السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل التمرد حقيقة أميركية؟

هل التمرد حقيقة أميركية؟
7 يوليو 2010 20:37
جاء إصدار كتاب “التمرد: حياة أميركية” Going Rogue: An American Life الذي قامت بتأليفه سارة بالين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويتضمن سيرتها الذاتية ومحطات هامة في حياتها، بمثابة محاولة جادة لإعادة بناء مستقبلها السياسي من خلال الرد على الانتقادات الإعلامية وتوضيح التحديات التي واجهتها خلال ترشحها لمنصب نائب الرئيس إلى جانب المرشح الجمهوري السابق جون ماكين، وتعد جولتها الممتدة لثلاثة أسابيع التي زارت خلالها 14 ولاية وبدأت بظهورها في برنامج “أوبرا” الشهير فرصة لمعاودة الحديث عن حياتها السياسية والإبقاء على الخيارات السياسية مفتوحة أمامها لاسيما بعد استقالتها المفاجئة من منصب حاكمة ولاية ألاسكا وابتعادها عن الأضواء لبضعة أشهر بهدف التفرغ لكتابة مذكراتها بالتعاون مع الصحفي لين فنسنت، التي جذبت إليها الأضواء بتصدرها قائمة الكتب الأكثر مبيعًا منذ إصداره، حيث طبعت دار هاربر كولينز للنشر Harper Collins حوالي 1.5 مليون نسخة وحصلت بالين على حقوق مقدمة قيمتها 1.25 مليون دولار وفق ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية خلال الفترة الماضية. لم تكن سارة بالين قبل عامين سوى حاكمة لولاية آلاسكا وسياسية غير معروفة على المستوى الوطني الأميركي لم يتعد عمرها حوالي 44 عامًا ولا تتعدى خبرتها في المجال السياسي سنوات معدودة، بَيد أن اختيارها من جانب جون ماكين خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية للترشح على بطاقة الحزب الجمهوري قد أسهم في بداية شهرتها ـ واسعة النطاق ـ في الولايات المتحدة، وتمكنت بالين من اجتذاب تأييد التيار اليميني الأميركي بمواقفها الثابتة في معارضة الإجهاض وزواج المثلين وتأييدها للتخفيضات الضريبية وتقليص دور الدولة في تنظيم الاقتصاد الوطني. وقد تعرضت بالين لانتقادات إعلامية متتالية على أثر اكتشاف العديدٍ من الأمور الشخصية في حياتها العائلية التي اجتذبت اهتمام وسائل الإعلام الأميركية خلال حملة ماكين الانتخابية، مثل خضوعها للتحقيق بولايتها بتهمة سوء استغلال نفوذها، في طرد موظف حكومي بالولاية من وظيفته، بعدما رفض فصل زوج شقيقتها السابق، الذي كان يعمل في إدارة الشرطة، إلا أنها نفت قيامها بارتكاب هذا. فضلاً عن تردد معلومات بشأن إيقاف زوجها “تود” قبل عشرين عامًا بعدما تبين أنه يقود السيارة تحت تأثير الكحول، ومعلومات تفيد أنها كانت عضوًا في حزب استقلال ألاسكا، ثم جاء الكشف عن حمل ابنتها بريستول Bristol ذات السبعة عشر ربيعًا بصورة غير شرعية ليقوض مصداقية خطابها حول الالتزام الأسري والقيم المحافظة للمجتمع الأميركي لدرجة أن البعض اعتبر اختيار بالين من جانب جون ماكين كان أحد أهم أسباب خسارته في الانتخابات الرئاسية الأميركية. انتقادات لاذعة حاولت بالين من خلال سيرتها الذاتية، وبحسب عرض للكتاب نشرته مؤسسة “تقرير واشنطن”، الرد على الانتقادات الإعلامية والضغوط الانتخابية التي تعرضت لها خلال انتخابات الرئاسة الأميركية. وتناولت بالين في سيرتها الذاتية، التي تتألف من 400 صفحة جوانب جدلية في حياتها العائلية لاسيما حمل ابنتها المراهقة ورفضها إجهاض طفلها الخامس تريج Trig بالرغم من اكتشاف إصابته بالتثلث الصبغي قبل الولادة مع التركيز على تجربتها السياسية إبان توليتها حاكمة ولاية ألاسكا، وتجربتها العصيبة مع وسائل الإعلام الأميركية. ويتضح من نهج بالين في تناولها لفترة الانتخابات الرئاسية الأميركية في ثنايا مذكراتها أنها لم تكن راضية عن تغطية وسائل الإعلام الأميركية لنشاطها السياسي وحياتها الشخصية وتصويرها خلال فترة الحملة الانتخابية الرئاسية كشخص ينصب اهتمامه الرئيس على الملبس. كما انتقدت بالين الحزب الجمهوري الأميركي بالنظر إلى تكبدها 50.000 دولار كرسوم قانونية عن عملية تفحص اختيار نائب الرئيس، وعدم سماح قادة الحزب لها بإلقاء خطاب تنازل ليلة الانتخابات والتقييد البالغ الذي فرضه عليها فريق العاملين المعاون لماكين في تعاملاتها مع الصحافة، وتعرضها لما تعتبره معاملة قاسية من قبل وسائل الإعلام، مثلما حدث من جانب المذيعة البارزة في قناة “سي. بي. إس”، كيتي كوريك، التي اتهمتها بالين بالافتقار إلى الموضوعية. وأكدت بالين في مذكراتها على أنها لم تكن تتصرف سوى بتعليمات ورقابة مشددة من جانب مستشاري الحملة الانتخابية لجون ماكين وأن رئيس الحملة الانتخابية لجون ماكين كان ممن قاموا بالضغط عليها، وأنه كان يحتد عليها في بعض المواقف خاصة بعدما استطاع ممثل أن يغافلها ويتصل بها على أنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حادثة اشتهرت بعد بث نص المكالمة. كما نوهت بالين إلى قيام المسؤولين في حملة ماكين بإجبارها على تغيير نمطها وارتداء ملابس باهظة الثمن. وكشفت بالين في كتابها عن انقسامات عميقة داخل معسكر المرشح الجمهوري الذي تزعمه السيناتور جون ماكين خلال الحملة الرئاسية وقالت: إنه تعين عليها أن تسدد فاتورة مالية باهظة بشكل شخصي من تكاليف الحملة وأنها خرجت من الانتخابات الرئاسية مثقلة بالديون وفي هذا الصدد. تجدر الإشارة إلى أن عنوان كتاب بالين يلمح بالأساس إلى الخلاف الذي تأجج بينها وبين فريق الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري جون ماكين. حملات نظيفة وفيما يتعلق بالانتقادات الإعلامية التي أعقبت الكشف عن حمل ابنتها البالغة من العمر 17 عامًا، اعترفت حاكمة ألاسكا السابقة، سارة بالين بأنها أصيبت بصدمة بالغة عندما علمت العام الماضي بنبأ حمل ابنتها المراهقة مؤكدةً أن صدمتها آنذاك كانت مزدوجة لأنها لم تكن على علم بعلاقة ابنتها بصديقها، مؤكدة أن هذا الموضوع يظل شأنًا شخصيًا خاصًّا بها وبأسرتها، ولم يكن يحق للإعلام أن يتناوله على ذلك النحو قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية. وأشارت بالين بصورة ضمنية في سيرتها الذاتية إلى رفضها لنمط الدعاية الانتخابية لحملة ماكين التي تستغل أية شائعة أو معلومة حول المرشح المنافس وتروج لها على أنها حقيقة تعزز هجومها الإعلامي، مشيرة إلى أن ضرورة احترام خصوصية المرشحين والابتعاد عن الاعتماد على خفايا حياتهم العائلية للهجوم عليهم، باعتبار ذلك تسييسًا لأمور لا تتعلق بالأداء السياسي للمرشحين بعد توليهم للمناصب العامة. ويتضمن كتاب بالين استعراضًا بانوراميا لحياتها الشخصية والعائلية مستعرضة خبراتها والمؤثرات على نهجها السياسي، وخاصة دعمها للتنقيب عن النفط في مختلف أرجاء الولايات المتحدة ومعارضتها لفرض قيود على الأنشطة الاقتصادية الأميركية لحماية البيئة وهو ما يرتبط بعمل زوجها تود بالينTodd Palin في القطاع النفطي وتوليها لرئاسة لجنة الحفاظ على الغاز والنفط” بولاية ألاسكا، المسؤولة عن إدارة احتياطات ولاية ألاسكا من النفط والغاز، فضلاً عن عضويتها في الجمعية الوطنية الأميركية للبندقية التي تدافع عن القوانين التي تنظم حصول المواطنين الأميركيين على السلاح لتعزيز أمنهم الشخصي وهو ما يبرر رفضها لدعوة عدة جهات أميركية لتقييد حق المواطنين الأميركيين في امتلاك السلاح. لذا يعد كتاب بالين مزيجًا بين انتقاد مسؤولي حملة ماكين الانتخابية واستعراضًا لرؤى بالين السياسية وخبراتها الشخصية والعائلية وهو ما دفع بعض المعلقين لاعتباره حملة إعلامية متكاملة لاستعادة بالين لصورتها الإيجابية لدى المواطن الأميركي عقب اختيارها كنائب للمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية. انتخابات 2012 حظي كتاب بالين بتغطية إعلامية واسعة النطاق في الولايات المتحدة لاسيما مع قيام بالين بحملة ترويجية في الإعلام الأميركي كفلت لها عودة قوية للساحة السياسية الأميركية بعد تأكيد عدد من السياسيين أفول نجمها بعد إعلانها استقالتها من منصبها كحاكمة لولاية ألاسكا الأميركية في صيف العام الجاري، حيث خصصت مجلة نيوزويك غلافها لبالين، بينما أجرت المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري حوارًا مطولاً معها وحصل على اهتمام واسع في الإعلام الأميركي، وعلى الرغم من عدم تأكيدها خوض انتخابات الرئاسة في عام 2012 إلا أن كافة المؤشرات دفعت وسائل الإعلام الأميركية للتنبؤ بقيام بالين بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة وعلى الرغم من الزخم الإعلامي المصاحب لإصدار كتاب بالين إلا أن الأخيرة قد خاطرت بخسارة علاقاتها الوطيدة بمؤيدي ماكين ومستشاري حملته الانتخابية، حيث اعترض ستيف شميدت Steve Shmedit الرئيس السابق لحملة باكين الانتخابية على ما ورد في كتاب بالين مؤكدًا أن بالين لم تدفع أي رسوم مالية في إطار حملة ماكين الانتخابية وأنه لم يعنفها شفاهة على مغافلة الممثل الأميركي لها وإنما أرسل لها رسالة الكترونية، بينما كذب تريفور بوتر Trevor Potter المستشار السابق بحملة ماكين ادعاءات بالين قائلاً: “على حد علمي لم تدفع السيدة بالين أي مصاريف عن الإجراءات القضائية الخاصة بالتدقيق في سجلها القانوني”. وفي هذا الإطار اعتبر عدد من قيادات الحزب الجمهوري في اتهامات بالين تهديدًا لتماسك الحزب قبيل انتخابات الكونجرس والأهم من ذلك قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2012. وعلى الرغم من إقبال الأميركيين على التعرف على خبرات بالين السياسية كما وردت في سيرتها الذاتية إلا أن الإفادة من ذلك الزخم في تعزيز فرص بالين إذا ما قررت الترشح لمنصب عام من جديد تظل غير معروفة في ظل ما أثارته اتهاماتها بالكتاب من جدل على المستوى الداخلي واستياءً داخل أروقة الحزب الجمهوري الأميركي الذي تحتاج بالين لدعم قياداته وأعضائه للقيام بدور سياسي أكبر في المرحلة المقبلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©