الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ديفيد هير يستنطق بوش

ديفيد هير يستنطق بوش
7 يوليو 2010 20:36
انتقلت الحرب على العراق من مجال الكتابات والدراسات السياسية إلى عالم الإبداع الأدبي والفني، ففي القاهرة صدرت مسرحية “أشياء تحدث” للكاتب المسرحي الإنجليزي ديفيد هير وكانت قد صدرت في لندن عام 2004 ومثلت على المسرح القومي هناك، فور صدورها ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة لتعرض في لوس انجلوس وقرئت في ورش عمل مسرحية بنيويورك وأثارت الكثير من ردود الافعال. أبطال المسرحية هم أبطال الواقعة الحقيقية ونجد فيها الرئيس الأميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني، وكبار معاونيه مثل دونالد رامسفيلد وكولن باول وكوندوليزا رايس ويظهر فيها كذلك بالاسم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وآخرون. عنوان المسرحية مأخوذ حرفيا من تصريح أصدره وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد وقت الحرب، ففي مؤتمر صحفي عقب احتلال العراق، سئل رامسفيلد عن تفسيره لعمليات السلب والنهب التي وقعت في بغداد، رغم وجود القوات الأميركية فقال رامسفيلد: “هذه أشياء تحدث”. وفي تقديم للمسرحية قال الكاتب البريطاني إنها مسرحية تاريخية تدور حول لحظة قريبة من التاريخ الجاري الآن، والمتصل بهذه اللحظة، وأحداثها مأخوذة من مصادر متعددة خاصة وعامة وما حدث قد حدث. الكاتب رجع إلى صحف تلك الفترة والمواد المتاحة عنها، والتقى بعشرات الشخصيات من صناع الأحداث أو القريبين منهم ولذا فإن الشخوص الحقيقية تتحدث بلسانها في المسرحية، مثل الرئيس جورج بوش، وتنقل المسرحية ما يجري داخل بعض الاجتماعات في البيت الأبيض. ولا يعني هذا ان الرجل ينقل نصوص محاضر الاجتماعات واللقاءات التي يجريها الرئيس ولو فعل ذلك ما اعتبرت مسرحية ولا عملا فنيا، وكما قال هير نفسه ان الشخصيات والأحداث والوقائع هي التي كانت تقوده طوال المسرحية وتحركه لكن طبقا لرؤيته وفهمه وموقفه هو، ففي المسرحية يقول رامسفيلد: “الشعوب الحرة حرة في ارتكاب جرائم، وحرة في أن تفعل أشياء سيئة، وهذا ما يجري هنا في العراق”. وكان رامسفيلد يقول ذلك في معرض أعمال السلب والنهب، خاصة نهب المتحف العراقي الكبير. وفي المسرحية تختلط أحداث العراق، بما يجري في المنطقة كلها، وخاصة القضية الفلسطينية وإسرائيل، ويقول بوش عن شارون رئيس وزراء إسرائيل وقتها “سياستنا مع شارون هي أن سمعته في الماضي لا تعنينا”. ورغم هذا فإن المسرحية مليئة بالخيال، ويمكن القول إنها خيال كامل، ويبدو ذلك في بعض الشخصيات التي وضعها بالمسرحية مثل شخصية سيدة فلسطينية تتحدث عن قضيتها وقضية شعبها وموقفهم مما يجري وتقول “هذا رئيس أميركي كل معلوماته عن فلسطين كونها من جولة بطائرة هليكوبتر بصحبة شارون في زيارة له إلى إسرائيل قبل أن يكون رئيسا. ومن قمرة في الطائرة اطلع على معاناة اللاجئين”. وقرارات الأمم المتحدة التي استخدمت قاعدة ذهبية لحرب مشروعة على العراق، هي نفسها القرارات التي تجاهلوها حين تتصادم مع توسع إسرائيل في الأراضي المحتلة، “العدالة والحرية” هي القضية المزعومة للغرب، لكنها لا تطبق على شعب طرد من ارضه ويحرمون عليه أي حق للعودة. الإرهاب مدان لكن القتل بتكليف من الدولة أمامه ضوء أخضر. وتظهر في المسرحيات شخصيات بريطانية، صحفي وقاض وسيدة من حزب العمال، هم جميعا يدينون رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير ويرون أنه سياسي محبوب وناجح في بلده، لكن تبعيته الشديدة للرئيس الاميركي هبطت به وبمستواه السياسي، وأخذت معه بريطانيا نفسها، يقول الصحفي البريطاني “عندما تسأل الرئيس في اليوم الأول للحرب التي قتل فيها نحو ثلاثين ألف شخص عن موقفه يجيبك: “أشعر بالارتياح”. ويقول أيضا “نعم قصفوا الشعب بالخطأ” ويقول كذلك “ان أميركا ذهبت لتحارب في العراق” المكان الوحيد في المنطقة، المعترف بعدم وجود صلات له بالإرهاب”. المشهد الأخير في المسرحية، يتركه المؤلف البريطاني ديفيد هير، لمواطن عراقي، منفي من العراق، وعارض صدام حسين بقوة، كان من الذين عملوا على إسقاطه وإسقاط نظامه، ثم حدث ما حدث، ويتركه المؤلف يتحدث وحده، مع نفسه، وللجمهور، وكأننا بإزاء مونولوج ذاتي عميق، يلخص رؤية المؤلف لكل ما جرى. ويقول العراقي المنفي: “غادرت بلدي منذ سبعة وعشرين عاما. تمنيت سقوط الديكتاتور وفي المنفى، عملت في سبيل هذا الهدف، وسمعنا دونالد رامسفيلد يقول أشياء تحدث ورنت في أذني كأكثر كلمة عنصرية سمعتها في حياتي، خلقوا في بلدي فراغا. خلقوه عمدا ولا أعرف هل جاءوا لإنقاذنا، ولكنهم كانوا بلا خطط”. ويقول ايضا، هذا العراقي المنفي، هكذا أطلق عليه المؤلف، ولم يعطه اسما محددا وتركه بصفته هذه ليكون حالة رمزية “الآن القتلى الاميركيون يزيد عددهم والأكفان تلف في أعلامهم. كم عراقيا قتلوا؟ كم من المدنيين؟ لم يعطونا رقما. قتلانا بلا عدد. عارضنا صدام حسين. أكثرنا عارض، لأنه آذى شعبنا. وأيا كان من يؤذي العراقيين الأبرياء، فأنا أحمل نحوه الشعور نفسه، وأعارض وسوف أعارض”. وفي ختام هذا المونولوج يقول العراقي: “العراقيون قالوا لي: قل لاميركا ما الذي فعلته بنا. فقلت لهم: انتم تضعون ثقتكم بالجانب الخطأ لا تتوقعوا من اميركا أو غيرها ان يفعلوا شيئا لكم نيابة عنكم. إذا لم تفعلوا ما تريدون بأنفسكم فلابد ان يجري ما جرى لكم”. وجدت المسرحية ترحيبا في لندن حين صدرت حتى ان صحيفة “الاوبزيرفر” البريطانية قالت انها من أكثر الأعمال البريطانية جرأة وتماسكا. وقال هير نفسه ان مسرحيته عن القوة والسلطة، قوة الرئيس بوش وسلطته، وانه بهذه القوة حصل على كل شيء. لكن الأمر بالنسبة للنقاد كان مختلفا، فقد اعتبروها مسرحية وثائقية وتسجيلية، ويساعد على قولهم هذا ان أبطال المسرحية شخصيات حية، وانه وضع على لسانهم كلمات قالوها بالفعل في مؤتمرات صحفية، لكن هذا العمل يحتاج الى قياس كبير وموهبة بارعة، ان يوظف الكاتب أحداث الواقع ليجعله منطقا بوجهة نظره، وهو معاداة الحرب ورفض ما جرى في العراق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©