الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخ الأزهر: نتصدّى لمحاولات اختراق الحزام السُني.. والتمدد الشيعي لعب بالنار

شيخ الأزهر: نتصدّى لمحاولات اختراق الحزام السُني.. والتمدد الشيعي لعب بالنار
29 ابريل 2013 09:51
عندما أخذت طريقي إلى مشيخة الأزهر الشريف، في تلك البقعة التاريخية أعلى هضبة «الدرّاسة» بقاهرة المعز، سيطر عليّ تساؤل واحد وتَقدَّم على كل ما يدور في ذهني من تساؤلات: «لو جاء مسلمٌ من إفريقيا أو أوروبا أو آسيا أو من أي مكان آخر، ووجد نفسه في حضْرة إمام قبلة الإسلام الفكرية ومنارته، في وقت تختلط فيه القيم والمفاهيم والعقائد، وتتلبَّد سماء أيامه بغيوم كثيرة، وحيث تموج فيها تيّارات فكرية عاصفة، واتجاهات غارقة في الغلو والعنف والتطرف، وسط أحداث سياسية عالمية متلاحقة، وقضايا خلافية اختلطت وتشابكت خيوطها، وتاهت مرجعيتها! .. فعن أيٍ من كل هذا يمكن أن يبدأ أسئلته؟»!. تزاحمت التساؤُلات، وأنا أستحضر قراءة التاريخ العريق لهذا الصرح الإسلامي الكبير الذي حمل رسالة الإسلام السمح والاعتدال والوسطية، وحيث يقف «الطيب»، صاحب الهامة والقامة والعِلم الرفيع، وأحد أبناء الأزهر الأفذاذ المشهود لهم بعلمه وفكره واستنارته. «الطيب».. امتداد تاريخي لأئمة كبار تحملوا هذه المسؤولية على امتداد 1042 عاماً، ليبقى الأزهر قلعة حصينة عبر العصور، ومنارة علمية عريقة تحمل صحيح الإسلام وفكره السمح المستنير إلى أنحاء المعمورة كافة، بدءاً بالإمام الخراشي، والنشرتي، والقليني، والشرقاوي، إلى المهدي العباسي، وسليم البشري، والنواوي، والمراغي، وشلتوت، ومأمون، والفحام، وبيصار، وجاد الحق، وطنطاوي، وما بينهم من أئمة الأزهر الشريف. الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، اختارته الأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، ليكون شخصية العام الثقافية 2013، تقديراً لدوره وأثره الكبير في إشاعة روح التسامح، والمحبة ونبذ العنف، والاحتكام إلى العقل، والحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه، ووأد الفتنة في مهدها، فضلاً عن كونه شخصية تجمع بين الباحث والأستاذ الأكاديمي المتخصص في الفلسفة التي درس أصولها في فرنسا، وصاحب البحوث الجادة، والكتب العلمية المؤثرة، والترجمات الدقيقة، وإسهاماته العلمية البارزة في كثير من الجامعات العربية التي عمل أُستاذاً بها. وتزامناً مع الحدث الثقافي الأبرز، حملت «الاتحاد» باقة من التساؤلات التي باتت تشغل الرأي العام في الشارعين العربي والإسـلامي، والتقـت فضيلتـه في هـذا الحـوار: جائزة الشيخ زايد استقبل العالمان العربي والإسلامي قرار جائزة الشيخ زايد للكتاب باختيار سعادة الدكتور أحمد الطيب شخصية العام الثقافية للعام الحالي بترحاب بالغ .. كيف استقبلتم الاختيار.. وماذا يعني لكم في هذا التوقيت؟ استقبلت هذا الاختيار على أنه تقدير للدور الريادي للأزهر الشريف، الذي هو مرجعية الأمة وملاذها، والمعبر عن آمالها وآلامها، وحارس منظومتها الأخلاقية وهويتها الإسلامية. فالاختيار بالنسبة لي هو تقدير لكل هذه المعاني النبيلة في حياة الأمة. استطاع مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة الأزهر أن يحقق نجاحات ملموسة منذ إنشائه.. كيف ترون هذا الدور؟ وما السبيل إلى الارتقاء بدوره في الحفاظ على اللغة العربية.. وهل من تطلعات مستقبلية للنهوض برسالته داخل العالم العربي وخارجه؟ مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، هو صورة من صور التعاون الإيجابي، والتلاحم الفعال بين الأزهر الشريف وكل من يعمل من أجل إحياء حضارة الإسلام لغة وتشريعاً ومعرفة، وبوجه خاص هذا الراحل العظيم «الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» - طيب الله ثراه - الذي ترك في كل ركن من أركان العالم أثراً باقياً وعملاً محموداً. وفي اعتقادي أنها تجربة رائدة لها فوائدها في إيجاد الجسور الحية، والتواصل الإيجابي بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين غيرهم في حالة تجاوز العوائق اللغوية. المغالاة والتطرف يموج العالم الإسلامي بتيارات فكرية بعضها فيه مغالاة وتطرف، ويُعَول كثيرون على الأزهر الشريف للتصدي لمثل هذه التيارات .. هل هناك من أهداف تسعون إلى تحقيقها على هذا الصعيد؟ الوسطية هي منهج الأزهر على امتداد تاريخه الطويل، والتطرف صناعة من إنتاج العدو لا يعرفها الأزهر، ولا تتوافق مع رؤية الإسلام للعالم، باعتباره ساحة للتعاون والتعارف وتبادل الأفكار والمنافع، وليس ساحة صراعٍ يقضي على مقدرات الشعوب. والأزهر بعلمائه يتقدَّم الصفوف من أجل التصدي لتيارات العنف والتشدُّد والغُلُوّ، وله جهوده الكبيرة من أجل تصحيح صورة الإسلام خارجيا، ودعم أنساقه العلمية والتعليمية داخلياً. ومن هنا أنشأ الأزهر مركزاً للحوار، وأنشأ بيت العائلة، واستقبل في رحابه وفوداً من الشرق والغرب تسعى إلى فهم الإسلام، وتعتبر وسطية الإسلام هي المنهج القويم الذي تلتقي عليه الأخلاق المشتركة بين الأديان. كان ولا يزال الأزهر الشريف رمزاً للوسطية الإسلامية ونشر ثقافة التسامح والتعايش والحوار.. إلا أن هناك صعوبات ومعوقات قد تعطل هذا الدور.. ما هي ملامح رؤيتكم في ترسيخ دور الأزهر الشريف. «إن ثقافة التسامح والتعايش ليست مجرد شعار، بل تحولت في الأزهر إلى عمل مؤسسي في مركز الحوار، وبيت العائلة، وانتهاج سياسة الباب المفتوح لكل المعنيين، فشعارنا في الأزهر الشريف: هو الانفتاح على العالم المتغير، واستيعاب الأصوات المتعددة، وطريقنا يبدأ بالفهم الصحيح وصولاً إلى التفاهم المأمول، المهم أن الأزهر يلقي بنفسه - الآن - في قلب حركة الإصلاح محلياً وإقليمياً وعالمياً، كما يشهد الجميع الآن. الأزهر والإخوان لم تسلم جهودكم الحثيثة لتحقيق استقلال الأزهر ككيان إسلامي ومنارة حضارية وفكرية على امتداد 1042 سنة من بعض المعوقات، هل ما تحقق يرضي طموحكم؟ أم هُناك خطى جديدة في هذا الاتجاه؟ إنَّ حِرصنا على استقلال الأزهر قد ترجمناه عملياً في التعديلات الأخيرة لقانون الأزهر بوضوح، ومن ثمرات هذا التعديل أن عادت هيئة كبار العلماء إلى الساحة العلمية والوطنية، وأصبح الانتخاب الحرُّ هو الطريق الوحيد إلى اختيار شيخ الأزهر دعماً لاستقلال الأزهر، الذي أصبح منصوصاً عليه صراحة في الدستور الجديد، لأول مرة في التاريخ الدستوري في مصر. والشيء نفسه بالنسبة لمفتي الجمهورية، حيث أصبح اختياره عن طريق الانتخاب من هيئة كبار العلماء، وتمَّ اختياره بالفعل وَفْقاً لهذا الإجراء، وفي الطريق قوانين أخرى لتطوير التعليم الأزهري في المراحل الأولى بالمعاهد الدينية، وفي جامعة الأزهر العتيدة. وآمالنا لا تقف عند حَدٍّ. نعم .. هناك معوُّقات مصدرها سوء فهم لدور الأزهر، وعدم الرغبة في انطلاقه، وقِلَّة الكوادر الكافية لأداء دوره الوطني والإقليمي والعالمي، ولكن عملية النهوض قد بدأت وهي ماضية في طريقها بإذن الله. برزت في الآونة الأخيرة كثير من القضايا الخلافية بين الأزهر الشريف .. وجماعة الإخوان المسلمين بعد نجاحهم في الوصول إلى سدة الحكم في مصر.. ما هي أبرز تلك القضايا؟ وكيف تعاملتم معها؟ إن رموز الجماعة جاؤوا إلى الأزهر، واعترفوا بقيادته وريادته، وأبدوا استعداداً طيباً للعمل تحت مظلة الأزهر من أجل المصلحة العامة للوطن، وما قد يبدو في المشهد السياسي من تغاير بين رؤى الأزهر وبعض الرؤى التي يطرحها هذا الحزب أو ذاك، هو خلافٌ سبَبُه: أن الأزهر يقوم بدورٍ وطني شعبيٍّ على أساسٍ من شريعة الإسلام وتاريخ المسلمين، وليس على أساس سياسي أو حزبي. تتردد الآن أقاويل كثيرة عن «أخونة الأزهر»، ما صحة ذلك؟، وكيف يتصدى شيخ الجامع الأزهر لمثل هذه المحاولات، إن وجدت؟ الأزهر بطبيعة تكوينه، ومناهج تعليمه عَصِيٌّ على الذوبان في حزب أو جماعة أو فصيل، أو أي توجه آخر، والأزهر دائما في موقع القيادة وليس في موقف التبعية، وسيظل الأزهر كما هو حصن الوسطية الإسلامية، والمعبِّر عن الإسلام كما هو في حقيقته، في مواجهة كل الانحرافات السياسية والفكرية التي قد تظهر عند هذا الفصيل أو ذاك، تلك مهمته الدينية والتاريخية والوطنية ولن يتخلى عنها أبداً بأي حالٍ من الأحوال. فوضى الفتاوى أين مظلة الأزهر الشريف من فوضى الفتاوى الفضائية؟ ولماذا لا يطالب الأزهر بسن قوانين تشريعية تضبط هذه الفوضى؟ الإعلام الخاص خارج عن سيطرة الأزهر وعن سيطرة غيره في واقع الأمر، وقد يكون فيه توجه لا يستهدف مصلحة الدين ولا مصلحة الوطن، ولكن لا نستطيع أن نفرض وصاية على أحدٍ، وقناة الأزهر الفضائية - المتوقع ظهورها قريباً إن شاء الله - سوف تردُّ على كلِ فتوى شاذة حادت عن طريق الحق، وعلى كل من يمارس الفتوى عن غير علم، ولن ندخل في معارك جانبية إعلامية تستهلك الطاقة، وإنما سنقدِّم حُكْم الإسلام في إجاباتٍ عن كل سؤال مطروح، ونحن نؤمن بأن التعليم والتفهيم هما وسيلتا الوقاية الصحيحة. هناك من يفسر وسطية الأزهر الشريف حيال بعض القضايا والأحداث اليومية أنها «ضعف»، ما رأيكم في ذلك؟ وهل يقتصر دور مشيخة الأزهر على إصدار البيانات المفندة فقط من استنكار وشجب وإدانة؟ الوسطية منهج في الفكر والحياة وليست ضعفاً أبداً، بل هي مظهر الثقة والقوة الحقيقية ولم يكن الأزهر يوماً ما مجرد متابع للأحداث بالشجب والإدانة، إنه يصوغ الفكر، ويبني المستقبل من خلال رؤى مدروسة، التقى على إعدادها علماء الأزهر وأهل الفكر من كل اتجاه، وفي هذا السياق الرفيع من التفكير جاءت وثائق الأزهر الخمس - بحمد الله - التي تَقبَّلَها العالم العربي والإسلامي، بل العالَم الغربيّ بكل تقدير وترحاب. الخطاب الديني يُعاني الخطاب الديني في العالم الإسلامي على امتداد عقود طويلة من العجز عن مواكبة الأحداث. ما السبيل إلى تطوير الخطاب الديني الإسلامي في مخاطبة الغرب وحوار الأديان والحضارات؟ نرى أن علاج الخطاب الديني وتطويرَه يحتاج إلى جهود ذاتية عدة. جهود علمية في إعداد الدعاة المؤهلين لنشر دعوة الإسلام العالمية، وجهود تربوية في إعداد إعلاميين يعملون لصالح الإسلام، ولصالح أوطانهم المتعددة، وبناء مؤسسات إعلامية مستقلة من منظور إسلامي، حتى لا تظل الساحة مقصورة على من يجهلون الثقافة الإسلامية، أو يقفون منها موقفاً سلبياً. تحظى عملية الترجمة من وإلى لغات الغرب باهتمام فضيلتكم، هل هناك من خطط واستراتيجيات لتعظيم هذا التوجه في المستقبل القريب؟ خلال ثلاثينيات القرن الماضي، شَكَّلَ شيخ الأزهر لجنة لترجمة أهم الكتب التي تتحدث عن الإسلام، وتمت ترجمة العديد منها من خلال علماء أزهريين كبار أمثال: الدكتور محمد يوسف موسى، وعبد الحليم النجار، ومحمد غلاب، وعبد الحليم محمود، وكانت الترجمات من الفرنسية والانجليزية، وكانت تستهدف أيضاً الإيطالية والألمانية، ونحن الآن نحاول إعادة هذا النشاط الفكري في مجال الترجمة من خلال نخبة من أساتذة الأزهر يجيدون اللغات الأجنبية، وفي ترجمات تتسم بالدقة، والتعليق على الأفكار التي تحتويها ومنها ما قد يكون مخالفا لحقائق الإسلام. هُناك من قام بتطبيق ما يسمى بالحدود في بعض القضايا بعيداً عن جوهر الإسلام وروحه.. كيف ترون ذلك..؟ وما السبيل لضبط مثل هذه الفوضى؟ تطبيق الحدود بواسطة الأفراد إثم كبير وجريمة عُظمى، ووليُّ الأمر ممثلاً في السلطة القضائية هو الجهة الوحيدة المنوط بها النظر في الأمور الجنائية والمدنية، والحدود جزءٌ من النظام الجنائي الإسلامي، وليست هي كل القانون الجنائي ولتطبيقها شروط حاسمة، اجتماعية وقانونية، قد لا تتوافر في بعض الظروف، والأمر فيها موكول إلى وليِّ الأمر، وإلى السلطة القضائية في جميع الأحوال والظروف. التمدد الشيعي خروج على الوَحدَة في تساؤل «الاتحاد»: «كيف يتصدى الأزهر الشريف عملياً - بموضوعية وصراحة - لكل محاولات التشيع والمد الشيعي في المنطقة والعالم الإسلامي بشكل عام .. ومزاعم «استرداد الإرث الشيعي» في مصر على وجه التحديد؟، جاءت إجابة الإمام الأكبر صريحة وواضحة وقاطعة: «الأزهر لا يعادي أحداً من أهل القِبلة، لكننا ضد التمدد المذهبي الشيعي في العالم العربي بوجه عام، وفي مصر بوجه خاص، ونعتبر ذلك خروجاً على الوَحدَة في النسيج العقدي والفقهي الوطني، وعدواناً على المذاهب السُّنِّية التي هي مذاهب غالبية المسلمين في العالم. ونقولها بصراحة ودون مجاملة أو مواربة: سنقف فكرياً وعِلْميًّا ضدّ أيّة محاولة لاختراق الحزام السني في أي بلد عربي وإسلامي، ونعتبر ذلك لعباً بالنار في منطقة متوترة، وبها الكثير من المشكلات، ومصر عبر التاريخ لم - ولن - تتحوّل أبدًا إلى مجتمع شيعي، وكلُّ ما يقال عكس ذلك هو وَهمٌ يعيش في أذهان أصحابه، لأنه مناقض لحقائق التاريخ، ومخالف للحقيقة والواقع». صفحات مشرقة من تاريخ نضال الأزهر الشريف أقام الفاطميون دولتهم الفاطمية في المغرب، وفى عهد رابع خلفائهم السلطان المعز لدين الله، أمر جوهر الصقلي (قائد قواته) بدخول مصر، فدخلها الصقلي دون قتال شديد عام 358 هـ الموافق 969م، وانتزع الحكم من الإخشيدين، وبنى مدينة القاهرة، وأصبحت عاصمة الفاطميين، ومقراً لخلافتهم. ووضع الصقلي أساس مسجد كبير، سُمي بالأزهر الشريف، لأن الفاطميين ينتسبون إلى ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام، السيدة فاطمة الزهراء، في القاهرة في 14 رمضان 359هـ الموافق 971م، واستغرق بناؤه عامين، وأقيمت فيه الصلاة لأول مرة في 17 رمضان عام 360هـ الموافق 972م. بداية بدأ الأزهر منذ اليوم الأول لإنشائه، بتعليم الناس، وتدريس المذهب الفاطمي في الفقه والفلسفة والتوحيد، وجلب للأزهر للتدريس فيه فطاحل العلماء في ذلك العصر، وعالج الأزهر علوم الدنيا واهتم بشؤون اللغة العربية وازدهرت فيه العلوم والفنون والأدب والفن في مصر والشام، وكذلك الفلسفة والرياضة واللغة، كما كان الأزهر جامعاً رسمياً للدولة الفاطمية ومركزاً لكثير من المناسبات والاحتفالات الدينية حتى جاءت نهاية الدولة الفاطمية 567 هـ، وعندها بدأت الدولة الأيوبية في القضاء على الفكر الشيعي. وفي القرن السادس الهجري، درست العلوم الطبيعية إلى جانب العلوم الدينية والعربية والطب والفلسفة والمنطق. واستطاع الأزهر في فترة حكم العثمانيين الحفاظ على اللغة العربية كلغة لكل المصريين، واستطاع كذلك الحفاظ على الثقافة العربية الإسلامية في مصر على مدى قرون ثلاثة. الحملة الفرنسية بعد أن دخل نابليون مصر عام 1798م، استدعى علماء الأزهر، وعلى رأسهم الشيخ الشرقاوي وقرر تأليف ديوان من علماء الأزهر يشرف على الحكم ويدير شؤون مصر، وأغلق الشيخ الشرقاوي الأزهر في يونيو 1800م احتجاجاً على دخول الإنجليز للأزهر، وأعاد افتتاحه في أكتوبر عام 1801 بعد خروج الفرنسيين من مصر. محمد علي في أوائل عهد محمد علي كانت العلوم الدينية والعربية تدرس في الأزهر، وبعد عودة المبعوثين، الذين أرسلهم محمد علي إلى أوروبا لتلقي العلم، بدأ بعضهم يعمل بدراسة العلوم الطبيعية والفكرية، وظل الإسهام العلمي للأزهر يتزايد في مصر، وبدأت المعاهد الأزهرية تنتشر في المحافظات من معاهد ابتدائية وإعدادية وثانوية، بالإضافة إلى الكليات الجامعية. دنيا ودين صدر القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر الشريف والهيئات التي يشملها، ليبقى الأزهر أكبر جامعة إسلامية وأقدم جامعة في الشرق الأوسط والغرب، وأن يظل الأزهر حصناً للدين والإسلام والعروبة، وأن يخرج علماء يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا كلها. جامع و جامعة لم يعد الأزهر مجرد جامع أو جامعة، لكنه أصبح صرحاً ومنارة لخدمة الإسلام والمسلمين من خلال هيئة كبار العلماء، وجامعة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، وهو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي وتوسيع نطاق العلم بها، وهكذا تحول الأزهر الشريف إلى قلعة علمية ضخمة للتعليم الإسلامي في مختلف مجالات الدين والحياة، فهي رمز دائم لروح الإيمان والتدين في مصر والعالم. ثورة كان للأزهر الشريف دور بارز في مقاومة المعتدين والمحتلين الذين حاولوا اغتصاب الأراضي المصرية، بدءاً من المقاومة البطولية للأزهر ورجاله لحملة نابليون بونابرت، حيث قاد علماء الأزهر وشيوخه ثورة عارمة ضد الأيوبيين وضد المماليك وضد العثمانيين. فقد قاد عمر مكرم والشيخ الشرقاوى المقاومة ضد نابليون بونابرت، حيث ألف الأزهر لجنة لتنظيم الثورة ضد الفرنسيين، وقامت هذه الثورة في القاهرة في أكتوبر عام 1798م وهاجموا الفرنسيين ومعسكراتهم وقتلوا الجنرال ديبوى حاكم القاهرة. سليمان الحلبي قاد الأزهر حركات عديدة ضد الحملة الفرنسية، وقتل الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية بعد نابليون على يد طالب أزهري من سوريا هو «سليمان الحلبي»، وأعدم في عام 1800م. وقاد الأزهر ثورة مصر والمصريين ضد الفرنسيين في ثورة القاهرة الأولى بقيادة الشيخ السادات، وثورة القاهرة الثانية بقيادة عمر مكرم حتى خروج الفرنسيين من مصر. وجوب الجهاد وقف الأزهر ضد الحملة الإنجليزية على مصر عام 1807، وأفتى علماؤه بوجوب الجهاد، وقاد الأزهر وعلماؤه الثورة العرابية بقيادة أحمد عرابي، زعيم الثورة الأزهري، ورجال الثورة العرابية من الأزهر: عبد الله النديم، والشيخ محمد عبده، وسبقهم رفاعة رافع الطهطاوي، حتى أن علماء الأزهر عزلوا الخديوي توفيق الذي شردهم ونفاهم وصادر أملاكهم عقب فشل الثورة العرابية. الحركة الوطنية وقف الأزهر وعلماؤه وقفة شجاعة ضد الإنجليز وساندوا الحركة الوطنية المصرية وثورة 1919م، بقيادة سعد زغلول، وهو من رجال الأزهر. وقاد الأزهر حركة الشعب بقيادة علمائه: الشيخ القاياتي والشيخ أبو العيون والشيخ الزنكلوني والشيخ عبد الباقي سرور. وظلّ الأزهر يقود نضال الشعب المصري ضد المحتلين والطغاة حتى ثورة 23 يوليو عام 1952 التي أنهت الاحتلال، ومن على منبر الأزهر بدأت مقاومة الشعب المصري للعدوان الثلاثي على مصر 1956م. الفتنة الطائفية مُفتَعَلَةٌ عن تساؤل «الاتحاد»: الفتنة الطائفية في مصر حديث الساعة الآن .. وكانت مبادرتكم في تشكيل بيت العائلة لاستيعاب هذه الفتنة.. لماذا لم يشهد الشارع المصري ترجمة فعلية وعملية تجمع الأزهر الشريف والكاتدرائية لحقن الدماء ووأد الفتنة لتوحيد صفوف الأمة والوطن. هل يحتاج الأمر إلى رؤية تشريعية جديدة؟، ولماذا لا تفعل القوانين الموجودة على أرض الواقع؟ أجاب الإمام الأكبر: «كثير من قضايا الفتنة الطائفية مُفتَعَلَةٌ، ومضخمة إعلامياً، أو هي مشاكل مجتمعية لا علاقة لها بالدين، وقد تلعب فيها أحياناً بعض القوى الخارجية دوراً سلبياً، والأزهر والكنيسة معاً، ويبذلان جهداً كبيراً في جمع الشمل، ووأد الفتن في مهدها، وكشف ما يدبر لمصر وشعبها، وعلى كل حال لدينا «بيت العائلة»، وهو الآن مؤسسة قائمة تسعى إلى تَتبُّع العوامل التي تؤدي إلى الفتنة قبل حدوثها، ونشر ثقافة المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين المصريين جميعاً. وأملنا كبير أن تحتفظ مصر بموقعها الرائد نموذجاً للوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي الواحد في العالم كله». الأزهر الشريف.. أعلام وتاريخ أنشئ منصب شيخ الجامع الأزهر في عهد الحكم العثماني ليتولى رئاسة علمائه، ويشرف على شؤونه، ويحافظ على الأمن والنظام بالأزهر. وكان النظام المتبع أن ينتخب من بين كبار العلماء منذ إنشائه وحتى آخر القرن الحادي عشر الهجري. وما بين 1679م وحتى الوقت الراهن تولى مشيخة الأزهر 48 إماماً، على الوجه التالي: محمد الخراشي (1679م - 1690م). إبراهيم البرماوي (1690م - 1694م). محمد النشرتي (1694 م - 1708م). عبد الباقي القليني ( 1708م-؟). محمد شنن- مالكي توفي سنة 1721م. إبراهيم موسى الفيومي (1721م - 1725م). عبد الله الشبراوي (1725م - 1757م). محمد سالم الحفني (1757م - 1767م). عبد الرؤوف السجيني (1767م - 1768م). أحمد الدمنهوري (1768م - 1776م). أحمد بن موسى العروسي (1778م - 1793م). عبد الله الشرقاوي (1793م - 1812م). محمد الشنواني (1812م - 1818م). محمد بن أحمد العروسي (1818م - 1829م). أحمد بن علي الدمهوجي (1829م - 1830م). حسن بن محمد العطار(1830م - 1834م). حسن القويسني (1834م - 1838م). أحمد عبد الجواد (1838م - 1847م). إبراهيم الباجوري (1847 - 1860م). حدثت اضطرابات في الأزهر، فظل بلا شيخ، وتم تعيين أربعة وكلاء نيابة عن الشيخ الباجوري، ولما توفي سنة 1860م استمروا في القيام بشؤون الأزهر حتى عين الشيخ مصطفى العروسي. مصطفى العروسي (1864م - 1870م). محمد المهدي العباسي (1870م - 1882م) أول من جمع بين منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر. شمس الدين الإنبابي (1882م - 1896م). حسونة النواوي (1896م - 1900م). عبد الرحمن القطب النواوي (1900م). سليم البشري (1900م - 1904م). علي بن محمد الببلاوي، استقال في عام 1905م. عبد الرحمن الشربيني، استقال سنة 1909م. حسونة النواوي، «المشيخة الثانية له»، واستقال سنة 1909م. سليم البشري، «المشيخة الثانية له»، حتى سنة 1916م. محمد أبو الفضل الجيزاوي (1907م-1928م). محمد مصطفى المراغي - 1928 - 1930م. محمد الأحمدي الظواهري (1930م - 1935م). محمد مصطفى المراغي «المشيخة الثانية له» (1935م - 1945م). مصطفى عبد الرازق (1945م - 1947م). محمد مأمون الشناوي (1948م - 1950م). عبد المجيد سليم البشري (1950م - 1951م). إبراهيم حمروش (1951م - 1952م). عبد المجيد سليم البشري «المشيخة الثانية له» (1952م - 1952م). محمد الخضر حسين (1952م - 1954م). عبد الرحمن تاج (1954م - 1958م). محمود شلتوت (1958م - 1963م). حسن مأمون (1963م - 1969م). الدكتور محمد الفحام (1969 - 1973). الدكتور عبد الحليم محمود (1973 - 1978). الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار (1979 - 1982). جاد الحق علي جاد الحق - (1982 - 1996). الدكتور محمد سيد طنطاوي (1996 - 10 مارس 2010). الدكتور أحمد الطيب، تولى في 19 مارس 2010. المؤلفات والتحقيق والترجمة ألّف الدكتور أحمد الطيب العديد من المؤلفات في العقيدة والفلسفة الإسلامية، كما أن له عددا من الدراسات والأبحاث في هذا الجانب، ومن أهم مؤلفاته: - الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي. - تعليق على قسم الإلهيات من كتاب تهذيب الكلام للتفتازاني. - بحوث في الثقافة الإسلامية، بالاشتراك مع آخرين. - مدخل لدراسة المنطق القديم. - مباحث الوجود والماهية من كتاب المواقف «عرض ودراسة». - مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الماركسية «بحث» - أصول نظرية العلم عند الأشعري «بحث». - مباحث العلة والمعلول من كتاب المواقف «عرض ودراسة». - تحقيق رسالة «صحيح أدلة النقل في ماهية العقل» لأبي البركات البغدادي، مع مقدمة باللغة الفرنسية. - ترجمة كتاب: «Chodkiewiez, Prophetie et Sainteté dans la doctrined «Ibn Arabi من الفرنسية إلى العربية بعنوان: الولاية والنبوة عند الشيخ محيي الدين بن عربي. - ترجمة المقدمات الفرنسية للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي. - ترجمة كتاب: Osman Yahya, Histoire et classification de l«oeuvred» Ibn Arabi volumes) من الفرنسية إلى العربية بعنوان: مؤلفات ابن عربي تاريخها وتصنيفها. - ابن عربي، في أروقة الجامعات المصرية. - نظرات في قضية تحريف القرآن المنسوبة للشيعة الإمامية. - دراسات الفرنسيّين عن ابن العربي. الإمام الطيب.. في سطور الدكتور أحمد محمد الطيب من مواليد 6 يناير 1946، بقرية «المراشدة» في دشنا بمحافظة قنا، جنوب صعيد مصر، وينتمي إلى أسرة صوفية معروفة، ينتهي نسبها إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب. تعلَّم بكتاب القرية، والتحق بجامعة الأزهر، وحصل على شهادة الليسانس في العقيدة والفلسفة عام 1969، ثم الماجستير عام 1971، والدكتوراه عام 1977 في نفس التخصص. الدكتور الطيب، هو الإمام الأكبر «الثامن والأربعون» في تاريخ الأزهر الشريف منذ 19 مارس 2010. خلفاً للدكتور محمد سيد طنطاوي، وكان الشيخ محمد الخراشي، أول من تولى هذا المنصب ما بين 1679م - 1690م. عمل بعد تخرجه، معيداً وتدرج في السلك الجامعي، ولا يزال يعمل أستاذاً للعقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر، وعمل قبل ذلك عميداً لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية في باكستان، وعميداً لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بأسوان، ثم قنا، وأُستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وجامعة قطر، وجامعة الإمارات في 1990. الرئيس السابق لجامعة الأزهر. مفتي جمهورية مصر العربية ما بين مارس 2002 - سبتمبر 2003. يتحدَّث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وترجم عشرات الكتب والمراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، وعمل محاضراً جامعياً في فرنسا. ولديه عشرات المؤلفات، والتحقيقات والبحوث الشهيرة في الفقه والشريعة والتصوف الإسلامي. عمل عضواً بأمانة السياسات بالحزب الوطني في مصر، إلا أنه استقال منه بعد تعيينه شيخاً للأزهر الشريف كي يحرر الأزهر من أي قيد. يؤيد جعل منصب شيخ الأزهر بالانتخاب الحر وليس بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية. لا يتقاضى من الدولة راتباً شهرياً، ورد كل ما تقاضاها كراتب منذ توليه مشيخة الأزهر الشريف. حمل على عاتقه مسؤولية استقلال الأزهر الشريف، ويُعد رائداً من رواد التجديد والحوار والاستنارة الفكرية، والتقريب بين مدارس أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث. يُحسب له إعادة هيئة كبار العلماء الذي يترأسها، وإنشاء «بيت العائلة المصرية»، وإصدار وثائق الأزهر الست، وتعديل قانون الأزهر. مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة الأزهر صورة من صور التعاون الإيجابي، والتلاحم الفعال بين الأزهر الشريف وكل من يعمل من أجل إحياء حضارة الإسلام لغة وتشريعاً ومعرفة، وبوجه خاص الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» - طيب الله ثراه - الذي ترك في كل ركن من أركان العالم أثراً باقياً وعملاً محموداً. (من المصدر)
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©