما ازدرى ديجول الأحزاب السياسية، ملقياً باللوم عليها فيما آلت إليه فرنسا في عام 1940، والشلل السياسي الذي ورط الدولة في أزمة الجزائر. وفي قلب الدستور الجديد الذي فرضه في عام 1958، كانت تنبض صلاحيات رئيس قوي تكمن مهمته ببساطة في السيطرة على مقاليد الأمور، وأما بالنسبة لأمور الحكم الاعتيادية، فكانت من مهام رئيس الوزراء ووزرائه، الذين كانوا مسؤولين أمام الرئيس وحده. ورحبت فرنسا ترحيباً كبيراً بذلك التغيير الجذري: «انتهاء الجمهورية، وقيام أخرى»، فهل سيتكرر ذلك من جديد إيذاناً بانتهاء الجمهورية الخامسة وقيام السادسة؟ واحتدم الجدال في فرنسا بشأن الرغبة في مثل هذا التحول، إذ دعا زعيم الجبهة اليسارية الشعبية “جون لوك ميلونشون” إلى إقامة جمهورية جديدة، وهو ما فعله “فرانسوا بايرو” من حزب “الوسط”، ومرشحة حزب “الخضر” السابقة “إيفا جولي”. وعلى رغم اختلافهم بشأن التفاصيل، فإنهم جميعاً يتقاسمون هدفاً مشتركاً، كان سيراه ديجول خطاً أحمر، وهو نظام تشريعي قوي حيث يتمكن البرلمان، وليس الرئيس من اتخاذ القرارات المهمة. وقبل فترة ليست بالطويلة، زعم أيضاً سياسي آخر هو “أرنود مونتبورج” أن الجمهورية الخامسة قد انتهت فترة صلاحيتها، لكن على رغم ذلك، يعمل الآن “مونتبورج” وزيراً في حكومة “أولاند”، الذي يعتبر بالنسبة لكثيرين أفضل حجة لقيام جمهورية سادسة. ومنذ أن تم انتخابه في منتصف عام 2012، تكشفت عيوب أولاند بصورة متكررة كسياسي ورجل دولة، لكن هل كشف أيضاً انتهاء صلاحية الجمهورية نفسها؟ ولم يكن هذا التحول في الأحداث ليثير دهشة ديجول، ولا سيما أنه كان يعتقد أن الفرنسيين لا يستحقون فرنسا، ولهذا السبب أصر على أهمية «المؤسسات العظيمة» التي انتشلت مواطنيه من أهدافهم التافهة ودفعت بفرنسا إلى الساحة العالمية. ومثلما كشف في مذكراته «لا تكون فرنسا حقاً فرنسا ما لم تكن في الصف الأول، ولا يمكن أن تكون كذلك من دون أن تكون عظمية، فهي مكرسة لمصير استثنائي وغاية سامية». ومن أجل هذه الغاية، صمم ديجول الجمهورية الخامسة كي تكون وسيلة لسياسة العظمة، تلك التي تتميز بالتزامها غير المحدود تجاه الاستقلال، وإنشاء قوة نووية قوية والانسحاب من القيادة العسكرية الموحدة لحلف شمال الأطلسي «الناتو» والتدخلات العسكرية المتكررة في المستعمرات الأفريقية السابقة التي عكست جميعها انشغال ديجول بإعادة بناء تلك العظمة والحفاظ عليها. غير أن وسيلة ديجول لم تكن ملائمة إلا له، فالرئيس الذي تم انتخابه لفترة سبعة أعوام كان غير مسؤول ـ بكل ما تحمل الكلمة من معنى ـ فهو لم يكن مسؤولاً أمام حكومته وكذا أمام البرلمان، لكنه بدلاً من ذلك تعامل مع الشعب مباشرة، وتعزز هذا الوضع الاستثنائي في عام 1962 عندما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة. وأقنع ديجول الشعب الفرنسي بالاستفتاء المباشر على الرئيس، والذي ألغى السيطرة التقليدية للبرلمان على السلطات الرئاسية. وفي أوقات الأزمات الشديدة كما في عام 1958، كانت لممارسة الصلاحيات الفردية جاذبيتها، ولكن بعيداً عن تلك الأوقات، مثلما تكشف فترة حكم أولاند، لم تكن جاذبية تلك الصلاحيات كبيرة. وبالنظر إلى أن أولاند لم يخضع لمساءلة البرلمان، فهو من يدفع الثمن عندما تصطدم الدولة بأزمات، ولم يكن الرئيس الحالي بعيداً عن المشكلات، إذ تكررت إخفاقاته في إدارة أحداث سياسية. وربما يكون أولاند قادراً - بفضل منصبه - على دفع أي قانون يرغبه، لكن لا يزال من الممكن إعاقة الرئيس الفرنسي بالتحدي الشعبي والوقائع العالمية التي لا يمكنه السيطرة عليها. وفي سلسلة من القضايا المحلية، بداية من الثورة الإقليمية في مدينة «بريتني» ضد الضريبة المقترحة على الشاحنات الثقيلة إلى إقناع ألمانيا بتخفيف سياساتها النقدية المتشددة، حنث أولاند في كثير من وعوده. وتراجعت شعبية أولاند في استطلاعات الرأي في فرنسا إلى أدنى مستوياتها، إذ أعرب 22 في المئة فقط من المستطلعة آراؤهم عن رضاهم عن أدائه. وفي الماضي، كان الزعماء الفرنسيون الذين يجدون تأييدهم الشعبي يتراجع يلجؤون إلى حل المغامرات الخارجية، ويبدو أن أولاند أحيا هذه الخطة العتيقة. ومنذ أن تقلد أولاند السلطة أمر مرتين بإرسال قوات فرنسية إلى أفريقيا، لكن هذين التدخلين العسكريين في مالي وأفريقيا الوسطى لم يكونا اختياريين، وإنما كانا حتميين على فرنسا، ذلك أن تهديد المتطرفين للحكومة الضعيفة في باماكو ومخاطر الإبادة الجماعية في بانغي تطلبا رداً فورياً. وتعين على فرنسا الرد في مستعمرتيها السابقتين، لكن على رغم ذلك، لم يترجم أي من التدخلين إلى تأييد شعبي لأولاند في الداخل. وحالت عملية «سرفال» في مالي دون سقوطه في استطلاعات الرأي لفترة قصيرة فقط، لكن الرأي العام كان منقسماً بشدة منذ البداية بشأن الحكمة من عملية «سانجاريس» في جمهورية أفريقيا الوسطى. وتعمق التشكك الشعبي في بداية العام السابق عندما دعا “أولاند” بقوة إلى التدخل العسكري في سوريا، وتحول الأمر إلى سخرية عندما اكتشف الرئيس الفرنسي أنه تصدر الموقف بينما كان الأميركيون والبريطانيون منشغلين بالتراجع. وبدلاً من تشتيت انتباه الفرنسيين بشأن إخفاقاته السياسية في الداخل، عززت مغامرات أولاند الخارجية بالفعل من الجدل المحتدم بشأن ما إذا كان قد آن أوان إجراء إصلاحات مؤسساتية كبيرة، وقيام الجمهورية السادسة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©