الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جريمة مجنونة

جريمة مجنونة
24 ديسمبر 2009 22:25
ملابسها غير مهندمة، تبدو عليها العشوائية وعدم النظام، تفتقد الأناقة ومظهرها ينم عن شخصيتها ونظراتها زائغة لا تركز على مكان وتدور بعينيها في الغرفة كأنها تبحث عن شيء أو تراقب حدثا مهما، تائهة في هذا الحيز الضيق، لم يقترب مشط من شعرها منذ عدة أيام، تشبك أصابع يديها ثم تعيد فكها بعد تداخلها بطريقة عصبية تنم عنها الرعشة الخفيفة الظاهرة على أطرافها ولا تستقر في مقعدها، مرة تجلس عليه، ومرة تجلس على الأرض دون ان تفترش شيئاً، ولا تهتم بذلك، غامضة بكل المقاييس لا تهتم بما يدور حولها وكأنها لا تشعر بالكثيرين من المحيطين بها وهم في حركة تؤكد اضطرابهم وقلقهم، والأهم أنها لا ترد ولا تجيب عن أي سؤال ولا تنكر الجريمة ولا تعترف بارتكابها، فقط تقلب أصابعها المخضبة بالدماء التي جفت وتتلمس الدم العالق بملابسها ويبدو أنها تريد ان تسأل ما هذا؟ وتنقلب الحال وتطلق ضحكات هستيرية عالية متوالية للحظات، ثم تتحول إلى الاتجاه المعاكس وتبكي بنفس النبرات بدموع غزيرة تنطلق مثل الصنابير وتهدأ فجأة كأن شيئا لم يكن، تدس رأسها بين يديها وركبتيها وهي تنزوي في أحد الاركان، ثم ترتمي وتروح في نوم عميق، ولولا أنفاسها الهادئة البطيئة لظن الناظر إليها أنها ميتة او غير موجودة في المكان، او مجرد جماد كإحدى قطع الأثاث، والأمر يزداد تعقيداً. جريمة بشعة يأتي الزوج ليدلي بأقواله حول الجريمة البشعة، يقول انه خرج في الصباح الباكر إلى عمله كالمعتاد وترك الزوجة مع طفلهما الوحيد الذي أكمل عامه الثاني، ولم يكن هناك جديد في حياتهما بعدما حدث قبل ثلاثة أيام، فقد كانت تربطه بها صلة قرابة، فهي ابنة خالته، تربت بالقرب منه يعرفها منذ نعومة أظافرهما لم يجمع بينهما الحب ولكنه يستريح لها ويكفي انه متأكد من حسن اخلاقها، لذلك لم يتردد في الارتباط بها وان كانت غير جميلة ولا يحسب لذلك حسابا، عاش معها في استقرار في الطابق الأرضي بمنزل والده ويقيم أخوته في الطوابق العليا، يلتقون جميعا عدة مرات في اليوم أهمها لقاء المساء بعدما ينتهون من تناول طعام العشاء، ليس هناك ما يعكر صفوهما، بل توثق ارتباطهما وازدانت الاجواء بقدوم هذا الطفل الوديع، كالزهرة المتفتحة ينتشر عبيرها حولهما وهما يرقبانه ينمو بينهما، ربما يشتبكان في نزاع مثل مناوشات القطط وهي تلعب مع بعضها، كل منهما يريد أن يستأثر بالصغير، أما ما حدث قبل ثلاثة أيام فقد كان عارضاً ولم يتكرر من قبل ولا من بعد عندما شاهدها في حالة اكتئاب شديد، تهذي بكلمات غير مفهومة، تحّدث نفسها، تأتي بأفعال غير معتادة، تقول إنها ترى اشخاصا غرباء في شقتها، افعالها جنونية ولا تدرك تصرفاتها واجرى اتصالا بشقيقها لمساعدته في عرضها على طبيب متخصص في الامراض النفسية والعصبية ولم يتم ذلك على وجه السرعة لان حالتها تلك لم تستمر على هذه الوتيرة وهدأت نسبياً وإن لم تعد إلى طبيعتها، واليوم تلقى اتصالاً هاتفياً بوقوع هذه المذبحة في شقته وعندما حضر كانت المفاجأة الدامية. حلول الألغاز أما «يوسف» ابن شقيقه البالغ من العمر ثلاث سنوات فقط، كانت عنده حلول الألغاز والاجابة عن الاسئلة المستعصية وبدا عليه الرعب، ولم تنجح الجهود في تهدئته تماما وان استطاعت ان تشعره بالأمان، جاءت كلماته مقتضبة لكن من خلال التساؤلات الكثيرة كان الوصف الدقيق للمشاهد الدامية والجريمة الغريبة التي لم يسبقها الاصرار ولا الترصد، ولم يكن الدافع لها الحقد أو الانتقام بل ليس لها أي دافع من الأصل، ليست بين خصمين أو غريمين وليست بين أشخاص طامعين في المال والجاه وليست ايضا اخذا بالثأر انها بلا سبب ولا يصدقها العقل هي اقرب للخيال والدراما وبعيدة عن الواقع والحقيقة. قال شاهد العيان الصغير إنه كعادته في معظم الايام هبط وابنة عمه ذات السنوات الخمس إلى شقة عمه في الطابق الارضي للعب مع «عنتر» ابن العامين وزوجة عمه «هاجر» تعد لهم اللبن والسندوتشات، يقضي الصغار الثلاثة عدة ساعات مستغرقين في لهوهم البريء، اليوم وجد الباب مفتوحا اجتمع مع الصغيرين الآخرين، دخلوا في حصة اللعب مباشرة، لم يهتم أي منهم بأن «هاجر» لم تحضر اللبن والطعام كما تعودوا ولكن اهتمامهم كان باللعب أكثر، وذهب إلى أحد الاركان يبحث عن لعبة، تسمرت قدماه وهو يراها تحمل سكين المطبخ. جزار عنيف إنها زوجة عمه كأنها جزار يستعد لمطاردة ثور هائج اتجهت نحو ابنها وابنة عمه وهما لا يدركان ولا يهتمان بها ولا يتوقعان ما هي مقبلة عليه، بل ابتسم ابنها كأنه يوجه إليها التحية فهو لا يجيد الكلام بعد ولكن رد التحية كان مغايراً، فقد أمسكت به وهي تحتضنه وفصلت رأسه عن جسده وهي تحدق في الدماء التي تسيل وتتناثر، وفي ثوان معدودة كان الصغير قطعتين، جسدا بلا روح، جاءت خلالها صرخات «فاتن» التي كانت بجواره ترى المشهد الرهيب وفقدت الوعي من هول ما رأت فكانت نهايتها التي لم تشعر بها، فقد امتدت يدا «هاجر» لتطبق عليها وتنحرها هي الأخرى مثل الشاه، ثم تمسك بالجثتين وتبدأ تقطيعهما، كأنها جزار يتعامل مع ذبيحتين، كانت تفعل ذلك ببطء وهدوء حتى ألقت السكين جانباً. وقال الصغير وهو يبكي: حينها ادركت أنني ميت لا محالة، وبعد لحظات قليلة سيأتي دوري وانها تبحث الآن عني لتذبحني مثلهما، كتمت أنفاسي حتى كدت أموت، تجمدت اطرافي، حاولت ان اسيطر على جسدي الذي تحركه دقات قلبي التي اسمعها حتى خشيت أن تسمعها هي فتعرف مكاني وتأتي اليًّ واصبح مثل صديقي وصديقتي ابني عمي في خبر كان، لم اصدق عيني عندما وجدتها تعبث بالدماء وبالأجزاء الآدمية للصغيرين، ثم تنام، لم أجرؤ على الحركة ولا على الهرب فهي في الطريق بيني وبين باب الشقة ولا استطيع فتح الباب بنفسي، بل لم استطع الوقوف على قدمي من الأصل. وعندما سمعت طرقات شديدة على باب الشقة عادت دقات قلبي تتسارع من جديد، تضاعف عندي الرعب والخوف وأصبت بالخرس وعجزت عن الكلام، وحتى لو كنت استطيع الكلام ما فتحت فمي خوفاً منها، وظللت في مكاني منزوياً إلى ان فوجئت بأعمامي يحطمون الباب ويدخلون وتقع أعينهم على جثتي الصغيرين إرباً، وتنطلق صرخاتهم، اقتربوا مني فلم أتحرك، أو لم أتمكن من الحركة، حملوني فإذا بي قد تبولت على نفسي مما رأت عيناي، لم يصدق أحد ان «هاجر» ذبحت ابنها وابنة شقيق زوجها. ويلقى القبض عليها ويؤكد الأطباء انها أصيبت بلوثة عقلية ارتكبت خلالها هذه الجريمة البشعة، ولأنها غير مسؤولة عن أفعالها في هذه اللحظة تقرر النيابة التحفظ عليها وإحالتها إلى مستشفى الأمراض العقلية، لتصبح الجريمة رغم توافر الأدلة بلا عقاب، لأنها وقعت في لحظة جنون
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©