الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مطرح.. سوق يرسم ملامح العُمانيين بفرشاة التاريخ

مطرح.. سوق يرسم ملامح العُمانيين بفرشاة التاريخ
31 يناير 2009 23:50
من زار مسقط، ولم يزر سوق مطرح فقد خسر نصف متعته من السياحة في عمان·· فهذا السوق ليس مجرد مكان تعرض فيه السلع فقط، لكنه فرصة للروح أن تتجول، فالتاريخ مبعثر في زوايا المكان رغم أنف الباعة الآسيويين، والنقوش تسير مع السائر على امتداد السوق، فسقف المكان عامر بالزخارف، والفضاء أمام المتجول عابق بالبخور واللبان والبهارات الشرقية، وسيرى كل ملامح الوجوه العمانية وأزياء البلاد تحت سقف هذا السوق· للسوق بوابتان، واحدة تبدأ من جهة المدينة، تجاورها تفاصيل المكان بجباله وملامح أبنيته القديمة رغم الازدحام عليها من كل ما هو جديد، والبوابة الأخرى تقف في وجه خليج عمان، لكن اللافت أنها تسمح لمياهه بالتسلل أسفلها، وحينما يرتفع الموج تدخل مياه الخليج إلى فم السوق، كأن العمانيين لا يريدون قطع هذه الصلة بين المكان والبحر، حتى مع وجود الشارع البحري الممتد حتى مدينة مسقط القديمة، المختفية وراء غابة من الجبال· الوقوف على تلك البوابة متعة، التأمل في الشارع البحري للمدينة، والنوارس التي تتكاثر في الموسم الشتوي مع رحلاتها نحو الدفء في مسقط، والسفن الخشبية التي تحيل لتذكر رحلات البحارة قديماً، والسفن الضخمة التي تحج إلى ميناء السلطان قابوس حاملة بشراً وتجارة· ولا يمكن رؤية سوق مطرح من خارجه، فهو امتداد عميق داخل المدينة، يبدأ ببوابة تواجه خليج عمان والشارع البحري الأنيق، وينتهي ببوابة أخرى عينها على المدينة القديمة من الجانب الذي يستقبل زواره القادمين من أغلب الأماكن العمانية· ويتشكل سوق مطرح ببساطة شديدة تعتمد على الطرقات الواسعة كساقية بين جدولين تصطف فوقهما الدكاكين على دكتين مرتفعتين، وتتغير الأشكال كما تتبدل الروائح بين زاوية وأخرى، وسعت بلدية مسقط إلى اضافة لمسات جمالية تحافظ على ألق السوق دون أن يفقد روحه الجميلة، خاصة أن الحرائق التهمت مرات عدة مجموعة من الدكاكين، بسبب اصطفافها الكبير كأنفاق صغيرة لا تزيد مداخل بعضها عن مترين، وتتكدس البضائع بشكل عشوائي في معظمها، لكنها تتأنق بشدة في بعض المحلات، خاصة تلك المعتمدة على جذب السائح الأجنبي نحو فضياتها وتراثياتها، والتي يقبل عليها السواح بكثافة· ودخل الآسيويون بكثافة إلى المحال التجارية بالسوق وبقيت بعض المحال الصغيرة تعاند تلك الموجة، ويجلس بعض كبار السن يسعون لإيجاد توازن يحتفظ للسوق ببعض من ثرائه القديم، يعرضون ''الكميم'' أو أغطية الرأس المنتشرة في السلطنة، فيما يقف العامل الهندي بحيوية يعرض ألعابا صينية في سوق مطرح، وهو ينادي على المارين محاولا إقناعهم بالشراء، سلع رخيصة وألعاب كهربائية تجذب الصغار كما تجذب النساء تلك المعروضات المتعلقة بالاكسسوارات، وهو ينطق بلغة عربية مكسرة يبدو كنغمة نشاز في وسط السوق التراثي، بسقفه المزين بزخارف إسلامية مستمدة من التراث العماني· ورغم الاستراتيجية الحكومية لفتح الفرص أمام الشباب العماني للدخول إلى هذه المهن إلا أن بلدية مسقط بقيت متمسكة بعدم المغامرة لـ''تعمين'' سوق مطرح الذي يعد واجهة سياحية مهمة لها بعدها الحضاري والاقتصادي، ودخل السوق خطط تطوير أكثر من مرة، لحمايته من أخطار الحريق والفيضانات نظرا لقربه من البحر· وخاضت عمان معركة كبرى من أجل تعمين الوظائف خاصة تلك المشغولة بالعمال الآسيويين، ووفرت مهنة البيع فرص عمل لعشرات الآلاف من الشباب العماني، لكن ضعف الخبرة والدعم المادي لدى الشباب أطاح بقوة العديد من الأسواق، وفي محافظة مسقط كغيرها من المناطق العمانية الأخرى فان المحال التجارية في الأسواق والحارات بقيت عرضة لمغامرات المواطنين الذين لم يصمد منهم الكثير أمام التحديات كاعتياد الجلوس ساعات طوال داخل بقعة صغيرة هي مساحة الدكان، وتجارة الجملة بقيت بيد العمالة الأجنبية، إضافة الى انتشار المجمعات التجارية الكبرى ككافور ومحلات الهايبر ماركت· وبدأ في عمان موسم يطلق عليه السياحة الشتوية، في استفادة مميزة لدفء الشتاء العماني دون غيره من شتاءات المنطقة، وصقيع أوروبا، وتتكاثر في هذا الموسم الوجوه الشقراء بكثرة في سوق مطرح الذي يعد واحدا من أهم المعالم السياحية التي يحرص على زيارتها الأجانب في البلاد، ويقع بالقرب من مدينة مسقط القديمة، وتحمل الحافلات الضخمة المجموعات السياحية بموازاة الطريق البحري للوصول الى بوابة حديثة أقيمت على المدخل البحري للسوق· ولا يكاد الزائر يخطو بضع خطوات ليجد على يمينه مدخلا صغيرا لما يسمى بسوق الظلام، لا يكاد ممره يسمح لأكثر من اثنين، وتختلط فيه روائح البهارات والعطور والحنا، مشكلة مزيجا فريداً من الروائح المختلطة بكيميائات مختلفة، من البشر والبضائع، وحافظ سوق الظلام على بعض مفرداته القديمة حيث يجلس بائعون كبار في السن، صامدين في وجه الهجوم القادم من دول شبه القارة الهندية، يبيعون الملابس الرجالية والعطور وشيء من الفضيات، ولا يزاحمهم في السوق إلا أفراد من طائفة البانيان الهندية والذين استقروا في عمان عشرات السنين، ومنهم من نال الجنسية العمانية، ويعرفهم القادمون من المناطق الداخلية بعمان لشراء البضائع بالجملة·
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©