الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صوت السيرة وصداها

صوت السيرة وصداها
7 يوليو 2010 20:37
كتاب “الصوت والصدى” للدكتور كاظم الموسوي الصادر حديثاً عن الدار العربية للعلوم “ناشرون”، هو مجموعة للمفكر عبد الحسين شعبان في حواراته التي أجراها منذ أكثر من ربع قرن، بأسلوبه الذي يحرج الكثيرين الذين ظلّوا يخفون أو يبررون أو يكابرون عندما يتعلق الأمر بهم وبتجربتهم. لقد أعد معه الكاتب قراءة بعض المطارحات والمحطات والاختبارات، عبّر عنها بطريقة سردية أحياناً وجوهرية فكرية في أحيان أخرى، يعد أخطاءه بكل بساطة بل ويسخر منها في بعض الأحيان كما وصفه المؤلف دون أن يعني ذلك أنه لا يتألم، فألمه جزء من النقد إزاء الآخر وإزاء نفسه. يعرض المؤلف انخراط شعبان المبكر في عالم السياسة، الذي جعله يطّلع على أسرار وخفايا كثيرة، فلقد كان يحاول باستمرار ويجرب ويبادر ليفصل الخيط الأبيض عن الأسود. لقد أصبح شعبان وجهاً معروفاً، قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره، مفاوضاً في أكثر من ميدان طلابي. لوحق وهرب على الأقدام، واستخدم وثائق، وهويات شتى للوصول الى براغ، الزيارة الثالثة وكان قد وصلها قبل ذلك التاريخ كمحطة أولى انطلق منها الى مدينة كركوف بولونيا وعاد إليها ثم الى بيروت فبغداد، قبل أن يضطر الى مغادرة العراق باتجاه المنفى. فمن بعد مراجعة وتأمل ونقد، اعتبر انه قد تأخر لعدد من السنوات للخروج من الحزب الشيوعي، اعترافاً منه بأن بقاءه صار عسيراً، بل أصبح محرجاً له أمام نفسه، لأنه سيضطر الى أن يتحدث بلسانين، الأمر الذي سيكون قاسياً، لشخصية مفتوحة وصاحب رأي مثله. الإنسان أولاً يرى شعبان أن الإنسان هو الهدف والغاية لكل فلسفة والمقياس لكل شيء وفي ربع القرن الماضي، لعله كان الأبرز في ميدان حقوق الإنسان على المستوى العربي، وخاصة في نشر الثقافة الحقوقية العربية، إذ رفد المكتبة العربية بعشرات المؤلفات، واستحق لذلك لقب وجائزة ابرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي، ولقد عثر عبد الحسين شعبان على لغة كان يبحث عنها حتى وجدها في التسامح وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني، حين ظل كما يقول ينتظرها كما تنتظر الأرض اليابسة هطول المطر. عبد الحسين شعبان لم يكن ميالاً لمقاربة السياسة من موقع العمل اليومي، المسلكي، التنظيمي، إلا انه استمر في ممارستها ولكن بوسيلة الفكر، ومتمسكاً بدوره الثقافي في العمل السياسي، سواء كان زعيماً طلابياً في بغداد أو في دولة اشتراكية، او مسؤولاً عن المنظمة الحزبية للإعلام المركزي، يوم كان في حركة الأنصار أو عضو لجنة العمل الإيديولوجي، او مسؤولاً في لجنة العلاقات، او العمل المهني، ولجان الاختصاص المختلفة التي شارك فيها أو أشرف عليها، فإن خط الأخلاق كان يسير بموازاة منهجه الفكري، وظل يؤكد على ضرورة ملازمة الأخلاقي للسياسي والثقافي، حتى وان أخطأ او قصّر. يروي الموسوي كيف لم يتقاعس شعبان أو ينكسر أو يتبدد، كما حصل لكثيرين، ورغم أنه ابن حياة مرفّهة، لكنه اختار طريقاً وعرة ما زال نحو خمسين عاماًَ يحرث في أرضها وينثر بذوره فيها وينتقل من حقل الى حقل، يراقب نموها وازدهارها، مثلما يراقب تبعثرها وذبولها، دون أن يفوته التحذير من الرياح العاتية التي تهبّ عليها. لقد طرح عليه سؤال هل المقابلات تعوّض عن كتابة سيرة؟ كان رده بالطبع لا، ذلك ان كتابة السيرة هي استعادة لأحداث مضت أو تدوين لوقائع حدثت أو مراجعة لتجربة مرت، وقد تصاحبها وقفة تأمل ونقد وقراءة جديدة لما حصل استناداً الى دروس وعبر أفرزتها الحياة، ولا شك أن السيرة الفكرية والثقافية تختلف عن اليوميات أو الذكريات لأنها تحتوي على عنصر حيوي قادر على تركيب الأشياء والوقائع والذكريات والمواقف والأفكار في سياقها المتراتب. يعود ويقول إنه يتذكر انه كتب مقالة عن مذكرات خالد علي صالح على طريق النوايا الطيبة والذي شعر فيها بأن كل حرف قاله في المقابلات التي يجمعها الآن في كتاب هو تعبير دقيق عما كان يفكر به آنذاك، وإن كان ظرفياً أو خاضعاً لسياقه التاريخي، يختم هذا السؤال بقوله إن المقابلات هي مجموعة مواضيع كانت لديه آراء وأفكار وتصورات بشأنها وفي وقتها. ففي حوار مع وليد الزبيدي نشر في “الجزيرة نت” عن رأيه في الاتفاقية الأميركية العراقية، واصفاً إياها بأنها بين طرفين غير متكافئين، احدهما قوي ويستطيع ان يفرض شروطه، والآخر ضعيف ومضطر للإذعان، وبالتالي فإن المخاطر التي ستترتب على مثل هذه الاتفاقية ستكون كبيرة لا تتعلق بحاضر العراق فقط وانما بمستقبله أيضاً. السياسة والقانون ويعتبر العراق بلداً محتلاً حسب قواعد القانون الدولي المعاصر، واستناداً الى ذلك فإن مركزه القانوني غير متكافئ لا سيما مع قوة عظمى. يعود ويقول إن اية معاهدة مثلما هي الاتفاقية المقترحة بين بغداد وواشنطن ستخل بمبادئ السيادة لا سيما للطرف الضعيف، باستثناء إذا قرر المحتل الانسحاب وعليه لا بد من اتفاقية تنظم جدولة انسحابه وتضمن تنفيذ الاتفاقية بما يستجيب لإرادة الاستقلال والتحرير. أما الجانب العراقي بحسب رأيه فهو مفكك ولا يوجد رأي موحد أو جامع حتى الآن ورغم أن الجدل يطول ويحتدم والمواقف تتقارب وتتباعد، لكن الجوهري في الأمر أن هناك ثلاثة اتجاهات اساسية تحكم الموقف العراقي وهي متعارضة وغير موحدة. يعرض الأول وهو الموقف الرافض ويضم الكتلة الصدرية وهيئة علماء المسلمين والمؤتمر التأسيسي وقوى وشخصيات مختلفة من اليسار والقوميين والإسلاميين وصولاً الى قوى المقاومة المسلحة، ورغم أن هذه القوى مؤثرة ومؤهلة للضغط، لكنها لا تملك قرار التوقيع أو عدم التوقيع على الاتفاقية. أما الموقف الثاني يعتبره من القوى الممانعة مبدئياً أو تكتيكياً، وهذه تتمثل بكتلة الائتلاف وجبهة التوافق بالدرجة الأساسية، وهي محكومة بضغوط داخلية وخارجية، ومعها قوى أخرى تتذبذب بين الرفض والممانعة، لأسباب شعبية أو إقليمية أو تأثيرات دولية. يرى في الموقف الثالث والذي يتمثل بموقف القيادات الكردية أساساً، ومع قوى لا تعبًر صراحة عن تأييدها الواضح، مثلما تفعل الحركة الكردية، وتحاول أن تظهر شيئاً من الممانعة، لكنها في الوقت نفسه تدعو للموافقة والتوقيع تحت باب الواقعية السياسية، وهذه القوى تتمثل بكتلة أياد علاوي وغيرها. ويرى تبعات الاتفاقية على مستقبل العراق خطيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فهي إضافة الى تكبيل العراق بقيود سياسية وعسكرية وبناء قواعد على ارضه وتهديد الجيران، فإنها ستكون عنصر إكراه في السياسة الداخلية، لا سيما المتعلقة بالنفط والغاز، وقد حاول الرئيس بوش الضغط على البرلمان العراقي لإمرار هذا القانون، إضافة الى التأثير على الأطراف والقوى السياسية، بإضعاف الوحدة الوطنية. وختاماً رد على سؤال ما تأثير الاتفاقية على قوى ما تسمى بالممانعة للمشروع الأميركي في المنطقة؟ يشرح عن توقيع الاتفاقية كيف سيؤثر سلباً على القوى الممانعة والمحتجة على المشروع الأميركي، لا في العراق بل في منطقة الشرق الأوسط ككل، وذلك بوجود غطاء قانوني يحمي الجنود الأميركيين في إطار تعاقد دولي، لكن ذلك لا يعني انعدام وسائل المقاومة على التصدي للمشروع الأميركي، لا سيما بالوسائل السياسية والسلمية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©