الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين إبريقين

بين إبريقين
28 ابريل 2012
لندخل في الموضوع مباشرة بدون لت وعجن، تخيلوا لو أن شركات الخلويات أدخلت خدمة الاستماع للطرف الاخر عدة دقائق بعد إغلاق الهاتف، وهي قضية ممكنة نظريا، وباعت هذه الخدمة للراغبين.. وتخيلوا أننا تمكنا من تسجيل ورصد بعض هذه المكالمات خلال الاتصال، بين أي اثنين أردنيين وبعده. سنجد خلال الاتصال عبارات التقدير والمحبة والشوق والحنين «حبيبي.. هلا بالغالي... تاج راسي»، وهي حسب اللهجة المحكية في كل بلد عربي إمعانا في المحبة. ثم، وبعد إغلاق الخط مباشرة ومنذ الفانية الأولى– والفانية هي جزء من الثانية، حسب سعيد صالح في مسرحية «العيال كبرت»-، وإذا كان الرجل مشتركا في خدمة استمرار السماع بعد إغلاق الهاتف، فإنه سيستمع بلا شك الى عبارات لا نستطيع ذكرها لا في صحيفة ولا في إذاعة، لأنها تشتمل على أنواع ثقيلة جدا من الشتائم والمسبات الخادشة للحياء العام، وبكل اللهجات التي نعرفها. وهذه الطريقة يمارسها- بكل أسف- معظم أبناء الشعب الأردني، والعربي بالتأكيد.. فالحال من بعضه وهي عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، ولا يوقفها عمر ولا دين ولا جنس ولا صراع طبقي، وأكاد أكون شاهدا على مكالمة أو أكثر، من هذا النوع يوميا.. مثلكم جميعا. لو كانت هذه القضية تنحصر في مجرد العلاقات بين الأفراد لتم حلها بالتراضي أو بصلحة عشائرية، لكن هذه الطريقة للأسف تحكم علاقة المسؤول بالناس وعلاقة الحكومات بالشعب وعلاقات الشعب بالحكومة، الكل يطبطب على الكل، ويكيل له المديح الذي يصل الى حد التذلل أحيانا، ويقول له بأنه يفديه بروحه، ولكنه عندما يدير وجهه يقول كلاما معاكسا، تماما. هذه – يا سادة يا كرام- ممارسة طبيعية عندنا، كالتدخين والسير على الطرقات والتنفس.... ولن نشعر بغرابتها إلا إذا فكرنا فيها، وهذا المقال، هو مجرد محاولة للتفكير – ولو للحظة- في هذه الممارسة اللا أخلاقية، لعلنا ننبذها تدريجياً. ??? كان أخي نبيل يبدأ صباحه- لا بل فجره - بوضع زنبعة إبريق الشاي العملاق في فمه وطرقعته، حتى الجزيء الأخير من ذلك السائل الأسمر البائت من الليلة الفائتة. بالمناسبة، لم يكن أحد ينافس أخي على الشاي البائت، لكنه كان يمتلك حسا أمنيا شفافا يجعله يكرع الإبريق، ونحن نيام، خوفا من رغبة مفاجئة لأحدنا في المنافسة. وبالمناسبة أيضا فقد صرت «أتنركز» من شرب الشاي جراء الطريقة اللاحضارية التي كان يعتمدها أخي في التعاطي. في تلك الفترة قرأت قصة إبريق الزيت... وقصة إبريق الزيت التي نستخدمها دلالة على التكرار، تروى عن من كان في جنوب لبنان قبل قرنين أو أكثر، كان يجمع التبرعات من القرية لبناء سور خارجي للكنيسة، وكان يحث الناس على التبرع عن طريق التحدث عن تلك المرأة العجوز التي زارها أحد القديسين على شكل رجل فقير، ولم يكن لديها سوى القليل من الطحين، وعدة نقاط من الزيت في إبريق، خلطتها مع الماء، وصنعت رغيف خبز وأطعمت الرجل. المعجزة، أنه في صباح اليوم التالي وجدت إبريق الزيت مملوءا، وكيس الطحين مملوءا، وكلما غرفت منهما كلما عادا وامتلآ من جديد.. والمقصود أن من يعمل الخير يعود اليه أضعافا مضاعفة. بين إبريق الشاي الذي كان يطرقعه أخي نبيل، وبين إبريق الزيت الذي كانت تملأه المعجزة يوميا نشأت أنا، محشورا بين إبريق الشاي وإبريق الزيت.... وما الكتابة الساخرة الا طقطقة عظامي المهروسة بين الإبريقين. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©