الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل جاوز شوقي قدره في مدائحه للرسول صلى الله عليه وسلم

هل جاوز شوقي قدره في مدائحه للرسول صلى الله عليه وسلم
8 أكتوبر 2008 23:27
الثناء شعراً على شخص، يسمى مديحا أما الثناء على الميت فيسمى رثاء· ولكن معظم المدائح النبوية قد قيلت بعد وفاة الرسول ''صلى الله عليه وسلم''، وهي تسمى مدائح لأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام موصول الحياة يعيش اسمه وذكره بيننا كل لحظة وإذا سلمنا عليه رد علينا السلام كما جاء في الحديث الشريف· كانت هناك مدائح للرسول ''صلى الله عليه وسلم'' في حياته لشعراء أمثال كعب بن زهير صاحب قصيدة ''بانت سعاد'' وقصائد عديدة لأمثال عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء في غزوة مؤتة التي استشهد فيها والذي كان ينشد في الغزوات: خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله وكانت هناك مدائح أيضا لأمثال كعب بن مالك وشاعر الرسول حسان بن ثابت الذي يقول في مدح الرسول (ص): فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء وحسان رثى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاته بعدة قصائد منها واحدة مطلعها: بطيبة رسم للنبي ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد وفي حالة شعراء مثل حسان عمد مؤرخو الأدب للتفريق بين المدائح والمراثي لأن الشاعر قال بعضها في حياة المصطفى وبعضها بعد الوفاة، ولكن في حالة الشعراء الذين جاءوا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فتعتبر قصائدهم فيه كلها مدائح· ولأمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) عدة قصائد في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) أشهرها القصائد الثلاث التي غنتها السيدة أم كلثوم فانتشرت بين الناس على اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية· وكان شوقي بهذه القصائد وأمثالها يتقرب إلى الله، فقد كان إسلامي النزعة متحمسا للخلافة العثمانية على الرغم من تساهلاته في بعض تصرفاته وأقواله · وكان شوقي أيضاً بهذه المدائح يكسب قلوب المصريين بل والعرب والمسلمين في مختلف البلدان وقد توج أميراً للشعراء عام 1927 وكان قد ولد في قصر الخديوي إسماعيل وكان شاعر الأمير عقوداً قبل أن يبايعه الشعراء بالإمارة ومنهم حافظ إبراهيم الذي قال: أمير القوافي قد أتيت مبايعاً وهذي وفود الشرق قد بايعت معي وكان شوقي قبل ذلك يفخر بأنه شاعر الأمير وهو القائل عن نفسه: شاعر العزيز وما بالقليل ذا اللقب وكان شوقي يعلم أنه لن يغضب الخديوي بمدح الرسول إذ كان يراعي فيما يكتبه من شعر رضى الأمير في المقام الأول قبل رضى الشعب، بل إنه هجا أحمد عرابي بطل الثورة العرابية ممالأة للحاكم في قصيدة تجنب نشرها في ديوانه الشوقيات ومطلعها: صغار في الذهاب وفي الإياب أهذا كل حظك يا عرابي وكل هذا لا يعني أن شوقي لم يكتب الكثير من الشعر الوطني خصوصا بعد مرحلة نفيه عام 1914 إلى إشبيلية في الأندلس· أليس هو القائل: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق والقائل: حرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس وفي قصيدة ''ذكرى المولد'' المعروفة بـ ''سلوا قلبي'' يقول مجاملاً الحاكم: مدحت المالكين فزدت قدراً فحين مدحتك اجتزت السحابا أما في ''الهمزية النبوية'' المعروفة بـ ''ولد الهدى'' فيقول مخاطباً الرسول (صلى الله عليه وسلم): ما جئت بابك مادحاً بل داعياً ومن المديح تضرع ودعاء والحقيقية أنه جاء داعيا وأيضا مادحا، فكما بينا في أول المقال إن مثل هذا الثناء هو مديح· يقول شوقي في مطلع ''الهمزية'': ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء الروح والملأ الملائك حوله للدين والدنيا به بشراء والعرش يزهو والحظيرة تزدهي والمنتهى والسدرة العصماء وحديقة الفرقان ضاحكة الربا بالترجمان شذية غناء والوحي يقطر سلسلاً من سلسل في اللوح والقلم البديع رواء نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة في اللوح واسم محمد طغراء اسم الجلالة في بديع حروفه ألف هنالك واسم طه الباء يقول الناقد إيليا الحادي عن هذه الأبيات ''وإذا ما تحدقت بتلك الأبيات وترويت عليها وأخذتها بالتبصر والأناة لتدرك مالها أو فحواها تجد أنها ذات معان صياحة تهويلية تصعق القارئ وتذهله ذهولا حسيا وتقتحم عليه يقينه دون أن تطلعه على آية جديدة من العنصرية المحمدية·· إنه مرة أخرى تشظي الانفعال وطيشه واختلابه بالصور الفاقعة والألفاظ الكبيرة التي يتجسد لها التعميم والغلو والإطلاق: (الكائنات، الزمان، الروح، الدين والدنيا، العرض، المنتهى، السدرة، اللوح، اسم الجلالة)·· فهل أن مهمة الشعر هي تعظيم محمد بالألفاظ والصور الشاهقة، بل إن مهمته هي الاتصال بضميره والتوحد مع معاناته واستحضار التجارب التي مر بها والحقائق التي نزلت عليه''· والحقيقة أنه لو كان شوقي قد كتب هذه القصيدة عن شخص آخر غير الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكان الناقد قد أصاب، فالناقد من المؤمنين بالشعر الحديث الذي لا يصف الأمور من الخارج فحسب، بل يتناول الأمور من داخلها ويصل إلى أعماقها، وشوقي كان صاحب شاعرية فذة ولكنه عاش في عصر كان الشعر فيه تقليديا وكان شوقي يقوم بعمل تأسيسي يحاول فيه ترسم طرق الشعراء الكبار في العصر الذهبي للشعر العباسي والشعر الأندلسي، وكان أكثر ذلك الشعر القديم يعتمد التصوير من الخارج وكان شوقي كلاسيكيا في معظم شعره، وبعد أن أحتك بفرنسا وزار الغرب تأثر إلى حد ما بالرومانسية، وشوقي نفسه في مقدمة الطبعة الأولى لديوانه كما يقول محمد مندور ''تفجع على الشعر العربي وعلى بعض من فطاحلته أمثال المتنبي الذي بدد جزءاً كبيراً من طاقته الشعرية الجبارة في المديح''· ويقول ''وكان المتنبي من الكبرياء والاعتزاز بالنفس وبموهبته الشعرية الفذه، بحيث يرى نفسه صديقا أو نداً لسيف الدولة لا تابعا مداحا، وذلك بينما نحس من مدائح أحمد شوقي أنها كانت مجرد صناعة وأنه لم يكن يمدح شخصا معينا هو عباس الثاني عن اقتناع وإعجاب بل كان يمدح الحاكم في شخص عباس الثاني''· وهذا يأخذنا إلى الأبيات السبعة الأولى من الهمزية النبوية أعلاه فنجد أنها بالفعل تبهرنا ونشعر بروعتها والسبب هي أنها عن الرسول (ص) الذي يستحق كل هذه الأوصاف فهو أعظم من خلق الله على الأقل بالنسبة للمسلمين فلا نحس أن فيها غلوا كما يقول إيليا حاوي الذي على الرغم من إعجابه وتقديره لرسول الإسلام إلا أنه لا يؤمن برسالته إيمان المسلمين المؤمنين· ولذلك فإن أسلوب شوقي يحشد هذه الصور الفاقعة والألفاظ الكبيرة التي يمجها الذوق في مدائحة للحكام ولكن يتقبلها الذوق في مدائح الرسول بل يجد فيها روعة وجمالاً ولذلك يطرب لها كثيرا في أغاني أم كلثوم· والحقيقة أن أم كلثوم أحسنت في معظم اختيارها للأبيات وبما أن شعر شوقي من ذلك النوع الذي لا يتأثر كثيراً باقتطاع الأبيات من القصيدة والتقديم والتأخير إذ يقوم شعره على البيت، ولذلك فالمستمع للأغنية لا يشعر كثيراً بأن هناك إخلالاً بالوحدة العضوية للقصيدة· ومن القصيدة نتابع هذه الأبيات: يوم يتيه على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضاء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغري بهن ويولع الكرماء أما الجماك فأنت شمس ضيائه وملاحة الصدّيق منك أباء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء وإذا عفوت فقادرا ومقدرا لا يستهن بعفوك الجهلاء وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو النديّ وللقلوب بكاء وإذا قضيت فلا ارتيابَ كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء دين يشيَّد آية في آية لبناته السورات والأضواء بك يا ابن عبدالله قامت سمحة بالحق من ملل الهدى غراء وهذه الصفات يؤيدها ما جاء في السيرة أو الآيات والأحاديث، ولكن لماذا اكتفى بجعل الإسلام سمحة من ملل الهدى وكأنها ليست الرسالة الأخيرة الكاملة· لا أظن أن شاعراً فحلا مثل شوقي كان بعجزة التعبير، فهل أراد أن يبدو متسامحا مع الملل الأخرى وخصوصا في مصر؟ ثم يقول شوقي: بنيت على التوحيد وهي حقيقة نادى بها سقراط والقدماء وهكذا شوقي في كثير من قصائده يحشر سقراط وارسطاليس وغيرهم ليظهر معرفته بالتاريخ القديم هنا وهناك دون ربط عميق بالموضوع ويدخل أيضا ايزيس، فقد كان شوقي في تلك الفترة يهتم بتمجيد الفراعنة وتاريخ مصر القديم وكانت دعوة القومية العربية لم تكن قد ظهرت بقوة بعد، بل إن شوقي كان لا يناصر حركة مثل حركة الشريف حسين لأنها عارضت العثمانيين الذين كان شوقي مؤيدا لهم وربما أيضا لأنها كانت تتكئ على مساعدة الاستعمار البريطاني· ثم يقول شوقي في بعض الأبيات: والدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء الإشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء داويت متتدا وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الداء والبِر عندك منة وفريضة لا منة ممنونة وجباء جاءت فوحدت الزكاة سبيله حتى التقى الكرماء والبخلاء فلو أن إنسانا تخير ملة ما اختار إلا دينك الفقراء والحقيقة نقول غير ذلك، فالإسلام دين يتخيره الفقراء والأغنياء أيضا وإلا لما كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف من أوائل المسلمين فشوقي يسيء هنا إلى الإسلام من دون أن يقصد ثم إن في هذه القصيدة التي تقع في نحو 130 بيتا الكثير من الأبيات العادية التي يغلب عليها النظم وهي أبيات في عمومها أقل جمالا من الأبيات التي غنتها أم كلثوم· أما القصيدة الثانية من أغنيات أم كلثوم فكتبت في ذكرى المولد وتبدأ بشعر عاطفي تقليدي ولكن جميل ثم تنتشر في القصيدة أبيات الحكمة الرائعة التي دخلت إلى ذاكرة الأدب العربي المعاصر من أوسع الأبواب وقد أحسنت أم كلثوم اختيار الأبيات للغناء: سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعل على الجمال له عتابا ويسأل في الحوادث ذو صواب فهل ترك الجمال له صوابا وكنت إذا سألت القلب يوما تولى الدمع عن قلبي الجوابا ولي بين الضلوع دم ولحم هما الواهي الذي ثكل الشبابا تسرب في الدموع فقلت ولى وصفق في الضلوع فقلت ثابا ولو خلقت قلوب من حديد لما حملت كما حمل العذابا وهي أبيات جميلة ومدخل يختلف عن مدخل الهمزية النبوية التي تبدأ مباشرة: بـ ''ولد الهدى'' وذكر الرسول (ص) ثم لنستمع لأبيات الحكمة الجميلة التالية: أخا الدنيا أرى دنياك أفعى تبدل كل آونة إهابا ومن عجب تشيب عاشقيها وتفنيهم وما برحت كعابا فمن يغتر بالدنيا فإني لبست بها فأبليت الثيابا جنيت بروضها وردا وشوكا وذقت بكأسها شهدا وصابا فلم أر غير حكم الله حكما ولم أر دون باب الله بابا وأن البِرّ خير في حياة وأبقى بعد صاحبه ثوابا ومن يعدل بحب الله شيئا كحب المال ضل هوى وخابا وهذه القصيدة في نحو 70 بيتا وتركز على الأخلاق وقيم الإسلام وتتزين بأبيات الحكمة والمثل السائر ومنها: نبي البر بينه سبيلا وسن خلاله وهدى الشعابا وكان بيانه للهدى سبيلا وكانت خيله للحق غابا وعلمنا بناء المجد حتى أخذنا إمرة الأرض اغتصابا وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وما استعصى على قوم مثال إذا الإقدام كان لهم ركابا وهي أبيات قوية رائعة وإن كان المسلمون لم يأخذوا الأرض اغتصابا وإنما كانوا ينشرون الإسلام في كثير من البلدان بالدعوة وحسن المعاملة والقدوة الحسنة·· أي كانوا دعاة ولم يكونوا جباة·· ويقول فيها: أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا وما للمسلمين سواك حصن إذا ما الضر مسهم ونابا ولو حفظوا سبيلك كان نوراً وكان من النحوس لهم حجابا وشوقي حسبما نعرف من أصول شركسية وتركية ويونانية ولكن يبدو أن شوقي يعرف أو يعتقد أن له انتساب إلى الهاشميين· أما القصيدة الثالثة ''نهج البردة'' أو ''ريم على القاع'' التي يعارض فيها شوقي برده البوصيرى ''أمن تذكر جيران ندى سلم'' فهي في رأي بعض النقاد الأفضل بين القصائد الثلاث· ولكنها تحتاج إلى حديث آخر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©