الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جسد نحيل

جسد نحيل
8 أكتوبر 2008 23:34
بدأ جسدها يتكون رويداً رويداً، حتى اكتملت ملامحه النحيلة أمامه، نظر إليها من خلف الغلالة التي ترتديها، شمس الظهيرة نفذت بنعومة خلال الغلالة· اجتازت بدقة مواضع جسدها، لطالما عشق هذا الجسد، وكانت يده تتلمس هذه المواضع أحيانا بدعابة أو ضحكة أو لحظة عشق·· ''هل يوجد أحد هنا؟'' - ارتفع صوته الأجش، ونظراته تحملق في الشقة الباردة، تردد صوته، فعاد يستمع إلى تردده بمزيج من الضيق والحزن، شعر بثقل ساقيه، وهما تقودانه إلى داخل غرفتهما، بدا جسدها متعبا، اقترب منها، تطلع إلى عينيها الواهنتين، شعر بغصة في حلقه، وبوهن في أطرافه، كانت مشاعره كلها تبكي، وكانت هي تبكي، لا لا لم تكن تبكي، كانت تحاول إخفاء ذلك المرض، والتشبث بأي شيء، لاح له وجهها المتعب وقسماته· تأملها من قدميها الصغيرتين إلى جسدها النحيل، سعل بقوة، سعلته المعتادة، شعر بيديها تحوطان كتفيه، ما أجمل الشرود في أحضانها! لاحت له الكثير من الوجوه المتعبة التي رآها في طفولته، وجوه متعبة، مظلمة، تحمل الكثير من الظلم والوهن والقهر، وكان يرى في كل وجه ملامحها، ومرضها، وطفولتها، والألم·· كان يضربها حتى يتخلص من ألمه، وكان يتألم لألمها، كان الألم في جسدها كبيرا، وكانت تخفيه بقناع ثلجي بارد· اقترب منها أكثر حتى لامست أنامله جسدها، بل عظمها الرخو، فأزاحته قليلا·· ''ما بك؟'' أجابت بلا مبالاة: لا شيء لامست يداه أناملها، خدها، وضع الوسادة تحت رأسها·· ''أنا بخير، لا تقلق''· خلعت ثوبها بصعوبة، مد يديه، حاول مساعدتها، أزاحته في رقة، شعر بالضيق، لكنه عاد ينظر إلى جسدها العاري، تأمل التصاق جلدها بهيكلها العظمي، تمدد جوارها، تمنى لو تصرخ حتى يحضنها ويبكي معها·· بدت الشقة له كبيرة للغاية، رغم شكواها المستمرة من صغرها، وأنها لن تكفي لأطفالهم في المستقبل·· اقترب من السرير، جلس على حافته، تأمل وجهها، أخذ بيديها وقربها من وجهه، بدت دافئة، حنونة، احتضنها، في لحظة مر خيالها عليه، رآها ترتدي البياض، كم عشق اللون الأبيض على جسدها النحيل؟ كانت تعلم عشقه لهذا اللون، وإلحاحه المستمر حتى ترتديه بصورة مستمرة، أربكته الخيالات، وهو يراها تتحرك في أرجاء الشقة، صامتة، تؤدي عملها في صمت وخشوع، اقترب منها، تمنى لو يلتصق بها، مرت عليه أمور كثيرة، صوت قطة الجيران، وهي تسقط تحت عجلة السيارة، بركة الدماء، والأمعاء التي تفجرت ونافورة الدماء التي سالت على الطريق، وقف يتأملها بمزيد من الصمت والخوف، شعر برغبة بالغثيان، تقلبات معدته تضايقه، منظر الشقة في هذا اليوم يبدو غريباً، طيفها يمر أمامه، وصورة أمعاء القطة تحتل مخيلته بجانبها، خرج من غرفة إلى أخرى، كان يلاحقها ويديه تحاولان الإمساك بطرف ثوبها الأبيض، صوت دقات قلبها، شهيقها المستمر، العرق البارد المتصبب على وجهها·· الوجوه كلها تطوف به، ووجهها يلاحقه باستمرار·· بكى في ألم، ثم عاد يطلق ضحكة مجنونة وعيناه تتأملان خيالها المنكسر وهو يغادره في صمت·· بينما كان السرير خالياً، والجدران خالية·· قاصة إماراتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©