استطعت أن أرى نهاية العصر الذي كان يعتبر البدانة علامة مؤكدة على الصحة، وأذكر أن خالتي كانت تحكي لي عن انبهارها الشديد بصبي بدين، وجدته جالسا ينتظر الحافلة فقرر ألا يضيع وقته و»نسف» ثلاث شطائر أخرجها من كيس ورقي معه. كانت ترى هذه قمة الانتفاع بالوقت.. ويبدو أنني تعلمت منها أن البدانة شيء رائع، إلى أن اصطدمت في المدرسة الابتدائية بحقيقتين: 1- البدانة شيء كريه... 2- أنا بدين جدا.. جدا ..
ومنذ ذلك الوقت، تحولت حياتي لمشكلة ضميرية وسلسلة من لوم النفس. دائما أنت تحب الطعام ودائما تشعر بتأنيب الضمير وأنت تكتشف في المرآة أنك تحولت إلى دب. لقد استطاع الأطباء أن يخترعوا السرطان ويخترعوا البدانة وهما مرضان لم يكن لهما وجود في السابق.. هل سمعت عن أي شخص أصيب بالسرطان أيام الدولة العباسية؟ لقد صارت النحافة مشكلة وقضية العصر، وصار منظر موديل الإعلان بجسده الممشوق وبطنه المليئة بالعضلات هو الصورة المثلى للذكر. وعلى البؤساء أصحاب الكرش الذين لا يقدرون على رؤية أقدامهم أبدا، أن ينتحروا أو يموتوا..
الفكرة هي أنها لعبة غير عادلة. لي صديق التهم أمامي ثلاث قطع من الشيكولاته ثم قضيبين من الحلوى، بعد هذا أكل آيس كريم ثم التهم كيسا من البطاطس المقلية، وبعدها راح يشفط العصير من علبة معدنية، حتى شعرت بالغثيان.. أقسم بالله أن هذا حدث فعلاً.. ثم تكتشف أن وزن هذا الصديق أقل من اللازم. هناك كذلك أفراد لديهم قدرة فائقة على فقدان الوزن متى أرادوا. عرفت من يفقدون عشرين كيلوجراما في شهر واحد معتمدين على الإرادة وحدها.. وتقابلهم فتجدهم يشبهون سحالي الإجوانا بسبب الجلد المتهدل تحت ذقونهم، لكنهم يسترجعون أوزانهم بسرعة البرق.. خلال أسبوع تجدهم قد استردوا ما فقدوه...
يقول خبراء التغذية، إن تقليل الطعام بالتدريج مع الرياضة مهمان جدا. لهذا قررت أن أمارس بعض الرياضة. اشتريت دراجة ثابتة ورحت أبدل عليها.. أبدل.. حتى لم أعد أشعر بساقي وشعرت بأنني تحولت إلى قلم رصاص.. في النهاية اكتشفت أنني أحرقت ثلاثين سعرا فقط.. أي إنه كان بوسعي تحقيق هذا وأنا مستريح لو استغنيت عن ملعقة سكر واحدة!
لا توجد طريقة لفقد الوزن أبدا.. لا توجد طريقة لحرق السعرات أبدا.. الزيادة دائما أكثر من الخسارة.. لو انك تسلقت جبال الهملايا فلسوف تجد أنك لم تحرق السعرات الموجودة في طبق أرز.. إن ساعة من رياضة الاسكواش تحرق 600 سعر، وهو ما تستطيع مئة جرام من الآيس كريم مع بعض الجلاش أن تنسفه نسفا..
هناك أكلات قليلة السعرات.. يمكنك الاكتفاء بأكل الزعتر الفارسي والكباد والتشباتي والجبن الحلوم.. ويا سلام لو أضفت لها الشمندر والجيكو.. لكن هل تعرف معنى هذه الأكلات حقًا؟.. هناك احتمال لا بأس به أن تتلقى الشتائم لو ذهبت للسوبر ماركت باحثًا عن جيكو.
نعم.. يبدو أن النحول والبدانة لعبة شطرنج خاصة بين هرموني الانسولين واللبتين، ونحن ضحايا معدومو الحيلة نقف بينهما. ويوما ما عندما يصل العلم إلى ما وصلت له أنا، سيقررون أن الحمية لا تفيد.. وأن العلاج بالهرمونات هو الحل الوحيد.. وسيكتشفون أن الرياضة بأنواعها مضرة وعمل غير إنساني..
حتى ذلك الحين السعيد أقوم بحرق ما أستطيع بطريقتي.. مثلاً اكتشفت أن النوم يحرق سبعين سعرا في الساعة.. إذن نوم 10 ساعات يحرق 700 سعر.. الجلوس بلا عمل أي شيء يحرق مئة سعر في الساعة، لذا أحاول الجلوس 4 ساعات متواصلة يوميا ويا حبذا لو أضفت لهذا مشاهدة التلفزيون، فهناك خبير قال إن هناك من يفقدون الوزن بسبب مجهود عضلات العينين!.. سوف أجلب كيسا من الفول السوداني كي أضيف جهد المضغ إلى ما سبق..
هذا هو ما أستطيع عمله إلى أن يخترع هؤلاء الحمقى حبوبا حقيقية لفقدان الوزن.. يومها أعدك بأن أشتريها لو أنني ظللت حيا أو ظللت قادرا على اجتياز باب الغرفة!
?
د. أحمد خالد توفيق
عدد اليوم
