الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كينيا وجمر الأحقاد العرقية

24 ديسمبر 2009 02:39
بعد عامين تقريبا على موجة أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات ودفعت بهذا البلد الواقع في شرق إفريقيا إلى شفا حرب أهلية، تعلم جوزيف نجاريوا أن يقود دراجته بساق واحدة لأن الأخرى لم تتعاف بشكل كامل من جروح السواطير. كما تعلم التعايش مع عبارات الأسف وأحاديث الجيران الذين يعتقد أنهم انهالوا عليه بالسكاكين والسواطير حتى أوشك على الموت وأحرقوا كنيسة هنا، ما أسفر عن مقتل 36 شخصا في واحد من أسوأ أيام إراقة الدماء العرقية. غير أن ما لم يتمكن من القيام به، كما يقول، هو جمع ما يكفي من الثقة في اعتذاراتهم أو في العدالة لثنيه عن شراء بندقية "إي كي 47" عندما يجمع ما يكفي من المال؛ حيث يقول نجاريوا (38 عاما)، وكان من بين مئات الآلاف من أفراد قبيلة "الكيكويو" الذين طُردوا من منطقته الزراعية الواقعة غرب البلاد على أيدي مليشيات من قبيلة "الكالينجين"، بعد انتخابات ديسمبر 2007 المطعون فيها: "أن نبقى كما كنا في ذلك الوقت بدون سلاح، فذاك أمر لا يمكن تكراره... في المرة المقبلة، سيكون الأمر أسوأ بكثير". ورغم اتفاق اقتسام السلطة وأجندة إصلاحية من أجل إنقاذ كينيا من الانهيار، فإن الوضع مازال متقلبا على نحو خطير، مما يثير قلق المسؤولين الأميركيين المنشغلين أصلا بتحديات أخرى في المنطقة. ففي ظل خوض جار كينيا الشرقي، الصومال، حربا مع متمردين على علاقة بـ"القاعدة"، وانزلاق جارها الشمالي الغربي، السودان، إلى حرب أهلية... يقول مسؤولون أميركيون إن استقرار كينيا بات أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولكن حكومة الرئيس مواي كيباكي الائتلافية وزعيم المعارضة رايلا أودينجا الذي تحول إلى رئيس للوزراء، متخندقان في السياسة القبلية المثيرة للانقسامات والتي أدت إلى العنف الإثني. فالحكومة تتحرك ببطء بشأن الإصلاحات، وتعرقل أي عملية قضائية داخلية لمحاكمة مرتكبي العنف، والذين يُعتقد على نطاق واسع أنهم يشملون نخبا سياسية في كينيا. وقد أعلنت المحكمة الجنائية الدولية مؤخرا عن تحقيقها الخاص الذي من المرجح أن يركز على بضعة زعماء قياديين يفترض أنهم أشرفوا على أعمال عنف. وفي هذا الإطار، يقول كين وافولا، مدير مركز "حقوق الإنسان والديمقراطية"، وهو منظمة حقوقية كينية: "إن الزعماء والناس متقوقعون في شرنقتهم القبلية، حيث يشعرون أنهم بأمان"، مضيفا: "لكن إذا لم يتم القيام بشيء، فإننا نتوقع انفجارا قد يكون كارثيا". وربما لا يوجد مكان حيث الوضع أكثر هشاشة من هنا في الوادي المتصدع الأخضر ومتموج الارتفاعات؛ ذلك أن بعضا من أسوأ أعمال العنف الإثنية وقعت في هذه المنطقة الغربية بعد أن اتهم أودينجا الرئيس كيباكي، وهو من قبيلة "الكيكويو"، بتزوير انتخابات 2007 الرئاسية؛ ووصفت تحقيقات ما تلا ذلك بأنها أعمال إراقة دماء محكمة التنظيم قام خلالها أنصار أودينجا "الكالينجين" بإحراق المنازل والمزارع وطرد أفراد قبيلة "الكيكويو" خارج الوادي المتصدع تحت تهديد الأقواس والنبال والسواطير. ثم سرعان ما شنت عصابات الكيكويو أعمالها الانتقامية العرقية ضد أنصار أودينجا، ليبلغ مجموع القتلى في الأخير نحو 1000 شخص. ورغم أن الحسابات القبلية يمكن أن تتغير هذه المرة، تبعا للتحالفات السياسية في العاصمة نيروبي، فإن الناس يتحدثون بما يشبه اليقين عن تجدد العنف، لكن هذه المرة باستعمال الأسلحة. فحسب وافولا وآخرين، فإن الجانبين منهمكان في تشكيل ميليشيات للدفاع الذاتي من "الكالينجين" و"الكيكويو"، بعضها يضم قادة عسكريين متقاعدين. ولئن كان يصعب التحقق من التقارير التي تفيد بإقبال الناس على شراء الأسلحة -يذكر هنا أن قوانين السلاح في كينيا صارمة- فإن الشرطة الكينية حجزت في وقت سابق من هذا الشهر كمية من الأسلحة والذخيرة تضم 100 ألف رصاصة وأسلحة وبذلات عسكرية كانت مهربة بمساعدة من الشرطة المحلية، وهو ما يمنح بعض المصداقية لهذه المزاعم. ويقول جوزيف نجاريوا وهو جالس في بيته الطيني، إنه يعرف من أين يحصل على قطعة سلاح حين يكون جاهزا. ويضيف صاحب البقالة السابق هذا، الذي أنقذ زوجته وابنته وأربعة أولاد من الكنيسة التي كانت تحترق: "اذهب إلى المستنقع بالقرب من الحدود الأوغندية، وستجد ما تريده". كان الوقت مساءً حين تلمس نجاريوا، في لحظة شرودٍ ذهنيٍ، بأصابعه الندوبَ التي خلفتها ضربات السكين على وجهه والتي لا تخطئها العين. يقول إنه تعب من قيادة دراجته إلى المدينة، حيث يبحث عن عمل، لكن من دون فائدة. فالبقالات والمتاجر وشركات الحافلات والشاحنات، تبدو مهتمة بتوظيف أفراد الكالينجين فقط هذه الأيام، كما يقول، نظرا لإمكانية إحراق الشركات والمشاريع المملوكة للكيكويو، على غرار ما حدث في المرة الأخيرة. وحين يفكر في الأمر مليا، يقول نجاريوا إن أزمة ما بعد الانتخابات علمته أن القبلية ليست وسيلة مدمرة للنخب السياسية، وإنما أن قبيلته هي ملجأه الأخير ربما؛ مضيفا أن الأمر نفسه ينسحب على الكالينجين: "نحن الكيكويو نتحد فيما بيننا، والكالينجين يتبعون زعماءهم بقوة. نحن نعرف ذلك، وهذا ما يجعل القبلية قوية". كيامبا، وهي منطقة تضم حقولا يميل لونها إلى الاصفرار، تخترقها طرق ترابية تميل إلى الحمرة ويقطنها في الغالب الكيكويو، هادئة نسبيا هذه الأيام، ذلك أن نحو نصف سكانها فقط عادوا من مخيمات النازحين. وفي المكان الذي أُحرقت فيه الكنيسة، يوجد صفان من الصلبان الخشبية المنخفضة وقد علتها الأعشاب، شواهد على قبور الأشخاص الذين ماتوا في الداخل، ومعظمهم من النساء والأطفال. لكن التوتر هنا مازال مرتفعا إلى درجة أن زعماء الكالينجين المحليين يعترضون على بناء قبور إسمنتية دائمة، قائلين إن ذلك يرقى إلى اعتراف بالذنب، وقد يكون لعنة! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: كيامبا - كينيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©