الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محنة نديم الخليفة (2)

محنة نديم الخليفة (2)
7 يوليو 2010 20:46
تجربة أبو نواس الحيوية مع الخليفة لا تكتسب قيمتها سوى بتمثيلها الفني في الشعر، وأبو نواس خير من يسجل الجوانب الطريفة منها في قصيدته، حيث يحكي بحس سردي يقظ تفاصيل ما جرى له مع رفاقه الذين يسميهم مرة فتيان صدق ومحبة وألفة، ثم لا يلبث أن يدعوهم “عصابة سوء” تظرفا ودعابة، مبينا كيف صحبهم إلى حانة الخمار وكان يظن به خيرا إذ يحسبه مسيحيا فإذا به يتكشف عن الشر عندما يصرح بإنه يهودي، ولعل ما يصف به الشاعر اليهود من النفاق وإظهار الحب مع إضمار الخديعة والغدر مع أن كلا من اليهود والنصارى كانوا يلبسون الزنار الذي يميزهم عن المسلمين يثبت أن مشاعر الناس تختلف تجاههم بتأثير من التعاليم القرآنية ذاتها، ويفصل أبو نواس الحوار الذي دار بينه وبين الخمار بطرقة سردية محببة، حيث سأله عن اسمه فزاد بأن ذكر له كنيته العربية مع عدم اقتناعه بشرفها وغاية ما هناك أنها أخف في السمع وأسهل في التداول، هنا نرى أبا نواس بمكر أدبي ينسب بعض مواقفه ومشاعره إلى الخمار اليهودي حتى يخف وقعها على الخليفة والجمهور العربي الذي يتداول شعره. وينهي القصة الشعرية بغمزة صريحة لجماعته التي كانت تستحق تسمية عصابة السوء لأنها تضيع وقت الصلاة عمدا بالإنهاك في السكر عن نية مبيتة. ونعود إلى القصة في روايتها الأصلية لنجدها تقول: إن الأمين قد استحسن القصيدة ومضى يداعب شعره فقال للساقي: يا غلام. اسق القوم ولا تسق أبا نواس. قال: يا أمير المؤمنين: ولم؟ قال: لأنك تصف الغلام إذا ناولك الكأس بأنه قد سقاك كأسين: كأسا بعينيه وكأسا بيده، وتذكر أنك جمشته ـ أي داعبته بيدك ـ فهات الآن ما عسى أن تقول إذا لم يسقك، فأنشد: أعاذل أعتبت الإمام وأعتبا وأعربت عما في الضمير وأعربا وقلت لساقيها أجزها فلم يكن ليأبى أمير المؤمنين وأشربا فجوزها عني عقارا ترى لها إلى الشرف الأعلى شعاعا مطنبا إذا عب منها شارب القوم خلته يقبل في داج من الليل كوكبا ترى حيث كانت من البيت مشرقا وما لم تكن فيه من البيت مغربا يدور بها ساق أغن ترى له على مستدار الأذن صدغا معقربا سقاهم ومناني بعينيه منية فكانت إلى قلبي ألذ وأطيبا فقال له الأمين: ويحك، لم ينج منك على حال، يا غلام: اسقه، ثم خلع عليه عند انصرافه، وأمر له بجائزة”. فهذا خليفة متهتك بدوره، يستثير شاعره، ويغريه بالتفنن في وصف حالات الحرمان والري، ويعرف كيف يبعث فيه حمية الشعر، وكيف يتذوق ضروبه وأفانينه..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©