الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عطل في حياتي الزوجية

عطل في حياتي الزوجية
24 ديسمبر 2009 22:25
لم أعتد الاستجابة للرجال مهما كانوا، ولا أرد على ايديهم الممدودة، ولا اعتدت أن أخطو الخطوة الأولى نحو أي منهم مهما كانت الظروف، وفي كل موقف ادير لهم ظهري وأمضي إلى حال سبيلي، فقد تربيت على الجدية والاخلاق والعادات والتقاليد المحافظة، لكن هذه المرة وجدتني اضرب يدي في حقيبتي واستخرج بطاقتي واقدمها له ليكون بيننا اتصال أو لقاء آخر، لأن ما فعله يستحق ذلك ويجب ان يلقى من الشكر ما يكافأ به فقد استطاع أن يعيد للمروءة روحها المفقودة، وأن يرد الحياة للشجاعة والشهامة بلا مقابل، عندما تعطلت سيارتي فجأة وسط الشارع المزدحم بالسيارات المارقة، كنت حينها في حيص بيص، غرقت في شبر ماء ولا اعرف ماذا افعل ولا كيف اتصرف، وإذا به يندفع نحوي كيد من خلال الموج مدت لغريق، ويدفع السيارة نحو جانب الطريق ويقوم بفتحها ويستكشف العيب ويحاول إصلاحه وهو يتصبب عرقا في الشتاء البارد، تعرضت يداه وملابسه للاتساخ من الزيوت والأتربة العالقة بأجهزة ومعدات السيارة، كل ذلك وأنا جالسة داخلها لا أفعل شيئا، فقط أراقب قسمات وجهه وحركات يديه ولمسات اصابعه للأدوات والاسلاك كأنه فنان يرسم لوحة بدقة وعناية واهتمام وبعدما يزيد على الساعة انتهى من مهمته التي لم يكلفه بها أحد وتكفل بها بنفسه، وكنت حائرة فهل تكفي كلمات الشكر والامتنان والثناء لهذا الرجل على ما فعله؟ أم أسأله كم يريد مقابل جهده؟ أم أقوم بنفسي بتقدير ذلك وأدس المبلغ الذي يستحقه في يده بل وأكثر منه والموقف فعلا محير وبحاجة إلى كياسة في التعامل معه، فمثل هذا الكريم يجب ألا يهان، لكن ما يدريني أنه لا يريد أجرا؟ وهذا حقه ولا عيب فيه. إعجاب شديد المحصلة النهائية أنني كنت معجبة به إلى أبعد الحدود، وخشيت ان اجرح كبرياءه وأصبح الخروج من هذا الموقف أصعب عشرات المرات من مشكلة تعطل السيارة وتمنيت لحظتها لو انه يبادر من تلقاء نفسه ويطلب المبلغ الذي يريد، فهو بذلك سيعفيني من كل حرج لكنه لم يفعل وبعدما انهى اصلاح السيارة هرعت إلى قارورة الماء لأصبه على يديه لأجد مدخلا للحديث معه، وبدأته بتقديم الشكر وحاولت ان اطيل هذا الكلام لاصل من خلاله الى ما أريد لكنه كان ذكيا لماحا وفهم قصدي دون أن اصرح به واستطاع بحكمة ان يرفع عني الحرج وأيضا دون ان يحرجني وتمكن من توصيل رسالته إليّ بأنه ما فعل هذا الا لإخراجي من هذه الورطة وما هو بحاجة للمال من وراء الشهامة، ولا يريده ثمنا للمروءة، كنت اسمع كلماته وكأنه ينظم شعرا وبعدما أعطيته بطاقتي وبهارقم هاتفي كاد ينصرف دون أن اعرف اسمه وكان هذا دليلا اخر على مروءته فطلبت منه رقم هاتفه بحجة الاتصال به لإصلاح السيارة بشكل جيد وان لم يغب عنه ما ارمي اليه بأني أريد مكافأته على صنيعة. عدت إلى بيتي والسؤال الذي يتكرر عندي ويدق رأسي، هذا الرجل من يكون؟ وأجيب بنفسي لنفسي من وهم ووحي خيالي اجابات غير شافية كثيرة ومتعددة، فربما يكون مهندسا متخصصا في ميكانيكا السيارات إذ يبدو خبيرا بها من خلال تعامله مع عطل سيارتي ويؤيد ذلك هندامه وهيئته ورقي حديثه، هل هو مجرد فني حرفي من أبناء الاصول الذين لا يهتمون بالمال وهم في أشد الحاجة اليه؟ ام هو عابر سبيل لا علاقة له بهذا ولا ذاك؟ ومرت عدة أيام شغل خلالها تفكيري وانا أبحث عن هويته، والامر الوحيد الذي تأكدت منه أنه لن يبادر بالاتصال حتى لا يبدو انه يستغل الموقف للتعرف عليَّ أو لينال أجره بشكل أو آخر، فهو أكبر من ذلك بكثير فقد كانت تلك اللحظات والتصرفات كافية لاعرف شخصيته وكان لابد ان تأتي المبادرة مني ولدي المبررات التي تدفعني لذلك، اتصلت به ورحب بذهابي اليه لاصلاح سيارتي في ورشته التي يمتلكها ويعمل لديه فيها عدد من المتخصصين، وان لم اعرف حتى الآن من يكون؟ وفي بداية اللقاء ازداد السؤال صعوبة واصبح بلا إجابة، إذ هب من جلسته عندما رآني وامطرني بكلمات التحية والترحاب وحمل مقعدا بنفسه وقدمه لي ولم يتركه حتى استرحت في جلستي وأمر أحد الصبية بأن يأتيني بكوب من العصير، وأصدر أوامره المشددة للاخر بأن يهتم ويعتني بسيارتي ويفحصها بعناية وكاد يتفرغ في ذلك الوقت للحديث معي إلا قليلا من بعض المقاطعات من الاتصالات الهاتفية التي كان يستقبلها أو الاستفسارات من الزبائن المنتظرين في المكان، أو مطالب العاملين لديه ولكن خيط الحديث لا ينقطع رغم هذه الفواصل فهو من الذكاء بحيث لا يدع الحوار ينقطع، وكانت درجة الاهتمام كافية حتى لا ينسى ما يتكلم عنه من موضوعات وهو يطوف بي بين طفولته وشبابه وحياته ومعاناته ورحلة كفاحه. بالكاد يقرأ علمت أنه تلقى قسطاً يسيراً من التعليم وبالكاد الآن يعرف القراءة والكتابة والحساب وترك المدرسة بعد وفاة ابيه ولم يجد من ينفق عليه وعلى امه واخوته وأخواته وذاق الامرين وهو يعمل صبيا في ورش اصلاح السيارات لكنها جاءت في النهاية بفائدة فقد اصبح خبيرا في مهنته، وبإخلاصه استطاع ان يصل إلى ما هو فيه الآن ويصبح صاحب ورشة ناجحا، ولم تنقص هذه المعلومات من قدره عندي، بل اكبرته وازداد إعجابي به، ولا أنكر أنني تمنيت ان أجد رجلا مثله لارتبط به رغم الفارق التعليمي بيننا، فأنا حاصلة على مؤهل عال واعمل في وظيفة محترمة مرموقة، ولم لا والرجل لا ينقصه شيء بل فيه مميزات لا أجدها في الكثيرين من ارباب الوظائف والحاصلين على أعلى المؤهلات وارفع الشهادات، كما ان الدنيا تطورت وتغيرت ولم تعد الشخصية بما تحمله من درجة علمية، ولكن بما تملكه من اموال واحترام، وتعددت لقاءاتنا وتحول الاعجاب بيننا إلى حب، واعترف بأنني شجعته على اتخاذ خطوة نحو طلب يدي ولكن وجدتني كأنني اسير عكس التيار عندما اصطدمت بالرفض التام من اسرتي بسبب الفارق العلمي بيننا ولم اجد مخرجا لذلك إلا ان أضرب مثلا بأختي الكبرى التي تزوجت رجلا أعلى منها في الدرجة العلمية ولم يكن ذلك سببا في تحقيق السعادة والتوافق بينهما، والخلافات هي عنوان حياتهما الزوجية وارتديت ثوب الضحية امام اسرتي وتعهدت بتحمل النتيجة ودافعت عن حبي باستماتة ولم استسلم فقد كانت قناعتي به بلا حدود وفي النهاية انصاع الجميع ورفعوا الراية البيضاء ووافقوا على هذه الزيجة وهم يراهنون على فشلها مسبقا، وأنا اراهن على انها ستكون مثالا للاتفاق والتوافق وخاصة انني عكس فتيات هذه الاجيال اللاتي يحلمن بالفيلا والسيارة والرصيد الكبير في البنك واريد ان يتحقق ذلك ولكن بأيدينا أنا وهو معاً ولا ارغب في الحصول عليه بسهولة. زواج مستهجن تم الزواج وسط استهجان كل من حولي واستنكار كل من يعرفونني وربما تهديدات بالمقاطعة تلميحا وتصريحاً، وكانت السعادة التي غمرتني في شهر العسل أكبر دليل على خطأ وجهة نظرهم وقصور رؤيتهم حتى انهم لم يصدقوا، لكن ذلك لم يستمر طويلا بعدما بدأنا حياتنا على طبيعتها فظهرت على السطح الاختلافات والفروق التعليمية في كثير من الاراء والتصرفات والقرارات، وخشيت ان يحملوني المسؤولية ويشمتوا بي لذلك كنت اخفي كل ذلك وأطأطئ رأسي لتمريره وحتى لا يصل إلى آذانهم فتأتيهم الفرصة على طبق من ذهب لتوجيه سهام النقد إليَّ وزاد قدوم طفلنا الاول الضغوط النفسية التي تحملتها وحدي وللحقيقة والانصاف فإن زوجي لم يتغير ولم اخدع فيه ولم يكن يتجمل فيما قلته عنه، ولكن الشقاق الذي دب بيننا كان في طريقة التفكير والاهتمامات فلم تكن بيننا نقطة التقاء في الثقافة ولا الاتجاهات ومن جانبي لم أتنازل وكنت اصر على موقفي وعلى رأيي ولم تكن سهام شهامته التي اصابتني وأوقعتني في شباكه مزيفة لكنها لم تكن كافية لتضييق الفجوة والهوة في وجهات النظر، فلم يكن بيننا حوار في القضايا المشتركة وهو يريد أن يفرض رأيه فقط من منطلق انه رجل وأنا امرأة وأن يتخذ القرارات بانفراد دون الرجوع إليًّ وهنا رأيت انه لابد أن تكون لي وقفة حاسمة خاصة بعدما رفض النقاش وكنت قد تغاضيت عن محاولاته المستمرة والواضحة أمام الاخرين بأن يظهر سيطرته وشخصيته ويحاول تهميشي ليبدو الرجل الذي لا يقهر، حتى طالبني بترك العمل ليقضي على البقية الباقية من شخصيتي، ولم يترك شيئا بعد ذلك أخاف عليه، وتأكدت انه يريد جارية يأمر فتطيع وتخدم وتغسل الملابس وتنظف البيت ولا حق لها غير الطعام والشراب وأيضا بإذنه، وأوصلني إلى حد الانفجار عندما لم يترك لي مفرا او متنفسا، لم يدع أمامي خيارا آخر غير ان اترك بيته واعود إلى بيت أبي، وان لم أكن أول امرأة تغضب من زوجها ولا اول امرأة تعود إلى بيت ابيها، إلا أنني كنت أول امرأة يكون استقبالها بالشماتة واللوم. الآن وأنا على مشارف الطلاق، مازلت أرى أنني لم أكن مخطئة ويرون انني أكابر ولا أريد الاعتراف بالحقيقة فلا هو ترك موضعا للصلح، ولا هم يريدون السكوت وأنا لا أدري ماذا أريد؟
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©