الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تراجع نظامها التعليمي مدفوعة بنصف مليون متسرب

الجزائر تراجع نظامها التعليمي مدفوعة بنصف مليون متسرب
28 ابريل 2013 20:29
حسين محمد (الجزائر) - لدى مولود سرُّوب أربعة أبناء، اثنان يدرسان في التعليم الابتدائي وابنة في التعليم المتوسط، وأخرى مقبلة على امتحان البكالوريا، وكلهم يتلقُّون دروس دعم المستوى بعد أن اشتكوا من صعوبة استيعاب الدروس المقررة، ما يرهق ميزانية البيت. ويقول سروب «إصلاح 2003 قام بتقديم مناهج التعليم الثانوي إلى التعليم المتوسط، ومناهج المتوسط إلى الابتدائي، بحجة رفع مستوى التعليم، ولكن تبيّن أنه كان خطأ فادحاً؛ كيف يمكن أن يفهم ابني الرياضيات وهو في الرابعة ابتدائي؟ هذه الدروس تتجاوز القدرات الذهنية للصغار، ومن لا يتلقى دروسا خصوصية يفشل في دراسته مبكراً»، ويعقب ابنه سمير على كلامه قائلاً «ندرُس الكثير من المواد في الابتدائي ومنها التربية العلمية والتربية التكنولوجية والتاريخ والرياضيات. وهذا كثير ويصعب علي فهمه». ويخشى سروب على ولده مصير نصف مليون طالب ممن تسربوا من المدارس بعد فشلهم في تخطي مراحل التعليم، وهو ما دفع وزارة التربية الجزائرية مؤخراً إلى فتح باب النقاش على مصراعيه للأسرة التعليمية قصد مراجعة عملية الإصلاح التربوي التي باشرتها سنة 2003. تصاعد المطالب بعد تصاعد المطالب المنادية بإصلاح التعليم في فترة التسعينيات، استجابت السلطات عام 2002 ووضعت لجنة خبراء لوضع تصوّر للإصلاح المنشود، وفي سنة 2003 شُرع بتنفيذ الإصلاحات الجديدة للتعليم، وتغيّرت المناهجُ والبرامج كلية، ومع أن نسبة النجاح في امتحانات نهاية التعليم الابتدائي والمتوسط والبكالوريا ارتفعت كثيراً وبلغت في البكالوريا حدود 60 بالمائة في السنوات الأخيرة مقارنة بـ20 إلى 30 بالمائة فقط قبل إصلاح 2003، إلا أن التلاميذ وأولياءهم اشتكوا مراراً من صعوبة المقررات والمناهج، ما أفضى إلى بروز ظاهرة الدروس التدعيمية (الخصوصية) على نطاق واسع. وبعد تزايد شكاوى المعلمين والأساتذة من صعوبة إيصال المعلومات إلى التلاميذ، وكذلك شكاوى جمعيات أولياء الأمور من صعوبة استيعاب أطفالهم للدروس المقررة في مختلف المواد ونفورهم ما كردّ فعل طبيعي، ما نجم عنه تزايدُ فشل التلاميذ في دراستهم حيث أصبح عدد المتسربين يتجاوز نصف مليون تلميذ فاشل في دراسته سنوياً، قرر وزيرُ التربية الجديد عبد اللطيف بابا أحمد، الذي خلف عرّاب إصلاحات 2003، أبو بكر بن بوزيد، مراجعة الإصلاحات التربوية مجدداً، بهدف رفع نسبة النجاح ومكافحة آفة تزايد التسرُّب أو الفشل الدراسي. وأعلن الوزيرُ أن النقاش التمهيدي سيستغرق نحو 70 يوماً، وقد انتهت هذه المرحلة فعلاً في 13 أبريل الجاري، على أن تُتبع بمرحلة أخرى تكون على شكل «جلسات وطنية للتربية» في يوليو المقبل. وطالب بابا أحمد كل خبراء التربية والتعليم بتقديم تصوُّراتهم واقتراحاتهم في هذه الجلسات، واعدا بدراستها ووضع أحسنها حيّز التطبيق ابتداءً من الفصل الدراسي القادم، الذي يبدأ في شهر سبتمبر المقبل، على أن يستمرّ التنفيذُ المتدرِّج عدة مواسم دراسية. من جهته، أكد مدير الديوان بوزارة التربية عبد الحكيم بلعابد أن «الإصلاحات ستبدأ بالمسائل الأكثر استعجالا وفي مقدمتها مراجعة المناهج التعليمية وتأهيل المعلمين وتحسين ظروف التعليم من خلال حل مشكلة الاكتظاظ داخل الصفوف الدراسية، وتوفير النقل والطعام للتلاميذ، بغية توفير ظروف أفضل لنجاحهم، إضافة إلى عصرنة تسيير المؤسسات التربوية». اعترافٌ ضمني ينظر متتبعون للشأن التربوي بالجزائر إلى أن هذا الإجراء يعدّ اعترافاً ضمنياً من الوزير الجديد بقصور الإصلاح التربوي لعام 2003، وحاجته إلى عملية «إصلاح» أخرى تحقنه بدم جديد، وتعالج الاختلالات العديدة التي ظهرت أثناء تطبيقه طيلة السنوات العشر السابقة، وأثرت سلباً في مستوى التلاميذ وفاقمت العنفَ في الوسط المدرسي، وزادت من عدد التلاميذ الذين يفشلون في دراستهم والذين يتلقفهم الشارع. في هذا الإطار، يقول المعلم والمسؤول بنقابة «المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني» مسعود بوذيبة، «اتسمت عملية الإصلاح التربوي لعام 2003 بتسرّع كبير في التطبيق، بدل أن تأخذ وقتاً كافياً للدراسة والتشاور حول العديد من النقاط الجوهرية ومنها آليات تنفيذها، وفي مقدّمتها تأهيل المدربين القادرين على تنفيذها باقتدار وفي مقدمتهم الأساتذة والمعلمون والمفتشون»، ويضيف «عِوض أن تركِّز وزارة التربية على هذه المسألة الجوهرية، قامت بإلغاء المعاهد التكنولوجية لتأهيل الأساتذة وتركت المَهمَّة للجامعة، إلا أنه اتضح لاحقاً أن المتخرجين في الجامعات والذين التحقوا بالتعليم في مختلف أطواره، غير مؤهّلين للتدريس لأنهم لم يتلقوا أي تدريب تربوي، فاعتمدوا على مجهوداتهم الشخصية ومارسوا التدريس بشكل عفوي وعانوا صعوبات كثيرة لإفهام التلاميذ والطلبة، لاسيما وأن مستوى الدروس المقررة عال، وأدى ذلك إلى تشنج العلاقة بين الأساتذة والطلبة وتفاقم الفشل الدراسي، والعنف في المؤسسات التربوية». من جهته، يعتبر المعلم والمسؤول بنقابة «عمال التربية والتكوين» مسعود عمراوي أن غياب تأهيل المدربين يُعدّ أحد أهم الاختلالات الحاصلة في قطاع التعليم الآن؛ فالجامعة التي أُسندت لها المهمة، لم تضطلع بهذا الدور، ولم يكن هناك أي تنسيق بين وزارتي التربية والتعليم العالي في هذه المسألة، ما انعكس سلباً على مستوى طلبة التعليم الثانوي. وفي التعليم الابتدائي يعتبر الوضعُ أسوأ بكثير بعد أن تبيّن أن البرامج المقررة تفوق القدرات الاستيعابية للأطفال الصغار، فكثرة المواد التعليمية تُرهق أذهانهم الصغيرة مثلما تُرهق الحقائبُ المدرسية أجسادَهم الغضة بثِقل كتُبها الكثيرة، ما أفضى إلى ضعف نتائج التلاميذ إلى درجة أن بعضهم ينتقل إلى التعليم المتوسط وهو لا يحسن القراءة والكتابة والحساب، وقد لجأت الوزارة إلى الإكثار من الامتحانات الاستدراكية لإنجاحهم، ما ينعكس سلباً على المستوى العام في باقي الأطوار. إنقاذ الأجيال يأمل الفاعلون في النظام التعليمي، أو ما يُعرف بـ»الأسرة التربوية» من معلِّمين وأساتذة ومفتشين وحتى جمعيات أولياء الأمور أن تفضي عملية «إصلاح الإصلاح التربوي لعام 2003» إلى إنقاذ الأجيال المقبلة من «الضياع»، واسترجاع النظام التعليمي وهجَه وجاذبيته، والشهادات مصداقيتها المفقودة. ويطالب الأساتذة وأولياء التلاميذ بـ»تخفيف المناهج» كأساس لعملية الإصلاح المنتظرة، وجعلها تناسب عقول التلاميذ وأعمارهم في مختلف المراحل التعليمية، إلا أن الأستاذ بوديبة ينبِّه إلى ضرورة أن تكون عملية التخفيف «مدروسة جيدا لضمان التواصل بين مختلف أطوار التعليم من دون وقوع اختلالات تؤثر سلبا في التحصيل العلمي للطلبة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©