الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب قبل الإسلام طُعِمُوا من جُوع حين أكلوا لحوم الطرائد

العرب قبل الإسلام طُعِمُوا من جُوع حين أكلوا لحوم الطرائد
8 أكتوبر 2008 23:12
ورد في القرآن العزيز ما يشير إلى أن العرب كانوا يعرفون تعليم الجوارح قبل الإسلام، وذلك بقوله جلّ جلاله في سورة المائدة/ 4: يسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب · وتكاد أن تتشابه معاني مُفردات القنصّ والصّيْد في كتب ومَعَاجِم اللغة العربية وعدم التفريق بينهما من حيث المعنى· فعرّفت تلكم المَعاجِم القنصَّ بأنّه: الصّيْد وجعلتهما لفظين مُترادفين لكنّ المتتبع لاستعمال هاتين الكلمتين عند الكُتّاب والشّعراء يلاحظ أنّهم جعلوا لفظة الصّيْد أعمّ من لفظة القنصّ فاستعملوا الأولى في صيدّ البرّ والبحر معا، واستعملوا الثانية في صيدّ البر وحده وعلى ذلك قول الشاعر النابغة الذبياني أهوى له قانِص يسعَى بأكْلُبه · إنّ العرب لم يستعملوا الضواري منها في الصّيْد استعمالاً شائعاً إلاّ الكلاب - وإن كانوا هم أوّل من ضَرَّى الفهد - بينما لم يُضرّوا من الجوارح إلاّ الصّقر، بل إنّهم لم يكونوا قادرين على التفريق بينهما لذلك دعوا كلّ جارح يصيد صقراً· وأشارت معاجم العربيّة إلى معانٍ وافرات عن معاني كلمة الصّقر· يقول ابن منظور في معجمه لسان العرب عن الصّقر بأنّه: الطائر الذي يُصاد به، من الـجوارح· وأشار ابن سيده بأنّ الصّقر: كل شيء يصيد من البزاة والشواهين، والـجمع أصقر وصقور· وصقورة وصـقار وصقارة· والصّقر: جمع الصقور الذي هو جمع صقر؛ أنشد ابن الأعرابي: كأن عينـيه، إذا توقدا، عينا قطامي من الصّقر بدا أما الخليل بن أحمد الفراهيدي البصريّ فقال عن الصّقر في معجمه ''العين'': الصّقر من الجوارح، وبالسين جائز· والصاقرة والصاقورة: النازلة الشديدة· والصاقورة: اسم السماء الدنيا· والصّقر لغة في السفر، وهو شدة وقع الشمس، قال الشاعر: إذا مالت الشمس اتقى صقراتها بينما ذكر الرازي الصّقر في مختار الصحاح قائلاً ''الصّقر الطائر الذي يصاد به والصّقر أيضا الدبس عند أهل المدينة''· الصّيْد والقنص يعني الصّيْد في لغة العرب أخذُ الحيوان وتصيُّده، وهو يُطلق على ما تُصُيّد أيضاً، حيث وُضِعَ المصدر موضع المفعول وسُمِيّ به· وتُطلق كلمة الصّيْد على صيدّ البرّ والبحر، قال تعالى ''أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ''· وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: صاده يصيده ويصاده: اصطاده، وخرج يتصيّد· والصّيْد: المصيد، أو ما كان ممتنعاً ولا مالك له· الرازي والصّيْد أشار مؤلف الصِحَاح الرازي إلى الصّيْد بقوله: الصّيْد، بالتـحريك: مصدر الأصيد، وهو الذي يرفع رأسه كبراً· ومنه قـيل للملك أصيد· وأصله فـي البعير يكون به داء فـي رأسه فـيرفعه· ويقال: إنما قيل للملك أصيد لأنّه لا يتلفت يمينا ولا شمالا، وكذلك الذي لا يستطيع الالتفات من داء· أما كلمة ''القنصّ'' في اللغة فتعني: الصّيْد حيث يُقال: قَنَصَ الصّيْد يقنصه قنْصاً وقنَصاً، وأقتنصه وتقنّصه أي صاده· والقَنصُ والقَنيصُ ما أقتُنِصَ، والقنيص والقنّاص والقانِص الصائِد، والقُنَّاص: جمع قانِص· بينما تعني كلمة ''الطَرْد'' في العربية: الشَّلُّ، يُقالُ: طرده يطرُده طَرْداً وطرَداً أي شلّه، والطرْدُ والطرَد الإبعَاد، والطريدة ما طردتَ من صيد وغيره، والمُطاردة في القتال أن يطرد بعض المُقاتلين بعضاً· وفي الحديث الشريف: ''كُنتُ أُطارد حيّة أي أخدعها لأصيدها ومنه طِراد الصّيْد، والمِطْردَ: رُمح قصير يُطرَدُ به وتُطعَن به الوحش، والطَريدة: ما طردْتَ من وحش ونحوه· وروى الصحابي سعيد بن المسيب عن الصحابي سلمان الفارسي رضيّ الله عنهما أنّه قال: ''إذا أرسلت كلبك أو بازِك أو صقرِك على الصّيْد فأكل منه فكل وإن أكل نصفه''· الجوارح من ذوات الصّيْد الجوارح من الطير والسِباع والكلاب: ذوات الصّيْد لأنّها تـجرح لأهلها أي تكسب لهم، والواحدة منها جارحة؛ فالبازيّ جارحة، والكلب الضاريّ جارحة؛ قال الأزهري: سُمِيّت بذلك لأنّها كواسب أنفسها من قولك: جرح واجترح· وذكر صاحب القاموس المحيط بأنّ: الجوارح: إناث الخيل، وأعضاء الإنسان التي تكتسب، وذوات الصّيْد من السباع والطير· والجوارح عند الفراهيدي: من ذوات الصّيْد من السباع والطير، الواحدة جارحة· رياضة الصقور تاريخياً ويورد صاحب كتاب ''الصّيْد بالصقور في ما يواكب العصور'' خالد بن علي البادي أنّ المصادر التاريخية المُعتمدة تشير إلى أنّ رياضة الصّيْد بالجوارح كما جاء في كتاب ياباني بعنوان ''خلاصة مما كتب عن رياضة الصّيْد بالصقور - قديماً وحديثاً''، إذ يتحدث عن رحلة كبيرة للصيد بالصقور في بلدة (جون منج) بأرض (تسو) والتي تقع إلى الشمال من بحيرة (تونج تنج) في الصين (وهو يسمى الآن بإقليم هومان) والتي اشترك فيها ملك (تسوون وانج)؟ وطبقاً للوثائق فقد تولى هذا الملك حكم البلاد من عام 689 إلى عام 675 قبل الميلاد، الأمر الذي يدعم الاعتقاد بأنّ رياضة الصّيْد بالصقور في الشرق الأقصى من الرياضات القديمة· أهل الوبر والصّيْد أما عن طبيعة معرفة العرب الذين عاشوا في مفازات الصحراء الشاسعة وهل مارسوا الصّيْد؟ ويطلعنا عبدالرحمن رأفت باشا في كتابه ''الصّيْد عند العرب أدواته وطرقه - حيوانه الصّائد والمَصيد'' بأنّهم: ''عاشوا عيشة الإملاق والفَاقة، ومن طبيعة أهل الوبر - إذا أمْلَقوا - أن يعتمدوا في عيشهم على الصّيْد، وأن يتخذوا من الحيوان مادة حياتهم الأوّلى· وقد هدتهم الفطرة إلى أن يؤنِّسوا وحشّه، ويروضوا نافِره، وأن يسخروه لمنفعتهم، فسلّطوا بعضه على بعض، وضربوا ضعيفه بقويّه، وقَنَصُوا غبيّه بذكيه، وجنَوا ثمرات ذلك كله متاعاً لهم ولمن يعولون من أهليهم، ولم يكن الصّيْد قبل الإسلام وسيلة من وسائل الرزق فحسب، وإنّما كان متعة من متع النفس، وضرباً من ضروب الحرب في أيام السلم· لذا أقبل العرب قبل الإسلام على الصّيْد إقبالاً كبيراً فطعموا من جُوع حين أكلوا لحوم الطرائد''· كما كانت العرب تُعلي من شأن القنصّ وتمدح الرجل بأكله من صيد يدهِ وتُعدّ ذلك آية على أنفتهِ، ونجد الشاعر امرؤ القيس يصف قانصاً هَرِماً من بني ثُعَل لا يزال - على الرغم من شيخوخته وطعنهِ في السِّنِ - يعتمد الصّيْد وسيلة وحيدة لكسب العيش فيقول: رُبِّ رامٍ من بني ثُعَل مُتلِجٌ كفيّهِ في قُترهْ فهو لا تنمي رميّته ماله لا عُدَّ من نفرهْ مُطعَمٌ للصيدِ ليس له غيرها كسبٌ على كبرهْ أوائل في الجوارح يُعَدُّ الروم من أوائل من مارس القنصّ بالبزاة والشواهين، بينما العرب هم أوّل من قنصّ بالصقور، والمغاربة أوّل من قنصّ بالعقبان، ولهذا قيل في ذلك ''البازي أعجمي، والصّقر عربيّ والكلاب للصعاليك والفتيان''· وقالوا إنّ أوّل من ضَرّى (درّب) الجارح للصّيد ليكون ضاريًا الصقور من العرب الحارث بن معاوية بن ثور· ونجد كتاب ''المصايد والمطارد'' لكشاجم (ت 385هـ) هو أوّل مَن كتَبَ في ''البيزرة'' كتابة علمية وصلت إلينا، وهو ديوان لشعر الطردّ في العصر العباسيّ جمع فيه مؤلفه لخير ما قاله هو في هذا الباب وأجود ما اختاره من شعر أبي نواس والرقاشي وابن أبي كريمة وابن المعتز والناشئ وغيرهم من فحول شعراء الطرد· وهو كتاب أصدرته دار اليقظة في بغداد سنة 1954م وقام بتحقيقه والتعليق عليه المرحوم الدكتور محمد أسعد طلس· أما مُفردة البيزرة أو البزدرة فهما كلمتان لا وجود لهما في كتب العربيّة، إنّما الموجود فيها كلمة: ''البِيزار'' و''البازَيار'' ومعناهما حامل البازيّ والجمع بيازِرَة، وهما من الدخيل على حدّ قول ابن منظور في لسان العرب· الصقور في الحيوان حفلت مصادرنا العربية القديمة بالإشارة إلى الطيور الجوارح والصقور، فالأديب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصريّ (ت 255هـ) ذكر في مُصنفه الحيوان عن الطيور الجوارح نحو: جوارح الملوك: الباز والفهد من جوارح الملوك· والشاهين، والصّقر، والزُّرَّق، واليؤيؤ· وأشار في موضوع ''النهي عن قتل الضفادع والخفافيش'' إلى أنّ لحوم الخفافيش موافقةٌ للشواهين والصقورة والبوازي، ولكثير من جوارح الطير، وهي تسمن عنها، وتصحّ أبدانها عليها''· حكايات الجوارح وردت العديد من الحكايات الماتعة التي حدثت للمتعاملين في صيد الصقور والجوارح أو مع هواتها من الخلفاء أو الأمراء وغيرهم من هواة الصيد· وقد حدثنا تقيّ الدين حمزة بن عبدالله الناشري في ''انتهاز الفرص في الصّيْد والقنص'' بتحقيق عبدالله محمد الحبشي الذي صدر عن المَجْمَع الثقافي في أبوظبي عام 2002م الكثير من الحكايات نورد لاثنتين منها: الرشيد والباز والسمكة خرج الرشيد - الخليفة العباسيّ هارون الرشيد - يوماً للصّيد فأرسلَ بازاً أشهب، فلم يزل يُحلِّق حتى غاب في الهواء ثم رجع بعد اليأس منه ومعه سمكة، فأحضر الخليفة هارون العلماء وسألهم عن ذلك، فقال مُقاتل: يا أمير المؤمنين روينا عن جدّك ابن عباس أنّ الهواء معمور بأممٍ مختلفةِ الخلقِ سكان فيه دواب بيضّ تُفرِّخ بأشياء على هيئة السّمك لها أجنحة ليست بذوات ريش· فأجاز مُقاتلاً على ذلك وأكرمه· أبو العبر والباشق ثم أورد حكاية طالعها في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني الذي قال بأنّ: بعضهم رأى أبا العبر الشاعر النديم واقفاً على بعض آكام بسُرّ مَن رَأى (سامرّاء اليوم) وبيده اليسرى قوس وعلى يده اليمنى باشق وعلى رأسه قطعة لحم في حَبْل مشدود بأنشوطة، وهو عريان، وفي شعر مفتول خيطاً، وقد شدّ فيه شصاً وألقاه في الماء لصيد السّمك وعلى شفته دوشاب وقد لطخها به، فقال له: ايش هذا؟ قال: أصطاد بجميع جوارحي إذا مرّ بي طائر رميته بالقوس فإذا سقط قريباً أرسلت عليه الباشق واللحم على رأسي تجيء الحدأة لتأخذه فتقع على الوهق، والدوشاب أصطاد به الذباب وأجعله في الشصِّ للسّمك! الجوارح في ديوان العرب قيل في الطيور الجوارح الكثير من النظم البديع والشعر البليغ لشعراء عبر العصور الأدبيّة لما كانت لرياضة الصّيْد والقنصّ بالطيور الجوارح من هواية محببة للعامة والخاصة على حدّ معاً، وذكر تقي الدين الناشري في مؤلفه نماذج لقصائد لشعراء من مختلف العصور الأدبية، مثل قصيدة للشاعر امرؤ القيس وهو يصف عقاباً من الطير: كأنّها حينَ فاضَ الماءُ واحتفَلَت صَقْعاءُ لاحَ لها في السّرْحَةِ الذِيْبُ فأبصَرَت شخصَهُ مِن فوقِ مَرقَبِهِ ودُونَ موقِعِهِ منهُ شناخِيْبُ فأقبلت نَحوه بالجوِّ كاسِرَة يحثّها مَن هَوَيِّ الرِّيْحِ تصويبُ فأدركتهُ فنَالته مَخالبها فأنْسلَ مِن تحتِها والدّفُ مثقُوبُ لا كالتي في هواء الجوِّ طالبة ولا كهذا الذي بالأرضِ مَطلُوبُ يلوذُ بالصّخرِ منها بعدَما قطرَت منها ومنهُ على الصّخرِ الشآبِيبُ ثم استغاثت بِمَتْنِ الأرضِ تَعْفره وباللسانِ وبالشِّدْقَيْنِ تتريبُ فطلَّ مُنحجراً مِنها يُراصِدها ويَرقُب اللّيلَ إنّ اللّيلَ محبُوبُ وقال الشاعر عبدالله الناشىء قصيدة مزدوجة في البازيّ: لمّا تعرّى الليلُ عن أثْبَاجِهِ وأرتاحَ ضوءُ الصبحِ لانبلاجه غدَوتُ أبغِي الصّيْد في منهاجِهِ بأقمر أبدعَ في نتاجِهِ ألبَسُهُ الخالِقُ مِن دِيبَاجِهِ ثوباً كفى الصّانع مِن نسّاجِهِ في نَسقٍ منه وفي انعواجِهِ وزَانَ فوْدَيْهِ إلى حِجاجِهِ بزينةٍ كَفًفْتْهُ نَظْمَ تاجِهِ فظفره يخبرُ عن علاجِهِ لو استضاء المرؤُ في إدلاجِهِ بعينهِ كفتْهُ عَن سِراجِهِ وأنشد الشاعر الحسن بن هانئ ''أبو نواس'' في الصّقر قائلاً: لا صَيْدَ إلاّ بالصّقورِ اللّمَحِ كلّ قطامي بعيد المطرحِ يلوي بخزَّان الصّحارى الجُمّحِ يسلكها بنَيْزَكٍ مُذرِّحِ ومَنسرٍ أقنَى كأنفِ المجدَحِ أبرَش مابينَ القرَا والمَذْبَحِ فأصطادَ قبلَ التَّعبِ المُبَرّحِ وقبلَ أوْبِ العَازِبِ المرَوِّحِ خمسينَ مثل العَنْزِ المُشْدحِ ما بينَ مذبُوحٍ وما لَم يُذْبَحِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©