الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أرفض أن أكون في «غرشة» مخلل

أرفض أن أكون في «غرشة» مخلل
28 ابريل 2012
هذا المقال منشور في صفحة المقالات الساخرة بالجريدة، ويفترض أن ينشر في الصفحة الأولى، فأنا أكتب بكامل قواي العقلية وأقف على الدرج الأخير من سُلّم الجدية. فكرة المقال جاءتني بعد أن سمعت هذا السؤال: هل أنت موافق على مبدأ التبرّع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة؟ وكانت إجابتي على لساني قبل أن أصل إلى علامة الاستفهام: كلا. فما دام ثبت أن هناك أشخاصاً قرر الأطباء أنهم ميتون ثم قاموا من موتهم إما بين يدي المغسّل أو في ثلاجة الموتى أو من فوق النعش أو من داخل القبر، وأي شيء يحصل مرة فقد يحصل مرة أخرى، فإنني أرفض التبرّع حتى بضرس واحد بعد موتي الذي قد لا يكون حقيقياً، أما إذا مت حقيقة، فإنني موافق لكن بشرط واحد فقط، هو أن يجيب الطبيب عن السؤال الآتي: ما دمت لست ميتاً يا دكتور لتعرف من هو الميت، فكيف تقرر أن هذه الجثة بلا روح؟ إن جميع الأطباء في العالم لا يعرفون ما هي الروح، وليس هناك إنسان يعرف الروح إلا إذا كان دجالاً أغبر. وليس هناك أي طبيب في العالم يعرف من هو الميت حقيقة، هم يعرفون من هو ليس حياً حسب العلامات التي يعرفها الأحياء. الموتى وحدهم يعرفون الميتين، لذلك فإن الطبيب المسؤول يجب أن يموت أولاً ليعرف إن كنتُ ميتاً مثله، ثم يستطيع العودة للحياة ويكتب في الورقة: فلان ميت. وعلى أهلي أن يشغلوا عقولهم في تلك اللحظة ويمسكوا بتلابيبه ويسألوه: ما دمت متّ وعرفت أن قريبنا المسجى هنا ميت، وأنت الآن حي، فلم لا يحظى هو أيضاً بفرصة الحياة مثلك؟ أعتقد أنه لن يفهم معنى ما أقول إلا الموتى، ويجب أن آخذ هذا المقال إلى المقابر وأنتظر إجابة تخرج من تحت الرمال: مقال جميل يا أخ أحمد، وما تقوله صحيح، فنحن في لحظة ما لم نكن أحياء في نظر الأحياء، وتم دفننا هنا على عجل، لكننا لم نكن موتى في نظر الموتى. هل هذا مزح أم جد؟ في الحقيقة لم أعد أعرف، وأشعر بأنني أقطع مشواراً طويلاً ثم أجد نفسي في المربع الأول: هل نحن أصلاً أحياء أم مجرد موتى سنصبح أحياءً بعد موتنا؟ ما دامت الحياة الأخرى هي الأصل، وما دامت أرواحنا هي التي ستكون هناك وليس أجسادنا التي نراها تتحلل في القبور، وما دمنا لا نعرف ماذا يعني «روح»، فما هو الأساس الذي نبني عليه في عملية التبرّع بأعضائنا البشرية؟ هل هناك ضمان بأن أرواحنا لن تحتاج إلى أجسادنا في يوم ما أو مكان ما؟ هل هناك منظمة دولية تصدر شهادات موثقة بأن كل شخص يتبرع بأعضائه بعد «وفاته» سترد إليه كاملة غير منقوصة لو تبيّن في العالم الآخر أن الأرواح بحاجة إلى قوالب تتحرك من خلالها؟ هل هناك شخص يمكن أن يعطيني إجابة منطقية وشافية لسؤال أو عتاب قد يوجّه إليّ من روحي: لم تنازلت يا غبي عن الآلة التي كنا نتحرك فيها معاً؟ هل يعجبك هذا الوضع الآن: نحن روح فقط ولا مكان لنا لأنك في لحظة حماسة تخليت عن الشيء الذي كان يحملنا؟ سأعود إلى الكلام الصالح للنشر: لنفترض أن الطبيب قرر أنني ميت، وكنت قد قررت التبرّع، لكنني لم أكن ميتاً وإنما في غيبوبة أو شيء من هذا القبيل وفي كامل وعيي بيني وبين نفسي وأشعر بكل شيء يحدث على طاولة التقطيع، فماذا سيكون موقفي حين يقطعون رجلي، ثم يقتلعون عيني، ثم يأخذون كليتي، ثم حين يصلون إلى قلبي، وقبل أن يستأصلوه يلاحظون أنه لا يزال ينبض، وأنه حي، يعني أن روحي بقيت في قلبي، وليس هناك أي عضو آخر يمكن أن يجعل من ذلك القلب إنساناً صالحاً للسير، فماذا سيفعلون بي؟ هل سيعتبرون قلبي هو أساس بيت حياتي ثم يأتون بأعضاء من جثث يوصلونها من خلال الشرايين والأوردة بقلبي ثم يحشونها كلها في جلد إنسان ميت فأصبح أنا، ثم أذهب إلى بيتي وأنا على هيئة لا تمت لهيئتي الحالية بصلة إلا صلة القلب، وأقول لزوجتي: أنا زوجك، أقصد إن قلبي هو قلب زوجك. ألن تصفعني زوجتي على وجه ذلك الإنسان ويهرب مني أولادي؟ أم أن الأطباء لن يركّبوا جثة ميت على قلبي الحي، لكنهم سيضعونني في «غرشة» مخلل ويسلمونني لزوجتي ويقولون لها: هذا زوجك، لقد تبين أنه حي. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©