الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنقاذ أميركا

7 أكتوبر 2008 02:14
بعد نجاح خطة الإنقاذ المالي في الكونجرس نجاحاً باهراً متأخراً أسبوعاً بل ربما سنة أو سنتين أو أكثر، يبدو أن ''الحرب على الإرهاب'' تحتاج بدورها إلى خطة إنقاذ تأخرت أيضاً سنة أو سنتين أو على الأصح سبعاً· وكما فرضت الأزمة المالية العودة إلى أسلوب التأميم، أو بالأحرى إعادة الاعتبار إليه، باتت الأزمة المستعصية في أفغانستان تتطلب ''العودة'' إلى حركة ''طالبان''، وبالتالي إعادة الاعتبار إليها· وفي واشنطن، كما في كابول، يتصرف المعنيون كمكرهين لا كأبطال، فالاضطرار للأخذ ببعض أساليب الاشتراكية، لا بد أن يحصل على مضض، كذلك التحدث إلى العدو الذي كان يُفترض أنه جثة هامدة· لكن سبق لطموحات الهيمنة الأميركية أن مرّت من هنا، سبق أن شهدت لحظاته انسدادا، تمنت فيها لو أن العدو يقبل أن يلعب اللعبة، ولو بعد فوات الأوان· حدث ذلك في العراق، ولعله لا يزال يحدث، فالكلام عن النجاح وعن الديمقراطية موجه للاستهلاك الجماهيري فحسب، لا لاجتماعات المكتب البيضاوي· صحيح أن واشنطن استطاعت أن تجد، في العراق وأفغانستان، حلفاء طيبين يشتهي المرء أن يتعامل معهم، لكنها اصطدمت بحقيقة أنهم عاجزون عن الحكم وليس بينهم من يريد بناء دولة، والأسوأ أنهم يستندون جميعاً إلى فرضية أن الاحتلال باقٍ· الاحتلال يتمنى أن يبقى، فهذا جيد لمعنويات الدولة العظمى الوحيدة· لكن هذا يعيدنا إلى واقع الإفلاسات السرطانية التي لا يعتقد أحد بأن خطة الإنقاذ يمكن أن تنتشلها من القاع، فأقصى ما يؤمل منها أن تنظم الانهيارات وتحتوي تداعياتها الاقتصادية··· والنفسية· لابد أن تكشف الأزمة ثغرة سوداء هائلة عنوانها ''ميزانية الحرب على الإرهاب''، والاحتلالين، بل الاحتلالات التي تولدت عنها· صحيح أن الراقصين والعازفين بقاعة التداول في ''وول ستريت''، وجمهورهم الكبير من ذئاب البنوك وأدغالها، حاذروا الإشارة إلى أكلاف الحروب، كونهم أول المستفيدين منها، إلا أن صمتهم عنها جزء من عدة النصب والاحتيال، إذ يخبرهم حدسهم بأن الشرط الأول لإخراج أميركا من سقطتها المالية أن تبقى قوية مهيمنة، محاربة ومخيفة، مزعجة ومربكة للأصدقاء قبل الأعداء· هذا لم يمنع بعض الأقلام المغمسة بحبر المكابرة ودماء ضحايا تلك الحروب، من أن تخاطب العراقيين والأفغان والباكستانيين وسواهم للقول بأن أميركا دفعت من أجلكم الكثير، وما عليكم الآن سوى الاعتماد على أنفسكم··· من أجل أميركا· أدرك هؤلاء أن الحروب أوحت لذئاب المال وحيتانه بأن لا سقف للعظمة، لا حدود ولا قيود للغرائز، فالعالم أصبح غابة مستباحة، وإذا امتلكت أميركا العالم فإنها ستعوم على بحر نقدي لا نهاية له، تغرف منه ولا تخشى خطراً أو ملامة· تباً لأسعار النفط كيف تصاعدت وكأن هناك من يسعى للمشاركة في الغَرْف من ذلك البحر· تباً لها كيف هبطت، إذ تبين أن المضاربين الأميركيين أول المستفيدين من ارتفاع الأسعار، لكنهم، في الحالين، احتجوا بأعلى الصوت، أولاً لأنهم أرادوا الكسب لهم وحدهم، ثم لأنهم يريدون للآخرين أن يخسروا وحدهم، لا شيء يشبه ذلك إلا منطق الوحوش في الغاب· طالما أن النار اشتعلت في بيت المال الأميركي، فإن الغول سينشغل بحاله، سيعود إلى ما كان يسمى براجماتية هي من صفاته، لن يعود لديه المزاج ولا الصبر لانتظار حلول لا تأتي· إذا كان الملا عمر يمكن أن ينقذ ''الحرب على الإرهاب'' من خلالها، فليأتِ، حتى خصمه حميد قرضاي يدعوه للمجيء والترشيح للرئاسة الأفغانية، إذا كانت إيران تستطيع الإمساك بزمام الأمور في العراق، فلتتفضل· ما العمل إذا كان الأصدقاء لا يستطيعون ذلك، أميركا تتعامل مع القادرين، ولا سيما مع الذين تحدوها، فالأفضل من محاربتهم تشغيلهم عندها· يبقى أن تكون مصيبة في أنهم تواقون إلى خدمتها، إذا لم يكونوا راغبين فإن براغماتيتهم هي أيضاً ستريهم أن أميركا تمر بمرحلة ضعف، وما عليهم سوى أن يستغلوا الموقف· سيقولون إنهم هزموا أميركا، وأميركا ستقول إنها فرضت الأمن والنظام، وإنهم يعملون لديها في إنقاذ ''الحرب على الإرهاب''، كما ستفرض على العالم أن يعمل لديها في إنقاذها من الأزمة المالية· عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©