الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب أفريقيا··· ما بعد الفصل العنصري

جنوب أفريقيا··· ما بعد الفصل العنصري
8 أكتوبر 2008 00:49
على غرار باقي الأحياء الهامشية المحيطة بالعاصمة ''جوهانسبيرج'' تمتد منطقة ''ديبسلوت'' بخليطها المتشابك من المباني الخرسانية والأكواخ الخشبية على مدى أميال عديدة، لتضم داخلها مستوطنات شاسعة من الفقراء الأكثر تهميشاً في المجتمع الجنوب أفريقي؛ وتصف المواطنة ''مونيكا اكزنجاتي'' ـ تعيش مع عائلة أخيها في أحد الأكواخ المنتشرة في المنطقة ـ واقعها قائلة: ''ليست هذه هي الحياة التي تمنيت أن أعيشها''· لكن خيبتها لا تقتصر على حظها العاثر في الحياة، بل تمتد إلى الوضع العام الذي آلت إليه جنوب أفريقيا، فبعد أربعة عشر عاماً على انتهاء نظام الفصل العنصري غرقت البلاد ـ التي تحولت إلى مصدر إلهام عالمي عقب تخلصها من ''الأبرتهايد'' ـ في مرحلة أخرى من التشاؤم والقلق حول مستقبلها، جراء المشاكل التي تعانيها وتهدد تقدمها ولتتشكل في الأخير صورة بعيدة عن تلك التي رسمها القائد الرمز ''نلسون مانديلا'' عن ''بلد بألوان الطيف'' كما صرح في أحد خطبه المبكرة· ولا تخفي ''اكزنجاتي'' تحسرها على الماضي قائلة: ''أتمنى لو يعود مانديلا، أو لو أستطيع أن أعطيه وصفة ترجعه إلى الشباب''؛ والواقع أن هذا التوق إلى الماضي واستحضار إنجازاته في سياق الحاضر يحمل في طياته أكثر من مجرد الحنين إلى أيام أفضل، بل يأتي في إطار الصراعات السياسية التي تهيمن على الساحة في جنوب أفريقيا وما يرافقها من اضطرابات تلقي بظلالها على حياة المواطنين ورؤيتهم للمستقبل· فقبل أسبوعين انتهى صراع سياسي طاحن إلى ما يشبه قتل الملك في القصص القديمة، بعدما نحّى حزب المؤتمر الوطني أحد أقطابه متمثلا في الرئيس ''تابو مبيكي'' واستبدله بغريمه القديم ''جاكوب زوما''؛ ومع أن تغيير الحرس داخل الحزب الحاكم كان سلساً في حد ذاته، إلا أن ما سبق ذلك من طعنات في الظهر وصراعات وراء الكواليس جعل العديد من المواطنين في جنوب أفريقيا يتوقون إلى أيام الوضوح الأخلاقي في الحياة السياسية، لا سيما الذين يتخوفون من شخصية يحوم حولها الكثير من الجدل مثل رئيس الحزب الجديد ''زوما''؛ وقد كانت السنة الماضية على وجه الخصوص عصيبة على الجنوب أفريقيين بعد توالي الأحداث المثيرة للخيبة والتشاؤم، دون أن تقتصر على النزاعات السياسية والتنافس المحتدم بين التيارات المختلفة داخل حزب المؤتمر الوطني؛ وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى التململ الاقتصادي بعد تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار، واندلاع أعمال عنف خطيرة استهدفت اللاجئين والأجانب في المدن الكبرى؛ وكأن تلك المشاكل لا تكفي للتأثير على المزاج العام للمواطنين وبث مشاعر الإحباط والقنوط في أنفسهم، فقط تعرضت شركة الطاقة الوطنية الأولى في البلاد لأعطاب غير مفهومة قطعت التيار الكهربائي على أحياء بأكملها؛ ويبدو أن التصور السائد حول جنوب أفريقيا من أنها محصنة ضد مظاهر عدم الكفاءة، كتلك التي أبانت عنها الشركة الوطنية للطاقة، قد بات من الماضي· لا يمكن الحديث عن جنوب أفريقيا دون التطرق أيضا إلى نسب الجريمة المرتفعة، لكن الأكثر خطورة ليس العدد الكبير للجرائم، بل بشاعتها والقسوة التي ترتكب بها، حيث غالباً ما ترافق جرائم السطو عمليات عنف شديدة، وتتناقل ألسنة الناس حالات مريعة من السحل والقتل رميا بالرصاص والتمثيل بالجثث وغيرها من الأساليب بالغة القسوة؛ وفيما يضع الفقراء المزيد من الأقفال على أبوابهم لحماية أنفسهم ودفع الأذى عن بيوتهم يسيج الأغنياء منازلهم بالأسلاك الشائكة، هناك إشارات تقول إن أعداداً متزايدة من السكان تفضل مغادرة البلاد، بحيث تظهر استطلاعات الرأي انتشاراً واسعاً لمشاعر عدم الثقة بين المواطنين في مؤسسات الدولة مثل الحكومة والشرطة والأحزاب السياسية وفي قدرتها على اجتراح الحلول المناسبة لمشاكل البلاد· ويبدو أن هالة التفاؤل التي أعقبت سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قد استبدلت بواقع مفعم بالصعوبات، كما أفسحت أيام ''مانديلا'' المليئة بالأمل، المجال للصراعات السياسية التي أعادت الحلبة إلى طابعها الإنساني الحافل بالتنافس على السلطة وتغليب المصلحة الشخصية؛ فبعد تسع سنوات قضاها ''مبيكي'' رئيساً للبلاد انحدرت صورته تدريجيا من الزعيم النخبوي، لكن ذا النوايا الحسنة، إلى شخصية كتومة ومتآمرة؛ فقد بذل في السنة الأخيرة جهوداً استثنائية لحماية قائد الشرطة الذي اتهم بالتغاضي عن بعض حالات السرقة؛ وفي الجهة المقابلة هناك ''زوما'' العدو اللدود لـ''مبيكي'' الذي سبق أن أقاله من منصب نائب الرئيس، والذي لا تخلو مسيرته السياسية من جدل أثير خصوصاً حول تهمة الاغتصاب التي وجهت له وبرأ القاضي ساحته؛ لكن مع ذلك استطاع ''زوما'' في شهر ديسمبر الماضي السيطرة على حزب المؤتمر الوطني ممهدا الطريق أمام وصوله إلى سدة الرئاسة بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العام ،2009 تلك الطريق التي تبدو معبدة أمامه، اللهم إذا حالت تهم الفساد الموجهة له دون اعتلائه منصب الرئاسة، حيث هدد بعض أتباعه في هذه الحالة باللجوء إلى ''القتل''· وفيما يغرق بعض المحللين في وصف الجوانب السلبية لمسيرة جنوب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة والمشاكل العديدة، التي تكابدها، يسعى البعض الآخر إلى استعادة بعض الثقة إلى المواطنين، والتذكير ببعض الحقائق كتلك التي يشير إليها المحلل السياسي''آدم حبيب'' في معرض دفاعه عما حققته البلاد؛ فرغم اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، يرى المحلل أن مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود بدأ يتحسن، كما أن مستويات الجريمة رغم ارتفاعها تبقى أقل من مستوياتها مقارنة بفترة الفصل العنصري· باري بيراك ـ جنوب أفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©